الشيعة في سرهم… ماذا فعل بنا نصر الله: هل من توتر بين شيعة الحزب وشيعة “أمل”؟
ماذا بقي لدى بري من أوراق في درجه أو أرانب في كمه
لم يكن الرئيس نبيه بري يحلم أن يأتي يوم لا يرى فيه حسن نصر الله ممسكاً بالقرار الشيعي أولأ واللبناني ثانياً، ولم يكن يتوقع أن يتحول بين ليلة وضحاها من “الرجل الشيعي الثاني” الى الرجل الشيعي الأول من دون حرب أو انقلاب أو شراكة أو حتى ضربة كف.
وأكثر من ذلك لم يكن وارداً في حسابات “الاستاذ” أن يجد نفسه في موقع يخيّره بين اتخاذ قرارات وطنية قد لا ترضي الشيعة، وقرارات شيعية قد لا ترضي اللبنانيين وأصحاب القرار في غير عاصمة فاعلة ومؤثرة.
وفي معنى آخر، يعرف نبيه بري أن زمن المناورات واللعب على عامل الوقت قد انحسرا، وأن الاضطلاع بدور الوسيط بين “حزب الله” واسرائيل عبر الأميركيين أو الفرنسيين لم يعد ضرورياً أو خياراً وحيداً، فضلاً عن أن الرهان على أي نصر يمكن أن يحققه محور الممانعة سواء في غزة أو الجنوب لا يبدو متاحاً إن لم يكن مستحيلاً، الأمر الذي يجعله عارياً ومكشوفاً من دون أقنعة أو قفازات، ويضعه أمام خيارين: الأول فتح مجلس النواب من دون شروط تمهيداً لانتخاب رئيس للجمهورية من خارج نادي الممانعة، والثاني رفع “العلم الأبيض” في الجنوب، والثالث التنازل عن سلاح بيئته لمصلحة الجيش اللبناني، والرابع الاضطلاع بدور بطل قرر أن يكمل الحرب برجاله سعياً الى إنقاذ الشيعة من جهة وهو أمر غير ممكن على مستوى القدرة العسكرية، أو الاضطلاع بدور “المناور الحر” الذي يتجاوز خسائر الأرض سعياً الى تسوية تمنحه رئيساً معتدلاً في بعبدا، وحكومة يرئسها سني لا يتبنى تحديداً تطبيق القرار ١٥٥٩.
وليس سراً، أن القرار ١٥٥٩ هو أشد وقعاً نسبياً على موقع حركة “أمل” من سقوط “حزب الله” حسب مصدر شيعي يروّج بأن الشيعة الذين يرفعون منذ زمن الامام موسى الصدر شعار “السلاح زينة الرجال”، يعتبرون أن ما وصلوا اليه من سلطات ونفوذ ومكاسب ومواقع كان بفضل هذا السلاح الذي حماه السوريون في البداية وعزّزه الايرانيون بعد ذلك.
وذهب مصدر قريب من عين التينة، أن تطبيق القرار ١٥٥٩ يعني حكم إعدام للطائفة الشيعية، قائلاً: “ربما نستطيع العيش من دون خبز لكن ليس من دون سلاح”.
وكشف مصدر قريب من عين التينة أن بري لم يكن سعيداً عندما ألقى الشيخ نعيم قاسم أثقال ما أصاب “حزب الله” على أكتاف “الأخ الأكبر”، معتبراً أن هذا الأمر لم يكن من باب الثقة به، بل من باب التحذير غير المباشر من مغبة السعي الى أي حلول سياسية قبل وقف اطلاق النار في الجنوب ومنح رجاله فرصة لالتقاط الأنفاس.
ورأى المصدر أن قاسم، المدفوع من الايرانيين، حاول إفهام بري أنه لن يسمح له بالعوم على جثة نصر الله، وأن الحرب لم تنتهِ بعد، ملمحاً الى أن الحزب لم ينتهِ مع انتهاء قياداته الرئيسية، ومحذراً “الاستاذ” من التصرف وكأنه ورث الزعامة الشيعية وامتلك حق صنع القرارات المصيرية في لبنان منفرداً ومن دون أي اعتبار لأحد.
وليس من قبيل المصادفة أن يفرمل بري تحركه في اتجاه مجلس النواب بعدما تلقى تحذيرات مباشرة وغير مباشرة من طهران أولاً والضاحية ثانياً، وأن يصرف النظر عن هدف السعي الى انتخاب رئيس توافقي وابقاء باب البرلمان مقفلاً، في انتظار نتائج الحرب البرية في الجنوب، والرد العسكري الاسرائيلي المرتقب على ايران.
