الحسم صعب إن لم يكن مستحيلاً: معركة الـ1701 أم حرب خسارة كل شيء؟

إنها مرحلة جديدة من التفاوض بالنّار. يقتضي ذلك تصعيداً في العمليات العسكرية من الطرفين، إسرائيل وحزب الله. لم تعد المفاوضات محصورة بالمساعي الدولية والديبلوماسية، بل أيضاً العوامل والعناصر الميدانية، هي التي ستفرض معادلات كثيرة. يراهن حزب الله على الميدان لتعديل ميزان القوى. وهو يقول، حسب ما تفيد مصادر قريبة منه، إنه قادر على تحسين شروطه ومنع إسرائيل من تحقيق أهدافها التي تريدها أو تريد فرضها سياسياً وديبلوماسياً.

التصعيد والديبلوماسية
في المقابل، وبعدما سرّب الإسرائيليون بنود اتفاقهم مع الولايات المتحدة الأميركية، واعتبروا أن لبنان لم يوافق عليها، قرروا توسيع العملية البرّية في إطار الانتقال إلى المرحلة الثانية. مرحلة يكثف فيها الإسرائيليون من ضرباتهم وغاراتهم على المدن ولا سيما الضاحية الجنوبية، بالإضافة إلى تعميق عمليات التوغل على محاور مختلفة. أيضاً، حزب الله يكثف من عملياته العسكرية في إطلاق الصواريخ والمسيرات وصولاً إلى استهداف مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية مرتين في اليوم نفسه. كما يواصل عملياته البرية لإلحاق خسائر في صفوف الإسرائيليين.

في موازاة هذا التصعيد العسكري، لا تزال قنوات الاتصال الديبلوماسية مفتوحة من قبل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين مع الإسرائيليين من جهة، واللبنانيين من جهة أخرى. كانت كل المعلومات في لبنان تشير إلى أن هوكشتاين يفترض أن يزور تل أبيب وبيروت هذا الأسبوع. لكن ذلك لم يحصل لمجموعة أسباب، أولاً كان هوكشتاين ينتظر اللقاء الذي سيعقد بين الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب، ليحصل بعده على مباركة من الرئيس المنتخب لجهوده ولمواصلة عمله، وهو ما حصل وفق ما تقول مصادر ديبلوماسية. ثانياً، تشير المصادر إلى أن هوكشتاين لا يزال يعمل على تطوير مقترحه بالتواصل مع اللبنانيين ومع الإسرائيليين.

بانتظار الصيغة
في تقديرات الأميركيين فإن لبنان يريد انتهاء الحرب ويريد الوصول إلى وقف لإطلاق النار، وكذلك إيران. فهي لا تريد مواصلة الحرب الإسرائيلية على لبنان وتفضل وقف النار. لذلك فإن ما يتركز عليه عمل هوكشتاين هو إيجاد اتفاق يقبل به حزب الله ويقبل به الإسرائيليون. وتضيف المصادر: “لم يتم تحديد مواعيد لزيارة هوكشتاين حتى الآن، ولكنه يعمل بجهد لإنجاز الاتفاق الذي يمكن أن يوفّر مخرجاً للطرفين، وهو لا يريد أن يجري الزيارة من دون ثقته بأن الاتفاق قد أصبح ناجزاً وهو سيأتي للإعلان عنه وتطبيقه”. في هذا السياق، برزت زيارة السفيرة الأميركية ليزا جونسون إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، في إطار حمل بعض الرسائل والاستفسارات ضمن المساعي المستمرة والمتواصلة للوصول إلى الاتفاق.

وحسب المعلومات، لا تزال النقاشات مع اللبنانيين تتركز على تطبيق القرار 1701 مع صيغة موازية له حول الضمانات والآليات التطبيقية. وتؤكد المعلومات أن واشنطن حصلت من لبنان على جواب رسمي وحاسم حول التزامه بالقرار 1701، وانسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني. أما الآليات التطبيقية فتتعلق بتشكيل لجنة لمراقبة آلية تطبيق القرار وعدم حصول أي تحركات عسكرية للحزب. وتفيد المعلومات بأن لبنان يوافق على لجنة تكون فيها أميركا وفرنسا فقط، إلى جانب قوات اليونيفيل، ولا يكون فيها أي وجود لألمانيا أو بريطانيا. كذلك فإن النقاش المستمر يتعلق بتفاصيل حول آليات ومراحل تطبيق القرار ووقف النار وعودة السكان ودخول الجيش وتعزيز وجوده إلى جانب قوات اليونيفيل.

