ضربة معلّم للشرع: كيف ضُرِبَ التّقاطع الإيرانيّ – الإسرائيليّ؟

كيف وجّه الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع ضربةً لتقاطع مصالح إسرائيل وإيران في سوريا؟ وما هي الأسباب التي أدّت إلى الاتّفاق بينه وبين قائد قوّات سوريا الدّيمقراطيّة مظلوم عبدي؟

ضربَ الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع مُخطّط تقسيم بلاده بحجر الاتّفاق مع قوّات سوريا الدّيمقراطيّة. جاءَت الصّورة التي جمَعَت الشّرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي عقبَ توقيع اتّفاقٍ تاريخيّ يقضي بدمج قوّات “قسد” بالجيش السّوريّ ورفضِ التّقسيم بشكلٍ واضح، في توقيت يصلُحُ فيه أن تصحّ تسمية الاتّفاق بـ”ضربة معلّم”.

قبل توقيع الاتّفاق بين الشّرع وعبدي، كانَت الأحداث في جنوب سوريا وشمالها الشّرقيّ وساحلها تشير إلى أنّ تقسيم البلاد التي مزّقتها سنوات الصّراع مع حكم آل الأسد آتٍ لا محالة.

يقول مصدرٌ في الإدارة السّوريّة لـ”أساس” إنّ بصمات إيران كانت واضحة في أحداث السّاحل السّوريّ، وإنّ ما حصلَ في السّاحل من محاولةٍ انقلابيّة لإنشاء دويلة علويّة هناك كانَ بدعمٍ من الحرس الثّوريّ الإيرانيّ. كذلكَ رصدَت الإدارة السّوريّة وتركيا محاولات إيرانيّة لاستغلال الملفّ الكرديّ في شمال شرق سوريا لتحريك جماعات مرتبطة بحزب العمّال الكُردستانيّ.

يكشف المصدر أنّ ما جرى في السّاحل كانَ مخطّطاً له أن يبدأ في منتصف الأسبوع الجاري، لكنّ انكشاف خليّةٍ لفلول النّظام السّابق في منطقة جبلة أدّى إلى تحرّك بقيّة الخلايا في مناطق السّاحل في طرطوس واللاذقيّة وبانياس.

تتقاطع إيران مع إسرائيل في مُخطّط التقسيم في سوريا على الآتي:

*تطمحُ إسرائيل إلى إنشاء دويلة درزيّة في جنوب سوريا تكون منطقةً عازلةً عن حدود الجولان السّوريّ المُحتلّ، وصورةً مُكبّرةً عمّا كانَ عليه جيش “لبنان الجنوبي” بقيادة أنطوان لحد في جنوب لبنان.

إيران بدورها تُحاول إنشاء دويلة للعلويّين لسببَيْن:

*الأوّل: جغرافيا السّاحل السّوريّ عند البحر الأبيضِ المُتوسّط، وهو ما تراهُ طهران بديلاً عن الخطّ البرّيّ (طهران – بغداد – دمشق – بيروت) بعد انقطاعهِ بسقوط بشّار الأسد. ولذلك تكونُ شواطئ السّاحل السّوريّ معبراً جديداً لنفوذ إيران نحوَ ساحل المُتوسّط وتمرير السّلاح والأموال إلى سوريا ولبنان.

*الثّاني: استخدام الدّويلة العلويّة مبرّراً لتدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّة الشّيعيّة” بجميع مُتفرّعاتها (الاثني عشريّة، العلويّة، والإسماعيليّة).

*تتقاطع طهران وتل أبيب على دعمِ الانفصال الكُرديّ. إذ تريدُ إسرائيل بذلك تبرير تدخّلها في سوريا تحت عنوان “حماية الأقليّتَيْن الكُرديّة والدّرزيّة”، وترى إيران في الانفصال الكُرديّ عنواناً مُناسباً لدعم الانفصال العلويّ في السّاحل السّوريّ.

الأهمّ أنّ إسرائيل كانت تطمح إلى أن يكونَ نفوذها في “الدّويلة الكُرديّة” عند حدود تركيا التي باتَ نفوذها على حدود إسرائيل في دمشق. وترى إيران في دعمِ الانفصاليين الأكراد في سوريا ردّاً على دور أنقرة في الإطاحة بنظام بشّار الأسد وما تلاه من ضربِ نفوذها على الجغرافيا السّوريّة وضربِ الحجر الأساسِ في “الهلال الشّيعيّ” الذي عمِلَت إيران على تحقيقه منذ سقوط نظام صدّام حسين في العراق في ربيع عام 2003.

