التّعيينات العسكريّة والأمنيّة معضلة جدّية: محاصصة مباشرة أم مضمرة؟؟

أوّل امتحان للرئيس جوزف عون وحكومة الرئيس نوّاف سلام التعيينات العسكرية والأمنيّة لأنّهما وصلا إلى منصبَيْهما خلافاً للمتعارف عليه في استحقاقات مماثلة في العقود المنصرمة منذ اتّفاق الطائف، وكذلك تأليف الحكومة الجديدة. تُمسي التعيينات العسكرية والأمنيّة توطئة لتلك الإدارية معضلة جدّية: محاصصة مباشرة أم مضمرة؟ المألوف تقليدياً في تقاسم الأسلاك العسكرية والأمنيّة أنّها حصص الطوائف أكثر منها حصص الزعماء. الأدهى أنّ هؤلاء جعلوا من أنفسهم مرجعيّة التعيين بصفتهم متحدّثين باسم طوائفهم، كي يأتوا برجالهم هم.

يفتتح كلّ عهد جديد ولايته، بعد تأليف الحكومة، بإصدار تعيينات عسكرية وأمنيّة تسبق ما عداها، كي تعكس مواصفاتها اهتمامه الأوّل بثبات الاستقرار والانتظام العامّ وإرادة فرض القانون. قادة الأسلاك العسكرية والأمنيّة هم رجال الولاية الأوّلون. يأتون معها وكذلك يرحلون ما خلا حالات توجبها محطّات استثنائية. هو أيضاً ما ينتظر الحكومة الجديدة بعد نيلها ثقة البرلمان الأسبوع المقبل. لكنّ وفرة الأسماء المتداولة باكراً لمرشّحي قيادة الأسلاك العسكرية والأمنيّة، تنفصل عمّا لا يزال غير معلوم تماماً بعد: إخراج التعيينات دفعة واحدة أم بالتقسيط؟

التّجربة الرّابعة

ليست المرّة الأولى التي يشغر فيها منصب قائد الجيش في مطلع الولاية ما إن يُنتخب صاحبه رئيساً للجمهورية. سبق أن خبرته المؤسّسة العسكرية مرّات ثلاثاً بانتخاب فؤاد شهاب وإميل لحّود وميشال سليمان، ورابعهم حالياً جوزف عون. المضاف في العهد الجديد أنّ القادة الحاليين للأسلاك العسكرية والأمنيّة مُدّدت سنّ تقاعدهم سنتين، مرّتين، بفضلٍ منسوبٍ إلى عون في ظلّ إدارة الشغور الرئاسي وكي يظلّ يحتفظ بالحظوظ العليا للوصول إلى رئاسة الدولة. هي حال المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان والمدير العامّ للأمن العامّ بالإنابة الياس البيسري والمدير العامّ لأمن الدولة طوني صليبا.

ما يدور وراء الجدران الرئاسية عن مآل التعيينات العسكرية والأمنيّة هو الآتي:

1 ـ مع أنّ الرأي بإخراجها دفعة واحدة ليس واضحاً ولا قاطعاً، ثمّة رأي آخر يناقش اقتصارها بداية على قائد الجيش لأنّ المنصب شاغر يحلّ فيه وكالة رئيس الأركان حسان عودة، على أن يُنظر لاحقاً في استكمال التعيينات. الدافع الرئيسي للعجلة هو الحاجة إلى قائد جديد لمهمّة تتقدّم ما عداها، وهي انتشار الجيش في جنوب نهر الليطاني بعد انسحاب القوّات الإسرائيلية، وهو المعنيّ بتنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار ما إن أضحى مرجعية القرار 1701.

ربّما المثير للاهتمام، وهي الشكوى الضمنية للقيادة السابقة للجيش، أنّها تدعى إلى تطبيق اتّفاق لم تكن شريكة فيه، ولا اطّلعت عليه إلّا بعد إبرامه، ولا سئلت رأيها العملاني الشفوي أو الخطّي في أيّ من بنوده الـ13 على الأقلّ. في المرّات التي حضر فيها الموفد الأميركي آموس هوكستين واجتمع بالقائد السابق للجيش جوزف عون، اكتفى بالتحدّث معه عن قدرات الجيش وعديده وعتاده دونما إطلاعه على مفاوضات وقف إطلاق النار، وإن على نحو عابر، سوى أنّ عليه تطبيقه.

