هل من خطر كبير يواجه الأردن… وهل تنجح المساعي العربية في إنقاذها؟؟

ما بعد زيارة ملك الأردن عبدالله الثاني إلى واشنطن في 11 شباط/فبراير الجاري، ليس كما قبلها، فاللقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حمل أكثر من دلالة، والشكليات التي بدت إلى العلن، فيها عدد من الرسائل، بينما المعلومات المُجمَّعة من أكثر من مصدر، تشيرُ بوضوح الى أزمة ربما تكون غير مسبوقة في سياق العلاقة بين واشنطن وعمّان، وهناك شراهة سياسية غريبة تسبح في الفضاء الاستراتيجي عند غالبية رجال ونساء الإدارة الأميركية الجديدة، وهي لا تأخذ كثيراً بحساباتها اعتبارات الصداقة أو الوفاء، بل تعتمد على مكيافيلية “ديجيتل” حديثة تفتقد إلى أي عاطفة.

المعلومات تُؤكد أن الدبلوماسية الأميركية هي التي طلبت حضور ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله مع والده، إلى البيت الأبيض، وفي تفاصيل الكلام الذي قاله ترامب بعد أن طلب من الضيف استقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين على الأراضي الأردنية، وما أعقبه من جواب غامض ومُرتبِك صدر عن الملك عبد الله؛ أن ترامب أشار إلى قدرة الأمير الحسين على قيادة البلاد، والى أن ملامح عبد الله الثاني توحي بأنه مُتعب، وقد يكون حان الوقت لكي يرتاح. وبعد ذلك طلب ترامب من مساعديه إدخال الصحافيين، وهو ما لم يكُن منتظراً، وقاموا بتصوير عبد الله وهو في غاية الإرتباك، وبدا وجههُ مُكفهراً، بما يؤكد صحة المعلومات التي تمَّ تداولها.

عبد الله الثاني تحدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد مغادرة واشنطن مباشرةً، ونقل له أجواء اللقاء مع ترامب. والسيسي كان قد أرسل وزير خارجيته بدر عبد العاطي، في محاولة لتعديل الرؤى الأميركية حول غزة، مقدماً ضمانات بعدم عودة حركة حماس الى قيادة القطاع، وشارحاً الاعتبارات التي تحول دون الموافقة على خطة “الترانسفير”، لأن ذلك سيؤدي الى زعزعة الاستقرار في مصر والأردن، وهناك جانب عقائدي وعاطفي عند عامة الشعوب العربية، وهي لا تقبل بأي مساومة على القضية الفلسطينية وتعتبرها قضية العرب أجمعين. لكن الإدارة الأميركية الجديدة، بمن فيها وزير الخارجية ماركو روبيو، لم يقتنعوا بوجهة النظر المصرية، وقد طلب السيسي تأجيل موعد زيارته الى واشنطن، ريثما تهدأ التشنجات، وليتحصَّن بموقف عربي موحد بعد دعوته الى قمة عربية استثنائية، كانت مقررة في 27 شباط/فبراير، وتأجلت الى 4 آذار/مارس.

فيما هدفت القمة العربية الخليجية التي عُقدت أمس الجمعة في الرياض، بمشاركة مصر والأردن، إلى تدعيم موقف الأردن على وجه التحديد، لأن موجة التهجير قد بدأت بالفعل، وهناك ما يزيد عن 40 ألف فلسطيني تمَّ طردهم من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس والفارعة في الأيام الأخير، ولا تستطيع السلطة الفلسطينية – أو ما تبقى منها – استيعابهم، في ظل غياب وكالة الأونروا أو أي هيئة أخرى دولية تهتم بهم.

المعطيات المتوافرة تؤكد وجود أخطار كبيرة على الأردن، ويبدو أن بعض الإدارة الأميركية الجديدة ومعهم غُلاة اليمين المتطرف في إسرائيل؛ لا يأبهون لأي محاذير مستقبلية في جنوحهم السياسي والأمني. وتقول المعلومات إن هؤلاء بدأوا يفكرون بخطط بديلة للوضع القائم، بما في ذلك إنتاج اضطرابات في محيط الكيان الغاصب، تساعد على توفير الأمن لإسرائيل، وقد تؤدي إلى ولادة دول أو كانتونات ضعيفة تنشغل بذاتها، وتُشتِّت الإرادة الفلسطينية والعربية الجامعة.

لكن الأخطر من كل ذلك؛ هو انعكاس الخلافات الأميركية-الأوروبية على المنطقة العربية، وقد تأكد أن هوَّة التباين توسَّعت إلى حدود كبيرة بين واشنطن ولندن على وجه التحديد، وقد استفزَّت مواقف بريطانيا إدارة ترامب، لاسيما منها زيارة الملك البريطاني شارلز لمركز معالجة الجرحى الأوكرانيين، كذلك حضور رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر لاجتماع القمة الأوروبية المصغرة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وأُُطلقت في المناسبتين مواقف مناهضة للتوجهات الأميركية الجديدة، خصوصاً اتجاه الحرب في أوكرانيا، ولم يخفِّف من الامتعاض الأميركي؛ إعلان ستارمر عن عزمهِ زيارة واشنطن في الأيام المقبلة.

واشنطن تُدرك جيداً؛ أن بريطانيا تهتم للأردن ولاستقراره، وهي التي ساعدت على إنشائه بالصيغة الحالية في 25 أيار/مايو 1946، وقد تدخلت مرات عدة لتجنيب المملكة أية اهتزازات من الداخل أو من الخارج. ويبدو أن واشنطن لم تَعُد تراعي هذه المسألة، وقد تكون جَنحت صوب تبني صيغ أنظمة جديدة لها طابع إسلامي ويسهل التدخُل في شؤونها الذاتية، وتنتج بذلك حالة من عدم الاستقرار، تناسب الطموحات الإسرائيلية. وهذا بالضبط ما يُخطَّط للأردن إذا نجح الترحيل، على حد ما ذكرت معلومات لمتابعين على معرفة واسعة بما يجري.

لكن الأخطار التي قد تواجه الأردن؛ ستُسبِّب عدم استقرار في المنطقة برمتها، وهو ما لا يمكن أن تقبل به دول الخليج العربي تحديداً، ومعهم مصر والسلطة الفلسطينية، وهؤلاء سيبذلون كل ما باستطاعتهم لمساعدة -عمّان تحديداً – والوقوف في وجه أي مشروع يشكل خطراً مُحدقاً على نظامها. وخطة تهجير الفلسطينيين إليها؛ هي مصدر خطر مؤكد، نظراً للتركيبة الديموغرافية التي تتألف منها المكونات المجتمعية للمملكة، حيث أكثر من 40 في بالمئة من سكان البلاد من أصول فلسطينية. فهل تنجح المساعي العربية في إنقاذ الأردن؟

ناصر زيدان- المدن

مقالات ذات صلة