نصرالله إلى مثواه الأخير: «انتظرونا» بعد التشييع … «نحن لا نهزم وعندما نستشهد ننتصر»!

ليس سهلاً أبداً على مناصرين تشييع زعيمهم. كما لم يكن سهلاً على من أحبوا الرئيس الشهيد بشير الجميل – واقتنعوا بلبنان الـ 10452 كيلومتراً مربعاً – تشييعه، وكما هاج وماج البشر في «مليونية تاريخية» في تشييع رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري، وكما شُيّع رينيه معوض وكمال جنبلاط وسمير قصير وجبران تويني وبيار الجميل وأنطوان غانم ووليد عيدو وباسل فليحان ووسام عيد وسامر حنا والياس الحصروني… فليُشيّع السيّد حسن نصرالله غداً، والسيد هاشم صفي الدين بعد غد. فلينزل من أحبوهما فليبكوا ويحزنوا ويلطموا. هذا حقهم. حقكم مارسوه. إفهموه ولا تموهوه بالباطل. ماذا عن يوم غد؟

التحضيرات على قدمٍ وساق. طريق المطار يفيض بأعلامٍ صفر مخروقة ببعضِ أعلامٍ لبنانية. ومثقل بكمٍ هائل من وجوه قادة ترتفع على مجسماتٍ وستاندات حديدية وجسور. عددها زاد كثيراً كثيراً. نمشي وكأننا في ساحة حرب. مبانٍ مشلعة لا تزال ركاماً على الميلين وسط شعارات: «دفاعاً عن لبنان والجنوب». «صمام أمان لبنان» تُذيل صور نبيه بري. وبعض أعلام حركة أمل تغيب كلما توغلنا أكثر. نعبر جنب جادة الإمام الخميني «دماء القادة والشهداء تزيدنا مسؤولية». عبارة تتكرر. شباب جنب البيت الإيطالي للإنارة يحملون «بيجرز». ورايات «إنّا على العهد» ارتفعت على عمود «إي» عمود «إي». زمامير وتجاوزات وعبارة عُلقت ذات يوم وكأنها ليست في مكانِها: غرامة تجاوز السير 3,500,000 ليرة. نعبر جنب جادة الإمام موسى الصدر. مستشفى الرسول على اليسار. وعبارة «لن نتخلى عن خيار المقاومة». زحمة سير. «شعب المقاومة لا ولن يضعف على الإطلاق». و»إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف» فوق الجسور. وكتائب عزّ الدين القسام طبعت على الجدران «السيف فوق السيف». و»سوف نكمل الدرب». حاويات النفايات ترفع عن الطريق العام استعداداً. قناة اليمن الفضائية على اليمين و… «ونحن لا نهزم وعندما نستشهد ننتصر». إنكار. وصور صور لوجوه من مشوا على طريق القدس وقتلوا على طول الطريق على اليمين وعلى اليسار. نصل إلى المطار فتلوح صورة رفيق الحريري مع قلبٍ أحمر. وصلنا إلى مطار رفيق الحريري الدولي. وعبارة: شكرا لزيارتكم رافقتكم السلامة. نستدير ونعود أدراجنا إلى قلب البلد المثقل بالأوهام والنكران من جهة والمليء بأحلام وطن منشود من جهة أخرى. نعبر الأوتوستراد إلى مدينة كميل شمعون الرياضية. سيارة الأمم المتحدة مع باصين كبيرين مركونين جانباً. تطل مجدداً عبارة تحدد المكان: جادة الإمام الخميني. وصورة عملاقة ووجوه «قادة على طريق القدس». الرئيس نبيه بري له، في الإياب، صورة جديدة عند مدخل المطار مذيلة بكلمة: لبناننا. زحمة السير تزيد. شبان يركزون مكبرات الصوت في منتصف الأوتوستراد وشاشات عملاقة ومنصات على طول الطريق. الحديد يقطع ويلحم ويركّز وخيم سوداء رُكبت. و»بوكلان» يرفع الأتربة والنفايات عن جانبي الطرقات. نمشي في الزحام لنصل إلى أول جسر. سيارة تقفل نصف الطريق بالعرض، رقمها 3 في سلسلة عداد المركبات من نفس النوع، صفراء اللون، عليها عبارة متكررة مكتوبة على بلاكات: police. إنها لـ»حزب الله». وصهاريج تغسل بلاط الجسر. وعناصر انتهت للتو من أعمال إضاءته. مدينة كميل شمعون الرياضية تحت سيطرة الصفر وعبارة «من يراهن على تعب المقاومة فهو واهم فهذا المجتمع لا يمل ولا يضعف». وفي الداخل، في داخل المدينة، خلية نحل صفراء. تشيل وتحط وتستعد.

معن الخليل… «المستقوي»

ماذا عن آخر الاستعدادات؟ نتصل بمعن الخليل، رئيس بلدية الغبيري لسؤاله وهو من يتباهى بأنه «أم وأب الصبي» فيرمي علينا باقة من «ذوقه»: «ط… عليك وعَ نداء الوطن. ع… إنتو». نجيبه؟ «هذا من أخلاقك». معن الخليل ما زال يخال أنه مالك الغبيري والأرض وبيروت والناس. هو ما زال يتحكم بما يشاء كما سبق وتحكم بـ «سوق الخضار والفاكهة المركزي» نكاية بنقابة معلمي وتجار الخضار بالجملة في بيروت. مع العلم أن العقار ملك بلدية بيروت ورقمه 4517. والبلدية هي من تسدد استثماره إلى الدولة اللبنانية. لا يهم معن الخليل كل ذلك استناداً إلى فهمه بوجوب «استقواء القوي على الضعيف» وهو يخال نفسه قوياً. هذا ما فعله أيضاً مع نادي الغولف. وكرره مع جمعية بنين يوم بنت قرية للنازحين في الحرب الأخيرة. في كل مرة يستقوي الخليل على الآخرين تحت حجة أنه «قوي» غافلاً عن مصلحة البيئة، بيئة «حزب الله»، أمام مصلحته.

جمعية بنين التي بنت القرية في مدينة كميل شمعون وضبت اليوم أغراضها وغادرت «على السكت». وهاتفها لا يجيب «تمريراً لحدث تشييع السيّد». النازحون غادروا أيضا المدينة على عجل. محافظ مدينة بيروت مروان عبود بدوره لا يجيب. وناجي حمود، المدير العام للمنشآت الرياضية، يغيب عن كل الحدث.

في المبدأ، كل ذلك يبقى تفاصيل أمام «مشاعر بيئة الحزب» لكن هذا لا يمنع من القول إن القانون يسقط والحقوق تضيع في كل مرة وأصحاب الحقّ يصمتون «أمام الأحداث الجلل». مات السيّد نصرالله وبيئته من جديد، بعد ستة أشهر على قتله، حزينة. تلك البيئة لطمت حالها كثيراً يوم قتل معلنة – في كواليسها – حقدها الكبير على إيران التي باعته لكن أن تعود اليوم لتمارس لغة الاستقواء على أهل البلد فهذا كثير.

مدينة كميل شمعون الرياضية ستشهد غداً تشييع السيّد حسن. هي التي تأسست عام 1957. دمرت ونهبت مراراً وتكراراً. وطالما شهدت على أيام ومناسبات لبنان الجميل. ناجي حمود أراد أن يضع خطة لإعادة تأهيلها. وكم «زلغط» البيارتة والرياضيون يوم رأوا العشب الأخضر يفلش فيها الشهر الماضي. ظنوا أن المدينة تعود إلى الحياة. أخطأوا. و «حزب الله» يقول اليوم «نحن نبني المدينة». فهل طلب السماح لذلك؟ هو يدمر عادة. نريد أن نصدق أنه يعمّر. أردنا دائماً أن نبني معاً لكنه استمرّ يأخذ البلد ومن فيه إلى متاهاته. هو اليوم حزين وبيئته غاضبة ولزاماً علينا الصمت إكراماً لحزنها وغضبه؟ لكن ماذا عن حزن وغضب كل الآخرين؟

في كل حال، الشاشات ركّزت. كراسي الـ VIP وضعت في الصفوف الأمامية. والملعب يتسع لـ 55,799 شخصاً. هناك سيتمّ التشييع. «الحزب» صلّح الكراسي المكسورة؟ لكن، من حطمها ذات يوم؟ لا يهم. «الحزب» يريد أن يقول إن له على اللبنانيين «الفضل» ويغض الطرف عن الفواتير الباهظة التي كبدها للبنان. وإذا سُئل عن ذلك يطل من يقول: «هاجروا… مش عاجبكم هاجروا فالمطار بضهر طبل». نحن نعرف أن أموالاً ومواد وفساداً تعبر المطار لا الجمل ولا الطبل. أسما بزيع واحدة من الذين وقفوا في قاعة المطار وهتفوا: مش عاجبنا وإذا مش عاجبكم هاجروا. هي أتت إلى مطار رفيق الحريري الدولي حاملة العلم الإيراني وأدت «فيلماً إيرانياً قصيراً». هي كانت في رحلة سياحية إلى هناك في وقتٍ الغالبية العظمى من اللبنانيين غير قادرين على الانتقال إلى الجبل لأن ميزانيتهم ما عادت تسمح. كثيرون صفقوا لها. وكثيرون نظروا إلى ما فعلته مرددين: فلنرأف بمشاعر بيئة المقاومة. وهناك من تعاملوا مع «الفيلم» بالخروج إلى باحة الوصول رافعين العلم اللبناني.

لغة التهديد و»الضيوف»

لغة الاستقواء مستمرة. والهجوم على مطعم اللقيس مظهر لها. قامت القيامة على اللقيس، حتى من وفيق صفا نفسه، لأن المدير المسؤول في اللقيس فرع الحمراء طلب من الموظفين الحضور إلى العمل يوم الأحد. قال وفيق صفا «عم تغلطوا مع ناس معش ناطرة شي من دنياكن. ديروا بالكن». لغة التهديد مستمرة. والمدير فُصل من العمل.

ماذا عن يوم غد؟ فواصل حديدية صفراء نشرت في مدينة كميل شمعون الرياضية. والسيّد الذي وضع ستة أشهر وديعة (قيل إن مكانها مقبرة الرادوف في روضة الشهيدين) سيوارى في الثرى في أرضٍ اشتراها مقتدر شيعي على طريق المطار. سعر الأرض 44 مليون دولار. لا يهم. التجهيزات وجلب أشخاص من الخارج، من اليمن والجزائر والعراق والبحرين وتونس والسودان، تكبد أكثر من مليوني دولار. لا يهم. «فالمال كثير و»الحزب» ليس بحاجة أبداً وتصله أموال كثيرة باليورو، تجاوزت قيمتها أخيراً عشرات ملايين الدولارات وكل يوم تصل إليه أموال» على ما علق أحدهم. هذا يُطمئن. فالخراب كبير وحاجات أولاد البيئة كبيرة. فليساهم.

إحصاء عدد المشاركين المحتملين هو الهم الأهم اليوم عند «حزب الله» لأن العدد سيحدد المسار المقبل. وفي الحساب والعدّ «إن المساحة الممتدة من المدينة الرياضية إلى مرقد جثمان السيد حسن والبالغة نحو 300 ألف متر مربع تتسع لمعدل 4 أشخاص في المتر المربع الواحد أي ستستوعب 800 ألف مشارك». لذا يفترض أن تمتلئ بالكامل ليقول «الحزب»: أنا هنا.

أكثر من 1400 خرق لوقف إطلاق النار لكن ولم يحرك «الحزب» ساكناً. غزّة أصبحت على الأرض. لا يهم. قرى لبنانية انتهت من الوجود. لا يهم. آلاف القتلى والمعوقين والأرامل والأيتام. لا يهم. هكذا يلعب «الحزب» على وتيرة أدمغة ناسه. واليوم، مطلوب منهم، من جديد، رفع الراية الصفراء والنزول إلى التشييع. سيفعلون. المضللون يفعلون كل كل شيء. قلوبنا حقاً معكم.

«القوات» والتصالح مع الذات

نتابع. الدعوات الرسمية إلى حضور التشييع وزعت. ووحدها «القوات اللبنانية» مستثناة. نيشان لها. من سيحضر ومن سيغيب؟ الأكيد أن التصالح مع النفس أهم ما ينجز المرء في حياته.

فواصل حديدية صفراء وزعت في مدينة كميل شمعون الرياضية. حُضرت الناقلة التي سيوضع عليها النعش. لونها أسود وكتبت عليها آيات قرآنية وسقفها مغطى بالنايلون الشفاف. ضريح السيد حسن وضعت عليه آيات وعبارة «شهيد على طريق القدس سماحة آية الله السعيد السيد حسن نصرالله… لا خير في الحياة من دون هواك… سلام يا مهدي». متوافدون من العراق تحديداً وصلوا. ووضعت في الحسينيات للعامة منهم فرشاً ليناموا في أيام مكوثهم. أما البقية فحجزت لهم الفنادق. فندق غاليريا في الجناح سيستقبل الصحافيين الذين سيتابعون ميدانياً نقل التشييع. وفي اليوم الثاني يستقبل فندق رمادا في الروشة الصحافيين لنقلهم إلى دير قانون النهر لنقل تشييع صفي الدين.

التعليمات كثيرة ليوم غد: وجوب عدم التدافع. عدم الصعود على الأعمدة والأسوار أو الأماكن المرتفعة. عدم رمي أي مخلفات تتسبب في الانزلاق. عدم حمل الأغراض الثمينة والانتباه إلى المقتنيات الشخصية. التخفيف من الأمتعة الخاصة لتسهيل الحركة. التأكد من اصطحاب جرعات الأدوية طوال مدة التشييع التي قد تتجاوز 12 ساعة… اللهمّ أن لا تكون هذه التعليمات كما تلك التي تمنع التجاوز عند طريق المطار.

ماذا بعد؟

يقال، إن 79 دولة ستشارك. ويقال إن تكليفاً شرعياً صدر بمواكبة التشييع في لبنان ودول المحور. ويقال إن الضاحية الجنوبية سيصبح اسمها من الغد الضاحية الجنوبية المقدسة. وقيل من «بيئة الحزب»: «يوم الأحد تشييع وليلاً صلاة الوحشة وبعد الانتهاء سنتوقف عن البكاء إلا في مجالس عاشوراء وسنبدأ العمل من جديد أقوى. انتظرونا». هو تهديد آخر؟ بيئة «الحزب» مجروحة فلنتركها تحزن يوم الأحد. والإثنين، بعد دفن هاشم صفي الدين، يوم آخر.

نوال نصر- نداء الوطن

مقالات ذات صلة