رسالة إيجابية يُنتظر أن يتمّ تلقفها…«حزب الله» يمنح الثقة: اليد لا تزال ممدودة

لم يُشكّل تحليق سرب الطائرات الإسرائيلية مرّتَين فوق مُشيِّعي الشهيدَين السيدَين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين استفزازاً للحشد الشعبي وحسب، بل هو انطوى بالدرجة الأولى على استخفاف بالدولة اللبنانية واتفاق وقف إطلاق النار والسيادة الوطنية والقرار 1701، فيما بدت الثقة التي منحها «حزب الله» إلى حكومة نواف سلام رسالة إيجابية تنتظر أن يتمّ تلقفها.
لعلّ الصورة التي التُقطت لإحدى المقاتلات الإسرائيلية وهي تمرّ قرب طائرة «سيسنا» التابعة للجيش اللبناني، تختصر كل التحدّي الذي يواجه الدولة منذ عقود عموماً، وفي هذه المرحلة خصوصاً، وفحواه: كيف يمكن أن تتمّ حماية لبنان في ظل الخلل الكبير في موازين القوى مع العدو، ووسط إصرار مراكز القرار الدولي على عدم مَدّ الجيش بسلاح نوعي؟
وما يزيد هذا السؤال إلحاحاً وحراجة، هو أنّ الدولة باتت في الظرف الراهن هي المعنية الأولى بالدفاع عن سيادة لبنان وحماية شعبه وردع المعتدي وتحرير ما تبقّى من أراضٍ محتلة، وهذا ما التزمت به أصلاً الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري، وبالتالي فإنّ أي شكل من أشكال الاعتداء الإسرائيلي أصبح يُشكّل اختباراً لقدراتها الديبلوماسية والسياسية والعسكرية والردعية.
واللافت في هذا السياق، أنّ الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لا يزال يُكرّر منذ توليه مسؤولية قيادة الحزب، وبصِيَغ مختلفة، دعوة الدولة إلى تحمّل مسؤولياتها على صعيد تحرير الأرض ومنع الاعتداءات الإسرائيلية، بالإضافة إلى تأكيده الانضواء تحت سقف «اتفاق الطائف» في مقاربة التحدّيات والملفات الداخلية.
ويلفت العارفون إلى أنّ الحزب نفّذ، ولا يزال، ما يتوجّب عليه بمقتضى اتفاق وقف إطلاق النار لجهة إخلاء منطقة جنوب الليطاني من المقاتلين والسلاح والتعاون الكامل مع الجيش في هذا الصدد، وبالتالي هو جاد في ترك الدولة تأخذ فرصتها كاملة لإثبات جدارتها في تأدية واجباتها البديهية المتصلة بحماية لبنان عموماً والجنوب خصوصاً من الاعتداءات الإسرائيلية.
وحتى على المستوى السياسي، أعطى الحزب إشارات واضحة إلى استعداده لملاقاة المرحلة الجديدة بانفتاح وواقعية من خلال مشاركته في انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وانخراطه في حكومة الرئيس نواف سلام وصولاً حتى إلى منحها الثقة، على رغم من ارتيابه في مواقف معيّنة وفي بعض القرارات من قبيل منع الطائرة الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت.
وبهذا المعنى، فإنّ الثقة التي منحها «حزب الله» لحكومة سلام عبر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، بعد إشكالية الطائرة الإيرانية المحظورة والاحتجاجات الشعبية في الشارع، إنّما تؤشر إلى أنّ الحزب يُريد احتواء التوترات الأخيرة والمضي في تطبيق سياسة مَدّ اليَد حتى إشعار آخر، واستنفاد كل الفرص الممكنة للتعاون مع الحكومة والعهد، وبالتالي تفادي أي مواجهة معهما يُريد البعض في الداخل والخارج استدراجه إليها.
وتشير مصادر سياسية إلى وجوب أن يلتقط الفريق الآخر الإيجابيات التي يُبديها الحزب، وأن يبني عليها، بدل أن «يُنقّب» في خطابات قاسم وغيره عن مكامن الخلاف والافتراق.
وتعتبر المصادر أنّ المستغرب هو أنّ «الدول الحاضنة» للعهد الجديد لم تفعل بعد أي شيء لتقويته وتعزيزه، بل تغضّ الطرف عن بقاء الاحتلال الإسرائيلي في خمس تلال لبنانية استراتيجية، وعن استمرار الغارات والاغتيالات، ليصل مسار إحراج الدولة إلى أقصاه مع استعراض القوة الذي نفّذته المقاتلات الحربية الإسرائيلية فوق المدينة الرياضية في حضور ممثلي السلطة الرسمية على أرض الملعب، حيث حاولت أن توصل تل أبيب رسالة مفادها أنّها اللاعب الوحيد وأنّ الآخرين هم متفرّجون.
وتتساءل المصادر: متى ستبدأ الدول التي سهّلت انتخاب عون، ولا سيما منها الولايات المتحدة الأميركية، صرف دعمها النظري له إلى «سيولة نقدية»، من خلال تسهيل خطة إعادة الإعمار بعيداً من الشروط الصعبة، وتفهُّم خصوصيات التركيبة اللبنانية، وتخفيف الطلبات التي قد تهدّد التوازنات الداخلية المرهفة، والضغط على الكيان الإسرائيلي للانسحاب من المواقع الخمسة ووقف الانتهاكات للسيادة اللبنانية؟
عماد مرمل- الجمهورية