تقاطع مصالح اسرائيل وايران.. ماذا سيفعل في سوريا؟

الأحداث التي يشهدها الساحل السوري، منذ مساء الخميس، لا تشبه مثيلاتها التي حصلت في الفترة التي تلت سقوط نظام الأسد، إذ إن ما حصل أخذ طابعاً أقرب إلى “التمرد المنسق”، وفق خبراء ومراقبين، فالهجمات التي حصلت بالتزامن ضد قوات إدارة دمشق لم تكن تشبه الهجمات التي سبقتها في الساحل السوري، بل اختلفت من زاوية الحدة والسياق العام الذي جاءت فيه. وينظر إليها على أنها تحرك بدعم جهات إقليمية، تتصدرها إيران، وهو ما ألمحت إليه مصادر أمنية خلال الساعات الماضية.

وهذه المرة الأولى التي تشن فيها هجمات كبيرة من هذا النوع، على صعيد قتل عناصر “الأمن العام” والسيطرة على مناطق بعينها في الساحل، منذ لحظة سقوط نظام الأسد. علاوة على ذلك، كان لافتاً في أعقاب حصول الهجمات انتشار بيانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ممهورة باسم العميد السابق في قوات “الفرقة الرابعة”، غياث دلا الذي أعلن من خلال البيان تشكيل ما يعرف بـ”المجلس العسكري لتحرير سوريا”، وأشار في مضمونه إلى الهدف المتعلق بقتال النظام السوري الجديد، وجاء ذلك تزامناً مع مظاهرات خرجت فجأة في طرطوس واللاذقية، وترددت فيها شعارات ضد حكومة أحمد الشرع. فمن هو غياث دلا؟ وممن يتألف ما أطلق عليه إسم “المجلس العسكري لتحرير سوريا”؟

دلا هو اليد التنفيذية لماهر الأسد (القائد السابق للفرقة الرابعة) في العمليات الجارية حالياً بمنطقة الساحل السوري، وكان يقود قبل سقوط نظام الأسد ما يعرف بـ”قوات الغيث”، وهو من أبرز القادة في “الفرقة الرابعة” التي كان يترأسها ماهر الأسد سابقاً. ويقول موقع “مع العدالة” إن هذا الرجل كان من “أبرز الموالين للمحور الايراني داخل نظام الأسد المخلوع”، وأنه “سبق أن نسق علمياته مع الميليشيات التابعة لإيران بصورة وثيقة في معارك المليحة والزبداني وأحياء دمشق”. وفي منتصف 2018، تم إرساله إلى منطقة القنيطرة و”مثلث الموت” في جنوب سوريا من أجل السيطرة على المناطق، التي كانت خاضعة لسيطرة فصائل “الجيش السوري الحر”.

في تلك الفترة بادر دلا إلى ضم عدد من عناصر الميليشيات الايرانية وعناصر “حزب الله” داخل قواته عبر منحهم لباساً مشابهاً للباس قواته بهدف التمويه، بحسب موقع “مع العدالة”، الذي أوضح أنه من بين تلك الميليشيات “لواء الإمام الحسين” التابع لفيلق القدس الايراني وأخرى تتألف من عناصر إيرانية وأفغانية. وظهر مسمى “المجلس العسكري لتحرير سوريا” في بيان انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعد ساعات من الكشف عن الهجمات المتزامنة التي استهدفت قوات “الأمن العام” في الساحل السوري.

وجاء في البيان أن تشكيل “المجلس” يهدف إلى تحقيق عدة أهداف، ومن بينها: “تحرير كامل التراب السوري من جميع القوى المحتلة والارهابية، إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية وديموقراطية”، إسقاط النظام القائم وتفكيك أجهزته الطائفية القمعية”. كما أشار البيان الخاص بـ”المجلس” إلى الاجراءات والقرارات التي تتخذها الادارة السورية الجديدة، موجهاً اليها لغة هجومية قائمة على التهديد والوعيد.

