تليين إيران أو تركيعها: صراع حقيقي ولا قرار في واشنطن؟

المؤكّد الأكيد أنّ مساعدي دونالد ترامب نصحوه بأنّه لا يمكن تحقيق صفقة شرق أوسطية من دون “تليين” الموقف الإيراني عبر عرض صريح ومباشر. الصراع داخل الإدارة الأميركية الآن هو على المفاضلة بين أساليب هذا “التليين” لجذب طهران ووقف نشاط وكلائها في المنطقة بشكل نهائي لا مؤقّت.
الخيارات الآن بين أكثر من أسلوب:
1- الاقتراح الذي يدعمه ويتبنّاه السفير الأميركي الجديد في إسرائيل مايك هاكابي المتأثّر تماماً بفكر بنيامين نتنياهو وتحالفه الحاكم المتشدّد، والذي يرى أنّ بوصلة العدوّ الاستراتيجي الأوّل والحالي هي إيران، وأنّه يتعيّن ضرب مشروعها النووي بمساعدة أساسية من واشنطن.
2- المسار الذي يتبنّاه وزراء الخزانة والدفاع والخارجية والقائم على ممارسة ما يعرف بـ”الضغط الأقصى” على إيران بهدف تركيعها سياسياً. هذا الضغط، الذي أعدّ خطّته وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، يعتمد على نظريّة هو مهندسها. تستند الخطّة على فلسفة “جعل إيران تفلس مرّة أخرى، تمهيداً لبدء سياسة بلادنا المعوّلة على تشديد العقوبات”. وألمحت مصادر خليجية إلى أنّ “هناك بحوثاً أميركية لإيجاد وسائل تمنع طهران من بيع النفط والغاز والحاصلات الأساسية وشحنه إلى العالم”.
يحدث ذلك بعدما صوّت مجلس الشورى الإيراني على إقالة وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي وتحميله مسؤولية تدهور حال الاقتصاد والهبوط التاريخي للعملة الإيرانية مقابل الدولار الأميركي وارتفاع مستوى التضخّم، ووصول أكثر من 35% من السكّان إلى ما تحت المستوى العالمي للفقر.
هكذا تلعب إدارة ترامب أسلوبها التفاوضيّ القائم على المعادلة الآتية:
1- إعلان الحدّ الأقصى للعقوبات من كلّ الاتّجاهات.
2- تصعيد حملات الهجوم الإعلامي على الخصوم بمنهج “الحرب على الورق”.
3- بعد ذلك، تُفتح قنوات خلفيّة إلى حين السعي للتفاوض.
في المقابل، يعتمد الأسلوب التفاوضي الإيراني على السلوك التالي:
*تسخين ردود فعل الوكلاء في المنطقة: لاحظ كلمة عبدالملك الحوثي التصعيدية الأخيرة. ولاحظ الحشد التاريخي في جنازة السيّدين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين رحمهما الله. ولاحظ كلمة أسامة حمدان التي تؤكّد رفض تسليم السلاح في غزة. ولاحظ الأخذ والردّ والجدل من نوّاب “الحزب” في البرلمان في مسألة ثنائيّة السلاح في لبنان.
*في المقابل، تأتي تصريحات مزدوجة المعاني من طهران، الأولى من رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان الذي يرى أنّ الحوار مع واشنطن ضروري واستراتيجي، ثمّ يصرّح بأنّ المرشد الأعلى رفض هذا الحوار لأنّه يعتبر أنّ من الغباء السياسي الحوار مع الطرف نفسه الذي ألغى الاتّفاق النووي.
*في الوقت نفسه يتسرّب عمداً خبر حدوث حوار مباشر للمرّة الأولى بين حماس والإدارة الأميركية، حينما التقى أخيراً أحد كبار أعضاء المكتب السياسي لحماس خليل الحيّة في الدوحة، مع آدم بوهلر المفوّض الأميركي في وساطة وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن.
خطوات متوازية
في المهرجان السياسي غير المسبوق للتصريحات والمواقف التي تبدو متناقضة لكنها مقصودة من قبل الرئيس ترامب وفريقه، الذي يدين له بالطاعة الكاملة، ويسعى إلى تفسير سياساته بعد قراره وليس التمهيد المنطقي لها قبل الصدور، سوف نكتشف أنّ هناك خطوات عدّة متوازية ومختلفة، تتحرّك في مسارات يصعب أن تجد لها نقطة تلاقٍ ممكنة:
المسار الأوّل هو مسار رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، الذي عُيّن قبل 3 أسابيع، المشرف العامّ والمدير لفريق التفاوض حول الأسرى والرهائن ووقف إطلاق النار.
يقابل هذا المسار من الجانب الأميركي ستيف ويتكوف، المبعوث الخاصّ لترامب إلى الشرق الأوسط، الذي ظهر أيضاً في ملفّ الوساطة الأوكرانية الروسيّة.
كلاهما، ديرمر وويتكوف، يحظيان بالثقة الأعلى والكاملة من نتنياهو وترامب.
كان ديرمر سفيراً لبلاده في واشنطن لمدّة 6 سنوات، ولم يرسل نسخة تقرير واحدة إلى مقرّ ديوان الخارجية الإسرائيلية كما تقضي الأعراف الدبلوماسية، لكنّه كان يرسل كلّ تقاريره إلى نتنياهو وحده من دون سواه.
أمّا ويتكوف فكان كلّ حياته رجل تطوير عقاري في نيويورك وتربطه علاقات عمل راسخة وصداقة متينة مع ترامب منذ عام 1974، وتمّ اختياره لهذه المهمّة لمهاراته في التفاوض وفي قدراته على إكمال أيّ اتّفاق تعاقديّ مهما كان معقّداً.
إذاً نحن الآن نتعامل مع إيران وتعقيدات كلّ وكلائها في غزة والضفة وسوريا ولبنان واليمن والعراق من خلال سياسة هجينة تجمع بين الدبلوماسية التقليدية والسياسة العلنيّة، التي تتحدّث عن عقوبات قصوى مع وجود اتّصالات عبر قنوات خلفيّة.
يحدث ذلك كلّه بينما تعمل إسرائيل بقوّة على اعتماد مناطق أمنيّة عازلة في سوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية والسعي إلى تحطيم أيّ حوار مع حماس أو إيران.
هناك صراع حقيقي لانتقاء خيار نهائي تتبنّاه واشنطن وتل أبيب معاً بين:
1- تليين إيران من خلال الحوار المتشدّد معها.
2- تطويع إيران من خلال الاستمرار في عمليات نوعية ضدّ وكلائها.
3- تركيع طهران بعملية عسكرية إسرائيلية أميركية ضدّ إيران المفروض عليها الحّد الأقصى من العقوبات.
تلك هي المسألة، وحتّى الآن لا إجابة نهائية.
عماد الدين اديب- اساس