شل الدبلوماسية اللبنانية: لبنان يفقد حق التصويت في الأمم المتحدة!

فقد لبنان حقوق التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لعدم سداد مستحقاته لميزانية التشغيل، ما يعكس حدة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، فيما يرجح محللون أن يفقد لبنان المزيد من تمثيلياته الدبلوماسية في عواصم عالمية مؤثرة.

وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس أنّ “فنزويلا ولبنان وجنوب السودان متأخّرة عن سداد مستحقّات لميزانيّة تشغيل الأمم المتحدة، وأنّها من بين 6 دول فقدت حقوقها في التّصويت في الجمعيّة العامّة المكوّنة من 193 عضوا”.

وقالت وزارة الخارجية اللبنانية الجمعة إن بيروت ستدفع متأخرات للأمم المتحدة لاستعادة حقوقها في المنظمة الدولية بعد أن خسر لبنان، الذي يعاني من أزمة مالية شديدة، حق التصويت للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات بسبب عدم دفع المساهمات.

وقالت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان إن “عملية الدفع النهائية ستتم مباشرة بما يحفظ حقوق لبنان في الأمم المتحدة”. ولم يعلق بيان الوزارة على أسباب التأخير.

وتواجه البعثات الدبلوماسية اللبنانية في الخارج أزمة مالية غير مسبوقة تهدد بشلل في مهماتها وهي من ارتدادات أزمة شاملة تضرب لبنان منذ 2019.

وفي ظل هذا الوضع طلب لبنان من سفاراته البحث عن مانحين للمساعدة في تغطية نفقات تشغيلها، مع تأخره عن دفع رواتب الدبلوماسيين وتفكيره في إغلاق بعثات بالخارج.

وطلبت وزارة الخارجية في منشور بتاريخ الخامس والعشرين من يناير 2022 من البعثات الخارجية السعي للحصول على تبرعات من المغتربين اللبنانيين والرد على طلبها في غضون أسبوعين.

ويعاني لبنان مما وصفه البنك الدولي بأنه واحد من أسوأ الانهيارات المالية في التاريخ. واستهلك منذ 2019 أغلب احتياطياته من العملة الصعبة، مما أدى إلى نقص الدولار وخسارة العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها.

وقال وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب العام الماضي إنه بدأ تطبيق خطة لتقليل نفقات السفارات تشمل بدلات الإيجار ورواتب الدبلوماسيين ونفقات الحفلات والسفر. وقد يصل حجم التخفيضات إلى 18 مليون دولار في موازنة تبلغ 95 مليون دولار إجمالا.

وتتعرض الطبقة السياسية في لبنان وخارجه لانتقادات حادة واتهامات بالتسبب في الأزمة وبانشغالها في الصراعات على النفوذ وتأمين المصالح بينما يتجه البلد إلى الأسوأ مع تفاقم وتناسل الأزمات فيه.

ويقر الساسة اللبنانيون بوجود فساد في البلاد، لكن لم يتحمل أحد المسؤولية الفردية ويقولون إنهم يبذلون ما في وسعهم لإنقاذ اقتصاد البلاد الذي بات بالفعل على حافة الانهيار الشامل.

ويبلغ عدد البعثات الدبلوماسية اللبنانية 89 بعثة موزعة بين 74 سفارة و15 قنصلية، فيما رواتب الدبلوماسيين سنويا إلى نحو 30 مليون دولار.

ولم تعد آثار الأزمة المالية التي يعيشها لبنان تقتصر على ما هو داخل حدوده فقط، بل امتدت إلى معظم دول العالم التي يحضر فيها لبنان بتمثيل دبلوماسي، فيما مصاريف السفارات التشغيلية لم تصرف، ما يهدد استمرارية العمل في سفارات لبنان وقنصلياته في الخارج التي تقدم الخدمات لنحو 14 مليون لبناني مغترب ومنتشر.

وتقوم آلية صرف رواتب الدبلوماسيين على إرسال وزارة الخارجية لجداول الرواتب بالأسماء إلى وزارة المالية، التي بدورها تنقل الاعتمادات إلى مصرف لبنان الذي يحولها إلى حسابات السفارات والدبلوماسيين في الخارج بالعملة الصعبة.

وهذه الآلية تشهد عرقلة من جهة مصرف لبنان، الذي يقول إنه يواجه مشاكل في تأمين سيولة مالية بالدولار تكفي لتسديد هذه الرواتب، وغيرها من نفقات الدولة بالدولار فيما احتياطاته من العملة الصعبة آخذة بالتآكل.

بينما المشكلة بالنسبة إلى مصرف لبنان، أنه لا اعتمادات تكفي لتغطية قيمة الرواتب للسلك الدبلوماسي بالدولار.

وتواجه الحكومة اللبنانية أزمة مالية حادة ناتجة عن الانهيار المالي غير المسبوق في لبنان والذي دفع بالليرة اللبنانية إلى الهبوط نحو مستويات قياسية، ما أدى إلى تآكل قيمة الموازنات المصروفة للوزارات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى رواتب الموظفين لديها التي فقدت أكثر من 90 في المئة من قدرتها الشرائية.

وعمدت معظم السفارات اللبنانية إلى تخفيض نفقاتها التشغيلية بمعدل 25 في المئة منذ بداية العام 2022، وهذا التخفيض تُرجم بنقل مكاتب تابعة للسفارات من مناطق إلى أخرى أقلّ كلفة لناحية بدلات الإيجارات، إضافة إلى عدم ملء الشواغر في وظائف السفارات.

ونقص التمويل أثر بصورة كبيرة على أداء السفارات اللبنانية في الخارج، لاسيما لناحية الأمور اللوجستية والتشغيلية، خصوصا بعدما توقفت الكثير من المخصصات المرتبطة بالسفراء كبدل التمثيل الدبلوماسي، إضافة إلى تخفيض الموازنات، وتخفيض رواتب الموظفين المحليين في السفارات، ورواتب الدبلوماسيين اللبنانيين.

ويخشى أن تؤثر هذه الأزمة على سمعة لبنان في الخارج، لاسيما إذا ما تخلف عن تسديد المتوجب عليه تجاه الدول المضيفة، لناحية بدلات الإيجار لمباني السفارات ومنازل الدبلوماسيين وعقود الصيانة والتأمين، ما قد يدخل لبنان بدعاوى قضائية مع أصحاب الملك.

والمشكلة الأساسية في تأخر دفع الرواتب تتمثل بعدم توفر السيولة اللازمة بالعملة الصعبة لدى مصرف لبنان لإرسالها، وهذه المشكلة مازالت قائمة وتتجه إلى المزيد من التأزم مع تراجع احتياطات مصرف لبنان شهرا تلو الآخر.

وتصرف السفارات المتعثرة مما يسمى “حسابات السلفة” التي لديها، حيث أن كل سفارة تملك حسابا محليا في الدولة التي تتواجد فيها، حين تنتهي هذه الأموال عليها تقديم طلب سلفة، من وزارة الخارجية التي تتدبر أمر تأمين الأموال، عبر وارداتها أو من مخصصات سفارة أخرى مثلا، ولكن هذا تدبير يبقى مؤقتا، قد يصلح لتمرير شهر أو شهرين، وليس إجراء مستداما.

مقالات ذات صلة