و”المجلس العسكري” الذي شكّله العميد غياث دلا بدأ بتوسيع نفوذه على الأرض، وأنشأ تحالفات مع قيادات سابقة في جيش الرئيس المخلوع بشار الأسد، بحيث أنشأ تحالفاً مع محمد محرز جابر قائد قوات “صقور الصحراء” سابقاً، والمقيم حاليا بين روسيا والعراق. وأقام تحالفاً مع ياسر رمضان الحجل الذي كان قائداً ميدانياً ضمن مجموعات سهيل الحسن التابع للنظام المخلوع.

إذاً، نظام الأسد يحاول إعادة إشعال الفتنة في منطقة الساحل من خلال استنفار وتحريك بعض قواته وتنفيذ عمليات هجومية ضد قوى الأمن من خلال الاستقواء بقوى خارجية، إستناداً إلى تصريحات إيرانية، بحيث كشفت وكالة “مهر” الايرانية الثلاثاء الماضي عن تأسيس “جبهة المقاومة الاسلامية” في سوريا أطلق عليها مسمى “أولي البأس”. وذكرت أن هذه المبادرة تهدف إلى “توحيد الصفوف في مواجهة التحديات التي تواجه البلاد”، مشيرة إلى أن الاعلان عن هذه الجبهة يأتي “في ظل التطورات الأخيرة التي تشهدها سوريا”. وكشفت مصادر أمنية أن بشار الأسد على علم بالتنسيق الجاري بين جميع المجموعات المسلحة بدعم وإشراف دولة خارجية.

الأمر اللافت الذي إستوقف المتابعين، أن أحداث الساحل جاءت بعد أيام معدودة من أحداث منطقة جرمانا، ودخول إسرائيل السافر على الخط، بحيث نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر قولها إن إسرائيل ترى تهديداً متزايداً في محاولات “الاسلاميين” توحيد سوريا، وأكدت أن إسرائيل تسعى إلى إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة، وتخطط لإنفاق أكثر من مليار دولار لتحقيق هذا الهدف. وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن إسرائيل تضغط لإقناع القوى العالمية بدعم فكرة تبني الدولة الجديدة الناشئة في سوريا نظاماً اتحادياً من المناطق العرقية المستقلة، مع جعل المناطق الحدودية الجنوبية قرب إسرائيل منزوعة السلاح. وذكرت أن سوريا في مثل هذا السيناريو ستصبح اتحاداً من الولايات، معظمها يتمتع باستقلالية عن حكومة مركزية ضعيفة، مع تولي السلطات المحلية مزيداً من الصلاحيات، خصوصاً في المناطق القريبة من حدود إسرائيل.

بدا واضحاً أن المشهد في الأيام الماضية تخطى الأحداث المحدودة التي كانت تسجل في الأسابيع الماضية، ما ساعد على احتوائها السريع، فالهجمات الأخيرة في الساحل السوري التي تولتها مجموعات من فلول النظام كان جلياً أنها منظّمة ومنسقة ضمن خطة معدة سلفاً وتم تنفيذها في ظل المخاوف من التمدد الاسرائيلي الى الداخل السوري، تحت ذريعة “حماية الدروز”.

ما بين توترات جرمانا والتطورات الخطيرة في الساحل، ودخول إسرائيل وإيران على خط الأحداث، تتداخل مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية في انعكاس واضح لحجم التحديات والمخاطر التي تحيط بسوريا واستقرارها بعد ثلاثة أشهر من إطاحة نظام بشار الأسد، بهدف إرباك الحكم الجديد، ووضع عقبات في طريق تثبيت حكمه، من خلال تأجيج حالة التمرد لتعم بقية المناطق، خصوصاً في جنوبي البلاد، وشمالها الشرقي، وتحديداً مع بروز أسماء قيادات في النظام السابق بوصفها أطرافاً أساسية في إشعال هذا الصراع وقيادته ومنها التابعة للعقيد السابق في جيش النظام سهيل الحسن في اللاذقية، ووسط اتهامات لإيران وأطراف أخرى بدعم هذه الأحداث.

زياد عيتاني- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة