في لحظة “انقلاب الموازين: هذه هي” هواجس الثّنائيّ… فكيف سيتصرّف معها سلام؟

هواجس الثّنائيّ: جغرافية الـ1701 وآليّة اتّخاذ القرار في الحكومة

كُثر يعرفون رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام عن كثب. لكنّ أحداً لم يختبره في السلطة، وتحديداً في المستنقع اللبناني وزواريبه. أن تكون رئيساً لمحكمة العدل الدولية، أو سفيراً للبنان لدى الأمم المتحدة، أمرٌ، وأن تتولّى رئاسة “حكومة التناقضات” في لحظة “انقلاب الموازين”، التي وضعت لبنان تحت المجهر الدولي… أمرٌ آخر، مختلف كلّيّاً.

يتحلّى سلام بالهدوء في الاستماع إلى القوى اللبنانية، وهي على نقيض في مقارباتها: الثنائي مهجوس بما ينتظره وما يمكن لحكومة ما بعد الحرب أن تقوم به، سواء في ما خصّ تنفيذ القرار 1701 أو في سلوكها الداخلي المرتبط بالملفّات الحيوية. فيما خصوم هذا الفريق في نشوة انتصار فرضته وقائع اتّفاق وقف إطلاق النار. لكنّ الضبابيّة لا تزال تحيط أفكار رئيس الحكومة المكلّف: كيف سيتصرّف مع مخاوف الثنائي؟ هل يراعيه؟ أم يتصادم معه؟ كيف سيوازن بين الأجندة الدولية والاعتبارات المحلّية؟

حتّى الآن، يقول عارفو الرجل إنّه يتسلّح بالاستماع إلى مطالب القوى السياسية، لكنّه لم يفصح بعد عمّا يدور في ذهنه من أفكار ومعالجات للإشكاليّات الحكومية الموضوعة أمامه. الأكيد أنّه مرتاح للزخم الدولي المواكب للعهد الجديد وللحكومة العتيدة. وهو قد لا يوفّر هذا الزخم في سلوكه الداخلي، بمعنى عدم الخضوع لإملاءات وضغوط القوى المحلّية، ولا حتى شروطها لدخول الحكومة. أكثر أمر لا يزال غامضاً، هو السقف الذي سيرسمه سلام لنفسه ويرفض التفاوض تحته، ويكون حدّه الأقصى في التنازلات الممكن تقديمها في سبيل قيام حكومته ونجاحها.

ما يبدو جليّاً أنّ رئيس الحكومة المكلّف يسعى إلى الاستفادة من هذا الدعم الدولي لتحصين موقعه وتحسين شروط مفاوضاته، لا سيما مع الثنائي الشيعي الباحث عن سلّة تفاهمات تتجاوز مسألة الحقائب والأسماء وتركيبة الحكومة.

في الواقع، بات الثنائي يتصرّف على قاعدة أنّه “بلع الموس”، وهضم الانقلابات المتتابعة التي فُرضت دوليّاً على المشهد اللبناني. المشاركة في الحكومة ليست خياراً يمكن الانقضاض عليه. يدرك أنّ هوامشه الداخلية ضاقت كثيراً، وسطوته على الحكومة فقدت الكثير من تأثيرها. ولهذا يبحث كيف يدوّر الزوايا مع الرئيس المكلّف، ليضمن هبوطاً هادئاً لمكانته في السلطة، ولمسار الحكومة السياسي إلى حدّ دخولها مدار تصريف الأعمال مع انتهاء الانتخابات النيابية.

فعليّاً، راح يبحث عن ضمانات وتعهّدات تقيه شرّ السقوط في فخاخ القرارات الحكومية، التي فقد السيطرة عليها، بعدما فقد الأكثرية المقرّرة فيها. حتّى الثلث المعطّل لم يعد متوافراً، بل هو محظور بتوجّهات من رئيس الجمهورية جوزف عون ومن رئيس الحكومة المكلّف، فصار لا بدّ من البحث في إجراءات وقائية من نوع آخر تسمح للثنائي بعبور المرحلة التي يحمل القرار 1701 عنواناً أساسيّاً لها.

إذ إنّ تطبيق القرار في الشقّ المتّصل بمنطقة شمال الليطاني وبقيّة المناطق اللبنانية، يشغل بال الثنائي، في ضوء الاختلاف الحاصل إزاء هذه المسألة. فالمجتمع الدولي وبعض القوى المحلّية يتمسّكون بالنسخة الحرفيّة للاتّفاق التي تقول إنّ القرار ينطلق بتنفيذه من منطقة جنوب الليطاني ويطال تنفيذه كلّ لبنان. فيما الثنائي يعود إلى النسخة الأولى من القرار 1701، لحظة صدوره في عام 2006، ويتمسّك بتطبيقه حصراً جنوب الليطاني. وهي النسخة التي لم يحِد عنها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

الرّقابة الدّوليّة على كتفَي سلام

أمّا سلام فالرقابة الدولية تجلس على كتفيْه، وقد لا تمنحه ترف اختيار النسخة التي تريحه في التعامل مع القرار الأممي، الأمر الذي قد يضعه في حالة اصطدام مع الثنائي، لا يريدها أيّ من الطرفين. من هنا، يتردّد أنّ النقاش بين رئيس الحكومة المكلّف وبين الثنائي يتناول آليّة اتّخاذ القرار في مجلس الوزراء، فيضغط الثنائي لكي يُتّخذ القرار بشأن القضايا الوطنية بشكل توافقي، فيما لا يمانع خضوع القرارات بشأن الملفّات المعيشية والإدارية والاقتصادية وغيرها لخيار أكثرية الوزراء.

لكن ذلك لم يسعفه وفق المتابعين، في رسم إحداثيات موقفه، بشكل واضح وصريح إزاء مسألة تحديد جعرافية تطبيق القرار 1701: هل يستنستخ تجربة ميقاتي في الاكتفاء بمساحة جنوب الليطاني؟ أم يذهب بعيداً في مقاربته ليلامس رغبة المجتمع الدولي وتطلّعاته؟

يقول المتابعون إنّ سلام لم يحسم موقف لا سلباً ولا إيجاباً، أقلّه أمام الثنائي، وفضّل ترك المسألة معلّقة لما يراه رئيس الجمهورية مناسباً بهذا الشأن، كون الأخير كان على تماس تنفيذي في هذا الملف بحكم قيادته للمؤسسة العسكرية المولجة تطبيق القرار.

العودة إلى الطائف لوضع البيان الوزاري

هذا إذا ما افترضنا أنّ مسألة البيان الوزاري، في النقطة المتّصلة بعمل “المقاومة”، قابلة للمعالجة انطلاقاً من العودة إلى نصّ “وثيقة الوفاق الوطني”، بدلاً من اللجوء إلى معادلة “جيش وشعب ومقاومة”، التي انتهت مفاعيلها مع انتهاء العدوان الإسرائيلي والانقلاب الداخلي الذي تبعه في الاستحقاقات الدستورية.

جاء في الفقرة “ج” من البند الثالث في “وثيقة الوفاق الوطني” الآتي: “اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود”.

بالتوازي، يتبيّن أنّ المداورة في الحقائب ستستثني الحقائب السيادية، وستُخضع بقيّة الحقائب لقاعدتها، فيما يقال إنّ سلام اتّفق مع الثنائي على تبادل الأسماء المقترحة للحقائب التي سيتولّاها وزراؤهم، لكي لا يُتّهم رئيس الحكومة المكلّف بأنّه خضع لمشيئة الثنائي في التسميات فيضطرّ إلى مسايرة بقيّة الكتل النيابية في اعتماد المبدأ ذاته. ومع ذلك، يبدو أنّ الليونة التي أبداها سلام مع الثنائي أعادت إحياء منطق المحاصصة التي راحت بقية الكتل تطالب بها لكي تملي على رئيس الحكومة المكلف ما تريده من أسماء للتوزير.

كلير شكر- اساس

مقالات ذات صلة