وكشف مصدر ديبلوماسي عربي في هذا المجال أن بري تلقى موافقة سمير جعجع على أسماء ستة مرشحين رئاسيين، هم جوزيف عون وصلاح حنين وناصيف حتي وميشال معوض وجهاد أزعور ونعمت افرام، الا أن جوابه كان مشككاً بموقف معراب قائلاً: “سمير جعجع يريد سمير جعجع”، متهماً اياه بالتواصل مع كتل نيابية عدة مسوّقاً نفسه على أنه رجل المرحلة.
وسواء كان بري على حق من عدمه، لا بد من السؤال: ماذا يريد بري تحديداً أو بالأحرى ماذا يستطيع أن يفعل أو ماذا بقي لديه من أوراق في درجه أو أرانب في كمه يمكن أن تجترح له مخرجاً بأقل قدر من التنازلات؟
الواقع أن أحداً في عالم الشيعة لا يتمنى أن يحل محل “الأستاذ” في هذه المحنة أو المحرقة التي يمكن أن تأكل كل شيء، في وقت لا يتجه العامل العسكري نحو أي نهاية تتجاوز النهايات الكارثية بالنسبة الى “حزب الله”، وفي وقت يتخوف من بقي من القيادات الشيعية من انهيار كامل يلامس الاستئصال أو الاقتلاع ويمهد الطريق نحو تجربة مماثلة لتجربة الاجتياح الاسرائيلي الذي انتهى الى غالب ومغلوب في العام ١٩٨٢.
والواقع أيضاً، أن بري، في رأي القريبين منه، لا يبدو مستاء مما أصاب حليفه اللدود “حزب الله” بقدر ما يبدو متوجساً مما يخبئه المستقبل على موقعه وحركته ودوره وخلافته، مشيرين الى أن الرجل الذي أمضى السنوات العشرين الماضية تحت عباءة حسن نصر الله لا بل تحت إمرته في الكثير من المفاصل الأساسية، لن يأخذ لقب “الأخ الأكبر” على محمل الجد ويتهالك خلف مخرج يستعيد به الدور الذي كان له قبل أن ينتزعه منه حسن نصر الله في ما عرف وقتذاك بـ “حرب الأخوة”.
وأكثر من ذلك، يواجه “الاستاذ” خلف الكواليس توتراً بين شيعة الحزب وشيعة “أمل” الذين يحمّلون نصر الله مسؤولية ما حدث للطائفة كلها، متهمين اياه بأخذ كل الشيعة الى الانتحار وتدمير كل ما بنوه في مدى السنوات الأربعين الماضية من أجل الفلسطينيين الذين كان لهم مع رجال بري جولات دامية لا تزال آثارها ماثلة في الوثائق والنفوس.
وأكثر من ذلك، لا يشعر بري، ومن بقي من قيادات “حزب الله” بالارتياح حيال تصاعد قوة شيعية ثالثة يقودها رجال دين شيعة وتصب في اتجاه الانغماس في الدولة، وحل الميليشيات وتسليم السلاح الى الجيش، اضافة الى احتمال استنهاض البيوت السياسية المهمّشة من أمثال آل الخليل والأسعد والأمين وعسيران وحمادة وسواهم.
انه التاريخ الذي أعاد عقارب الساعة الى الوراء ٤٢ عاماً، أي الى اللحظة التي أسهم فيها الشيعة القدامى في انتخاب البشير رئيساً للجمهورية، والتي وقف خلالها نبيه بري ليعلن أمام الملأ أنه خسر الحرب رافعاً رايته البيضاء من دون شروط.
وقد يقول قائل إن الأمور لم تصل الى هذا الحد بعد، وان “حزب الله” لا يزال قادراً على ضخ بعض الحياة في عروقه وأن يمنح بري بعض الأوراق الرابحة، لكن ما يجري على الجبهة اللبنانية- الاسرائيلية، لا يبشر بالخير في وقت تصر تل أبيب مدعومة بقرار اقليمي- دولي على تفكيك المقاومة الاسلامية عن آخرها، وإفهام حلفائها في لبنان، ومنهم حركة “أمل”، أن تحييدها لا يعني عدم الالتفات نحوها اذا شاء “الاستاذ” أن يلعب دور البطل في نظر الشيعة، أو أن يأخذ غزة الى أي مفاوضات لا تتضمن فصل الساحات ونزع السلاح واعادة ايران من جنوب لبنان الى حدودها الطبيعية.
انها الكأس المرة بامتياز، والزاوية التي تفرض على بري والممانعين الذهاب مرغمين الى انتخاب رئيس لم يكن في حساباتهم أصلاً قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، هذا اذا أرادوا بعدها ألا يدخل الى بعبدا من ليس لهم فضل عليه وليس لهم حصة فيه، واذا أرادوا تجنب تسوية أميركية منفردة تأخذ على عاتقها بناء لبنان جديد لا مكان فيه لغير الجيش ولغير سفير أميركي يلعب دور “غازي كنعان” انما بقفازات بيض ومن دون رجال المارينز.
انطوني جعجع- لبنان الكبير