الشروط القاسية
في المقابل، فإن آلية التفاوض الإسرائيلية تبدو مختلفة في سياقها عن المفاوضات اللبنانية الأميركية. لا يزال الإسرائيليون يضعون شروطاً قاسية جداً لا يمكن لحزب الله الموافقة عليها، وخصوصاً لجهة حرية الحركة أو فرض رقابة برية وبحرية وجوية، لا تزال تل أبيب تتمسك بهذه المطالب، وتحاول فرضها عسكرياً من خلال تصعيد العمليات العسكرية وتكثيفها. هنا لا تزال جهات دولية وديبلوماسية تشكك بنوايا الإسرائيليين، وبأنهم لا يريدون الوصول إلى أي اتفاق. بل إن نتنياهو سيستغل الفترة المتبقية من ولاية بايدن لتصعيد عملياته وتكثيفها، فيما يتخوف ديبلوماسيون من مخاطر كلام وزير الأمن الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس، حول نزع سلاح حزب الله وإبعاده إلى ما وراء الليطاني. وقد كرر كاتس عبارة نزح سلاح الحزب لثلاثة مرات في ثلاثة أيام. هذا الكلام يدفع الديبلوماسيين إلى التخوف مما تحضر له إسرائيل، وهو استمرار الحرب لفترة طويلة جداً، نظراً لأن هذا الهدف سيكون صعب التحقيق إن لم يكن مستحيلاً.

حتى الآن لا ثقة لبنانية أو دولية في إمكانية الوصول إلى اتفاق، خصوصاً في حال أصرت إسرائيل على شروطها، التي يرفضها حزب الله. وحسب المعلومات، فإن الحزب يوافق على تطبيق القرار 1701 حول عدم ظهوره عسكرياً في الجنوب، وبما يضمن عودة السكان، ولكنه يرفض كل الصيغ التي يتم تسريبها من قبل الإعلام الإسرائيلي حول لجان المراقبة وحرية الحركة وفرض ما يشبه الوصاية الأمنية والعسكرية على لبنان ككل.

استمرارية الحرب
من جهة أخرى، هناك وجهة نظر تفيد بأن إسرائيل التي أقدمت على شنّ هذه الحرب، لا تريد التراجع من دون تحقيق أهدافها، وأنها لم تتكبد كل هذه الخسائر للتراجع عن شروطها وكأن شيئاً لم يكن أو للعودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول. كما أن إسرائيل تراهن على دخول ترامب وفريقه للحصول على المزيد من الدعم لمواصلة الحرب وتحقيق أهدافها. أما حزب الله، فيتعاطى مع هذه الحرب بأنها وجودية، وأنه دفع الخسائر التي سيدفعها مسبقاً، ولم يعد لديه شيء ليخسره طالما استمرت الحرب، التي يريد تحويلها إلى فرصة لضرب “الإنجازات الإسرائيلية” من خلال تحقيق إصابات كبيرة في صفوف الجنود، ومن خلال الاستمرار في ضرب العمق الإسرائيلي.

ما يريده الإسرائيليون من هذه المعركة أن تتجه إلى خيارات ونتائج حاسمة. ولكن الحسم صعب إن لم يكن مستحيلاً، ما سيرجح إطالة أمدها التي ستتخذ أشكالاً مختلفة. فتارة تعنف وطوراً تتراجع، وسط مساع إسرائيلية لتغيير موازين القوى في المنطقة، لا سيما أنها لا تزال تعلن عن مواجهة المشروع الإيراني. ما يعني أن كل الملفات مترابطة ببعضها البعض من لبنان إلى سوريا والعراق وحتى اليمن، بما يتصل بنفوذ إيران في المنطقة أو السعي الإسرائيلي للدخول في مواجهة أو اشتباك مع طهران واستدراج الأميركيين إلى هذا الملعب.

بالمحصلة، ما يريد الإسرائيليون فرضه على دول المنطقة هو الاختيار بين خيارين، إما حرب طويلة لخسارة كل شيء، أو قبول شروط الخسارة بأكثر الخسائر الممكنة.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة