الحشد يردّ الاعتبار لـ”الحزب”.. ليلتحق بـ”الأخ الأكبر” الناطق باسم الطائفة !

يوم الأحد سمح لدفق العاطفة حيال الرمز الذي شكّله السيّد حسن نصرالله أن يخرج من صدور مناصريه ومحازبيه، ردّاً على الشعور بالهزيمة. يمكن لـ”الحزب” أن يعتبر أنّ نمط التعبئة العقائدية والدينية التي زوّده بها العقل الإيراني أعانه على “ردّ الاعتبار” إزاء استضعافه.
بقدر ما طوى الوداع الجماهيري الضخم صفحة قيادة كاريزماتيّة لـ”الحزب”، فإنّه أطلق “المرحلة الجديدة” التي تحدّث عنها الشيخ نعيم قاسم.
يُفتَرَض ترقّب وتيرة التغيير الذي سيقبل عليه “الحزب” بعدما تعثّر مشروع إيران التوسّعي. يقترب “الحزب” كلّ يوم من نهج “الأخ الأكبر” نبيه برّي في التأقلم مع المتغيّرات. كان الأخير منذ البداية ضدّ الحسابات الخاطئة التي أقحمت لبنان بحرب “إسناد غزة”.
بات “الحزب” يلتحق بنهج الرئيس نبيه بري. ومثلما احتاج “الحزب” إلى وحدة الطائفة لتغطية انسياقه خلف طهران، بات يحتاج إلى تلك التغطية لتنظيم تراجعه. صار برّي على صمته أحياناً الناطق باسم الطائفة لا “الحزب”.
المراجعة المتدرّجة… والعجز الإيرانيّ
شكّل التشييع منطلقاً لبداية تحوّل عند قيادة “الحزب” على الرغم من الإنكار الذي طبع الأشهر القليلة السابقة.
نتائج المراجعة التي أجراها “الحزب” جرّاء الخسائر أخذت تظهر تباعاً. انتقلت من الاختراقات الاستخبارية إلى تقويم سوء الحسابات. لكنّها كانت متردّدة وخجولة، بدليل التناقضات التي طبعت مواقف رموزه، بين تكيّف البعض ومكابرة البعض الآخر. ثمّ أخذت منحىً عميقاً تصاعديّاً، بعدما عجزت طهران عن الردّ المناسب على الجرأة الإسرائيلية عليها وعلى سائر أذرعها. كان الحدث المفصليّ الزلزال السوري، الذي انكفأت القيادة في طهران مذهولةً أمامه.
على الرغم من أنّه لم يحدّد ماهيّة “المرحلة الجديدة”، احتفظ نعيم قاسم بالأساس الذي طبع “المرحلة السابقة”، أي السلاح، تحت شعار “المقاومة مستمرّة”. ترك تلك الورقة لمناقشات الاستراتيجية الدفاعية بين اللبنانيين، ولِما يستجدّ في الوساطات بين طهران وواشنطن.
لكنّ قاسم أظهر مرونة وفق الآتي:
*أكّد أنّ لبنان وطن نهائي لأبنائه “ونحن جزء من أبنائه”. حسم بذلك شكوك البعض في مدى تخلّيه عن مبدأ إقامة دولة إسلامية في لبنان.
*حرص على الإشارة إلى تقديمه تنازلات، بتذكيره بدور “الحزب” وحركة أمل في تسهيل انتخاب الرئيس جوزف عون، وتشكيل الحكومة. فالخياران جاءا خلافاً لإرادته.
*في معرض موقفه من استمرار احتلال إسرائيل للتلال الخمس في الجنوب بعد انسحابها في 18 شباط، اعتبر قاسم أنّ الحزب أدّى قسطه للعلى بمنع إسرائيل من التقدّم خلال الحرب. اعتبره إنجازاً “للقسم الأوّل” من المهمّة، وترك ما سمّاه “القسم الثاني”، أي عدم التزام إسرائيل “مسؤوليّة الدولة”. سلّم للأخيرة بملاحقة تنفيذ اتّفاق 27 تشرين الثاني لوقف النار الذي فاوض عليه بالاتّفاق مع “الأخ الأكبر” الرئيس نبيه برّي.
*التمسّك باستمرار المقاومة سيخضع لحسابات مختلفة عن السابق. إذ قال: “سنمارس العمل المقاوم بالأساليب والطرق والتوقيت انسجاماً مع المرحلة. وليس معنى استمرار المقاومة أنّه في كلّ يوم سوف نردّ، وأنّه في كلّ يوم سوف نُطلق النار”… ترك العمل المقاوم معلّقاً إلى أن تُبَتّ مسألة السلاح.
عنتريّات إيران لا تغري الثّنائيّ
قد يعود اعتبار البعض أنّ لهجة قاسم نصف مرونة إلى الخشية من أن تكون إيران لجأت إلى المناورة، وأنّها تستعدّ لقلب الأوضاع لمصلحتها. إلّا أنّ الدوائر الضيّقة في “الثنائي الشيعي” تدعو إلى أخذ المراجعة التي قام بها “الحزب”، على بطئها، بجدّية لأسباب عدّة:
- لم تعد تؤخذ العنتريّات الإيرانية على محمل الجدّ حتى في بعض أوساط “الحزب”. ينطبق ذلك على المبالغات الأخيرة، على شاكلة قول مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني إبراهيم جباري يوم الجمعة الماضي إنّ “عمليّة الوعد الصادق 3 ستنفّذ في الوقت المناسب وبالحجم الكافي وبالمدى الذي يؤدّي إلى تدمير إسرائيل وتسوية تل أبيب وحيفا بالأرض”. وفي دوائر الثنائي الضيّقة من يهزأ بقول جباري إنّ المقاومة في اليمن والحشد الشعبي في العراق و”الحزب” وحماس “في أعلى جاهزيّتهم”، وإيران “ستواصل دعم المقاومة”. تذكّر تلك الدوائر بتهديدات “حرس الثورة” بمحو إسرائيل في 7 دقائق ونصف.
- باتت طهران في لبنان في موقع الاستماع إلى نصائح وثوابت الدولة اللبنانية، بدلاً من أن تسدي النصائح التي كانت بمنزلة أوامر في عهود سابقة. ليس تفصيلاً أن يسمع رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف ومعه وزير الخارجية عباس عراقتشي من الرئيس جوزف عون أوّل من أمس أنّ “لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه”. علم “أساس” أنّ الأخير ردّ بذلك على حديث المسؤول الإيراني عن دور المقاومة في مواجهة عدوان إسرائيل ومخطّطاتها. بات المسؤولون الإيرانيون أمام رئيس للجمهورية لا تنقصه الحجّة في رفضه المبطّن لتدخّل طهران. فقاليباف ألمح بقوله إنّ إيران تدعم “أيّ قرار للبنان بعيداً من التدخّلات الخارجية”، إلى التدخّل الأميركي. لكنّ فطنة عون جعلته يستند إلى المادّة 9 من الدستور الإيراني نفسه التي تؤكّد أنّه “لا يحقّ لأيّ فرد أو مجموعة أو أيّ مسؤول أن يلحق أدنى ضرر بالاستقلال السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو العسكري للبلاد”. أمّا جرأة رئيس الحكومة نوّاف سلام فأسمعت قاليباف الموقف السابق في شأن منع توجّه الطائرات الإيرانية إلى بيروت، وهو أنّ “سلامة أمن المطار والمسافرين هو الاعتبار الأساسي الذي يرعى تسيير الرحلات وتحدّده السلطة اللبنانية”.
- ثمّة من يقول في بعض الأوساط السياسية إنّ على طهران أن تكتفي بصمود السلطة اللبنانية الحالية في وجه تلميحات غربية لها بوجوب قطع علاقات لبنان مع إيران، لا أن تقف عند منع الطائرات فقط.
وليد شقير – اساس