“مزار” تهشيم وجه بيروت الحضاري: بُعْدٌ “استثماريّ” واضح وتدفق للعملات!

يُتوقَّع أن تبلغ تكاليف بناء قبر الأمين العام لـ “حزب اللّه”، حسن نصر اللّه نحو 50 مليون دولار، منها مبلغ 44 مليون دولار، ثمن الأرض التي بُني عليها القبر على طريق المطار، فيما بلغت تكلفة بناء المرقد 6 ملايين دولار بعد إزالة العائلات التي كانت تستولي على هذا العقار الذي يُتوقع أن يتحوّل إلى مزار على شاكلة المزارات في العراق وإيران وهو أمر غير معهود حتى بالنسبة إلى مراجع كبار من الشيعة أمثال الراحل السيد محمد حسين فضل اللّه أو بالنسبة إلى الأمين العام الراحل “للحزب” عباس الموسوي، ما يعني أنّ مدفن نصر اللّه يُراد له أن يكون نموذجاً مختلفاً.
لقد دُفِن المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل اللّه بجنب قاعة الزهراء الملحقة بمسجد الإمامين الحسنين في محلة حارة حريك في الضاحية الجنوبية ولا شكّ أنّ له محبّين ومقلّدين يزورون ضريحه، ولكن من دون أن يتحوّل ذلك إلى فعلٍ سياسي، كما أنّ للسيد عباس الموسوي ضريحاً في بلدة النبي شيت لم يُسمع أنّه تحوّل مقصداً للزوّار من العراق وإيران وغيرها، وهذا هو حال بقيّة الرموز الشيعية في لبنان.
إنّ إنفاق ما يزيد عن الخمسين مليون دولار لإقامة ضريح لنصر اللّه في هذه الظروف الصعبة والقاسية التي تمرّ بها الطائفة الشيعية بعد أن فقدت رجالها وخسرت بيوتها وفقدت أعمالها… يُعتبَرُ تبذيراً وبذخاً غير مفهومين، ولو أنّ هذه الأموال صُرِفَت على المحتاجين من الطائفة الشيعية لكان ذلك أجدى من إقامة الأسوار واستحضار الزوّار بهدف نقل النموذج الإيراني في إقامة الأضرحة وتنظيم الزيارات الشعبية وتحويل كل مناسبة سياسية أو تاريخية إلى محطة للتحشيد والاستعراض السياسي، تماماً كما كان التشييع منصّة للظهور بمظهر المسيطر والقادر على التحشيد الجماهيري، رغم أنّ “الحزب” لم يجد رقعة في الضاحية ينظّم فيها التشييع بسبب انتشار الدمار، فلم يجد إلّا مدينة كميل شمعون الرياضية برمزيتها الرئاسية والمكانية.
سيعمل “حزب اللّه” على نقل نموذج الزيارات للمدافن الشيعية في العراق بعد إسقاط صدام حسين، وفي إيران، حيث تسود كلّ أشكال الخزعبلات والخرافات والشطط بين الجمهور، ويظهر مئات المعمَّمين يرشقون الرأي العام بآلاف الروايات غير المعقولة ويحقنون جمهورهم بكلّ ألوان الحقد والتكبّر والاستعلاء على الجميع ومن دون تمييز.
من يشاهد المواكب في المناسبات الشيعية في العراق الواقع تحت السيطرة الإيرانية يتأكّد من أنّ تحويل قبر نصر اللّه إلى هذا النموذج سيجعل بيروت مقصِداً للآلاف من الفوضويين الذين شوّهوا حتى أصل مقاصد الزيارات للمراقد الدينية في العراق، وهذا ما تكشفه التسجيلات والتوثيقات للزاحفين إلى تلك المراقد والذين يغرقون في التطرّف المذهبي من جهة، ويستهدفون بنيان الدولة بسبب ولائهم الأعمى لإيران من جهة أخرى.
من الواضح أنّ غياب نصر اللّه أدّى إلى كسر ظهر “الحزب”، وفي أحد تفسيرات بناء هذا الضريح المكلف، هو أنّ الحزب ما زال يحتاج إلى أمينه العام الراحل ليحافظ على عصبه الحزبي والطائفي، باستغلال رمزية “السيد” للاستمرار في الإمساك برقاب الشيعة.
ما بين نموذج ضريح المرجع السيد محمد حسين فضل اللّه بتواضعه وبساطته وبين مرقد حسن نصر اللّه الذي لم يكن مرجعاً، بل كان قائداً عسكرياً في جيش الولي الفقيه، ذا صفة دينية، من دون أن يكون مرجعاً، وهذا يضيف المزيد من التساؤلات حول أسباب وخلفيات تحويل قبره إلى مزار إيراني على طريق المطار، بهدف ضرب وتغيير الوجه الحضاري لبيروت وتكريس الهوية الإيرانية على حساب الهوية الوطنية.
لم يعرف اللبنانيون كيف استحوذ “حزبُ اللّه” على أرض قبر نصر اللّه، هل جرى شراؤها حسب الأصول مع دفع الضرائب المحدّدة على العقار بيعاً وشراءً، وهل الاستحواذ على الأرض قانوني أم أنّها محتلّة وجرى إخراج محتلين آخرين منها؟
ومع ظهور مشاهد رمي العامة للأموال داخل قبر نصر اللّه ينكشف بُعْدٌ “استثماريّ” واضح حيث ستتدفق العملات ويجري تعويض الخمسين مليون دولار وجني الأرباح كلّما تقدّم الوقت، ولن يعلم أحدٌ أين تذهب هذه المبالغ بينما سيبقى عامة الشيعة في بؤسهم وانتظارهم الإعمار على وقع خطاب الموت والدمار.
احمد الايوبي- نداء الوطن