من الممكن إنهاء خدمات كبار الضّبّاط

2 ـ لا تجد حكومة سلام نفسها ملزمة بالضرورة بالمضيّ في قانونَيْ تمديد سنّ التقاعد حتى استنفاد الموعد، بل في وسعها إنهاء خدمات الضبّاط الكبار المشمولين بهما. الحجّة المرجّحة أنّ كلا قانونَيْ 2023 و2024 مدّدا لهم السنّ القانونية للتقاعد وليس حتماً استمرارهم في الوظيفة التي هم فيها. وُجِد في هذا التفسير باب على إمكان تعيين قادة جدد خلفاً للمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي والمدير العامّ لأمن الدولة والمدير العامّ للأمن العامّ بالإنابة، بوضع هؤلاء في التصرّف حتى موعد إحالتهم على التقاعد. سبق لحكومة نجيب ميقاتي عام 2005 أن أنهت مهمّة المدير العامّ الأسبق لقوى الأمن الداخلي علي الحاج وعيّنت أشرف ريفي خلفاً له بوضع الأوّل في التصرّف حتى موعد إحالته على التقاعد.

3 ـ خلافاً لسواه من الأسلاك العسكرية الأخرى، للمدير العامّ للأمن العامّ بالإنابة خصوصيّة مقدار تشابهها بالشغور الحالي في قيادة الجيش، إلّا أنّها أكثر التصاقاً بالشغور الحالي لحاكمية مصرف لبنان. يشغل الياس البيسري المنصب بالإنابة إلى حين تعيين شيعي على رأس المديرية العامّة للأمن العامّ، على نحو مطابق لوجود نائب الحاكم الأوّل الشيعي وسيم منصوري على رأس الحاكمية إلى حين تعيين الحاكم الماروني. تلازم كلا المنصبين يقدّم تبريراً إضافياً لتأخير بتّ ملء الشغور في كلتا المؤسّستين إلى أن تملآ برئيسَيهما الأصليَّين.

ثلاثة مرشّحين لقيادة الجيش

4 ـ أيّاً يكن المرشّح لقيادة الجيش، فإنّ المهمّة الفعلية والأساسية المدعوّ إليها قبل سواها هي تنفيذ القرار 1701. وقد يكون الامتحان الجدّي للقائد كما للمؤسّسة العسكرية في المرحلة المقبلة تحت أنظار المجتمع الدولي مراقبة استقرار الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، ومنع أيّ وجود مسلّح غير شرعي إلا لقوّات الجيش.

أسماء ثلاثة متداولة لقيادة الجيش هي مدير العمليات رودولف هيكل وقائد اللواء اللوجستي جوني عقل وقائد الشرطة العسكرية طوني شديد. الثلاثة قريبون من رئيس الجمهورية، قائدهم السابق الذي أحلّهم في مواقعهم. تتقارب حظوظ كلّ منهم مع تقدّم لهيكل لأنّه قاد قطاع جنوب نهر الليطاني ثلاث سنوات قبل تعيينه مديراً للعمليات قبل أشهر. وهو ملمّ بواقع المنطقة ورافق جزءاً من مرحلة ما بعد “طوفان الأقصى”.

5 ـ على غرار الجيش، أكثر من اسم متداول لرئاسة المديرية العامّة للأمن العامّ: من خارجها رئيس فرع البقاع في مديرية المخابرات محمد الأمين، ومن داخل الملاك ثلاثة هم مرشد سليمان وفوزي شمعون وخطّار ناصر الدين. أوّل الثلاثة هؤلاء يتردّد أنّ رئيس البرلمان نبيه برّي يقترحه، فيما يحظى الأمين بتأييد رئيس الجمهورية لتعيينه. ربما يكون الحلّ بتعيين العميد حسن شقير بصفته المدنية كما حصل مع اللواء عباس إبراهيم.

المرجعية السُنيّة الجديدة

أول غيث ظهور المرجعية السنّية الجديدة اختيار سلام بنفسه الوزراء السنّة الأربعة في حكومته، وثانيه وشيك من داخل السراي بعزمه على إقصاء الأمين العامّ الحالي لمجلس الوزراء محمود مكّية كي يحلّ محلّه أحد اثنين، القاضي هاني الحجّار أو محافظ جبل لبنان محمد مكّاوي.

نقولا ناصيف- اساس

مقالات ذات صلة