كيف ضُرِبَ التّقاطع الإيرانيّ – الإسرائيليّ؟

* أوّل ضربةٍ لأطماع تل أبيب وطهران كانت عبر النّداء الذي أصدره زعيم حزب العمّال الكُردستاني عبدالله أوجلان لإلقاء السّلاح واللجوء إلى الحلّ السّياسيّ للقضيّة الكُرديّة. فأوجلان الكُرديّ كانَ مُتحالفاً طوال سنوات تمرّده ضدّ تركيا مع نظام حافظِ الأسد حتّى توقيع اتّفاق أضنة بين دمشق وأنقرة الذي أخرجه من سوريا. كانَ أوجلان يعملُ تحت إشراف جميل الأسد وبالشّراكة مع زعيم ميليشيا “المقاومة السّوريّة في لواء إسكندرون” علي كيّالي (معراج أورال)، وهو كُرديّ – علويّ.

هذا يعني أنّ بيان أوجلان لم يُشكّل ضربةً فقط في شمال شرق سوريا، بل حتّى لفلول النّظام الذين كانوا يُراهنون على انضمام الانفصاليين الأكراد في معركتهم ضدّ الإدارة السّوريّة.

*الضّربة الثّانية كانَت وأد المحاولة الانفصاليّة في السّاحل السّوريّ. وعلى الرّغم من وقوع تجاوزات طالَت العديد من أبناء الطّائفة العلويّة، إلّا أنّه يُسجّل لأحمد الشّرع اعترافه بوقوع هذه التجاوزات، وتعهّده بشكلٍ شخصيّ بإجراء تحقيقات ومحاسبة المُرتكبين.

*الضّربة الثّالثة جاءَت في اتّفاق الشّرع – عبدي. وهي ضربة قاسية لمشاريع التقسيم في سوريا، إذ يقطع هذا الاتّفاق الطّريق على نوايا طهران وتل أبيب لزعزعة استقرار سوريا وإنشاء “دويلات” على أرضها.

في هذا الإطار، علم “أساس” أنّ القيادة السّوريّة تعملُ على إبرام اتّفاقٍ مع الفاعليّات الدّرزيّة في جنوب سوريا يضمنُ عدم التّعرّض للدّروز واندماجهم في الدّولة، مع إمكانيّة الأخذ في الاعتبار إنشاء نظام ضريبيّ لامركزيّ. ولا تنفي المصادر إمكانيّة أن تتّخذ الإدارة السّوريّة خطوات من شأنها إعادة الاستقرار إلى السّاحل السّوريّ وطمأنة المواطنين العلويّين.

ما هي الأسباب التي أدّت إلى إبرام الاتّفاق بين الشّرع وعبدي؟

لعبت المُتغيّرات الإقليميّة والدولية دوراً مركزيّاً في تسريع إبرام الاتّفاق بين الإدارة السّوريّة و”قسد”، وأبرزها:

* شكّلَ وصول دونالد ترامب إلى السّلطة في الولايات المُتّحدة دافعاً أساسيّاً في إبرام الاتّفاق. إذ إنّ الرّئيس الأميركيّ، على عكس سلفهِ جو بايدن، تجمعه علاقة متينة بالرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان، الذي كان يُلوّح بعمليّة عسكريّة ضدّ “قسد” منذ ما قبل سقوط بشّار الأسد.

* التّصريحات التي أطلقها الرّئيس ترامب أكثر من مرّة، والتي تؤكّد عدم إيلائه اهتماماً بالملفّ السّوريّ. وهذا من شأنِه أن يرفع منسوب القلق لدى الأكراد من أن يشنّ إردوغان عمليّة عسكريّة من دون ردعٍ أميركيّ.

* الجهودُ التي بذلها زعيم الحزب الدّيمقراطي الكردستانيّ مسعود البارزاني بين أنقرة ومظلوم عبدي لتجنّب العمليّة العسكريّة التّركيّة.

* الدّور غير المُعلَن للاستخبارات البريطانيّة MI6، إذ تطمحُ لندن أن تكونَ مناطق شمال شرق سوريا مُستقرّة، نظراً لاهتمامات لندن بإعادة عمل الشّركات البريطانيّة في حقول النّفط السّوريّة في الحسكة ودير الزّور. وهنا تجدرُ الإشارة إلى العلاقة المتينة للاستخبارات البريطانيّة مع الطّرفيْن الأساسيَّيْن في الصّراع في شمال شرق سوريا، أنقرة و”قسد”.

ابراهيم ريحان- اساس

مقالات ذات صلة