فخ الترسيم البحري طمأن حزب الله!

لا شك في أن يوميات الحرب تسحب معها كل نقاش سابق ومستقبلي حول ما حدث وما يمكن ان يحصل. لكن وقائع ومعلومات تعيد رسم المشهد الذي أوصل الى الحرب الحالية والشروط الموضوعة لوقفها..

في موازاة الكلام عن اقتراحات لوقف النار، وعن مسلسل الحرب الإسرائيلية على لبنان، يكمن جوهر النقاش الاوروبي، والفرنسي تحديداً، مع اسرائيل، فيما لا تزال المعلومات المتداولة تتحدث عن مرحلة ما قبل بدء التصعيد الاسرائيلي عبر مسلسل الاغتيالات والضربات الجوية على الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع.

وتركز مجموعة معلومات حول فكرة أساسية تتعلق بمرحلة ما قبل 7 تشرين، وتحديداً مع مفاوضات الترسيم البحري، ليصبح النقاش متقدماً حول الهدف الذي من أجله عقد هذا الاتفاق، وما اذا كان الهدف منه طمأنة حزب الله الى نوايا اسرائيل تجاهه، وليس الوصول الى الاتفاق في حد ذاته. فمع كل حدث عسكري على هذا المستوى من الخطورة والتداعيات التي ترسم وجهاً جديداً للصراع في المنطقة، يصبح من الضروري استعادة تلك المرحلة التي شهدها لبنان تحت سقف الضغط الخارجي والمزايدات الداخلية بين القوى السياسية الرئيسية لتوقيع الاتفاق الذي يتحمل مسؤوليته من ساهم في الوصول اليه. حينها، عمل الوسيط الاميركي بقوة على انجاز هذا الاتفاق، ولم تكن باريس، لضرورات مختلفة، بعيدة عن العمل بدورها لتسهيله. لكن التنافس كذلك بين القوى السياسية التي سعى كل منها الى تبني مرجعية صياغة الاتفاق، ادى إلى وضع الجميع أمام تحقيق إنجاز “بلد نفطي” لم يحقق للبنان اي ايجابية. بل ان ما يحصل اليوم يعيد نبش أوراق تلك المرحلة في فهم خلفياتها، والدور الذي لعبه الموفد الاميركي عاموس هوكشتين وبعض من روّج للتسوية التي أدّت الى تراخٍ سياسي واضح في التقاط الغاية الأبعد من الاتفاق النفطي.

الى ما قبل الايام التي سبقت اغتيال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كانت ثمة معلومات تتحدث عن ان التهدئة الاسرائيلية المضبوطة تحت سقف التصعيد مع حزب الله مردّها اتفاق الترسيم البحري، وأن اسرائيل وحزب الله لا يزالان يتعاملان معه على انه قائم، بدليل عدم المسّ بالمنطقة التي يشملها الاتفاق. لكن مع تدحرج الاوضاع الى الحد الذي وصلت إليه حالياً، يصبح السؤال معكوساً في البحث عن خلفيات ما حصل قبل سنتين تماماً من الآن. المؤكّد أن اسرائيل لم تكن تتوقع حدث 7 تشرين، لكن المؤكّد أيضاً ان عامل الاطمئنان الذي خلقه الترسيم البحري لدى حزب الله والمزيدات الداخلية التي سحبته ووضعته امام تحدّي الاتهام بأنه فتح باباً للتسوية مع اسرائيل، ساهم كذلك في قراءة المتغيرات التي كان سيقبل عليها، لأن حجم الاطمئنان الذي خلقه الاتفاق برعاية أميركية وفرنسية، والتعامل معه على انه خطوة نحو التسوية الاقليمية، أشاع جواً من الثقة بأن مستقبل حزب الله في المعادلة الاقليمية مضمون. ومن هذا الاتفاق والغاية منه، يمكن الانطلاق مجدداً نحو مستقبل لترتيب او تسوية تضمن وقف الحرب. وبعد كل ما حصل من انقلاب عسكري وسياسي، لم تتم قراءته بعد بواقعية تحت ضغط العمليات العسكرية، يصبح للنقاش حول المفاوضات لوقف الحرب معنى آخر في ضوء ما يُطرح. فما كشفه النقاش الفرنسي مع اسرائيل لوقف اطلاق النار، يتعدى لازمة التمسك بالقرارات الدولية، بل بتحديد شرط العودة الى ما لا يقل عن تنفيذ كامل للقرار 1559. صحيح ان فرنسا ليست الوسيط المعتمد من جانب اسرائيل للتوصل الى وقف للنار، الا انها لا تزال تحاول العمل معها على تحقيق تهدئة، انطلاقاً من اعتبارات تتعلق بموقفها عموماً من لبنان وبوضع قواتها المشاركة في القوات الدولية. لكن جلّ ما سمعته صار مشروطاً بما يتعدى القرار 1701 بأشواط. وما بدأت اسرائيل تضعه كبند أساسي للتجاوب مع اي مقترح، هو العودة الى القرار الذي صدر في ايلول عام 2004. ورغم ان القرار وارد في صلب القرار1701، الا انه ظل يثير حساسيات منذ صدوره قبل عشرين عاماً، في ظروف معقّدة إبان الوجود السوري، وما تبعه من تطورات سبقت وتلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ودعوته الى حل جميع الميليشيات وسحب سلاحها. علما أنه شكّل اول مادة للنقاش قبل حرب تموز في اول طاولة للحوار، حضرها السيد نصرالله، والتي انعقدت عام 2006، وانبثق منها موضوع الاستراتيجية الدفاعية وما حصل حولها من إشكالات استمرت الى اليوم. وبحسب المعلومات، يأخذ التمسك الاسرائيلي اليوم بالقرار المذكور، حيزاً اساسياً من النقاشات، لأنه يرسم بالنسبة اليها خريطة طريق تتعدى 1701 الذي انتهت مفاعيله بالنسبة اليها بانتفاء ظروفه التي استوجبت حينها صدوره، ويضاف الى الواقع العسكري الذي تعتبر انها فرضته جنوباً، ما يؤدي في نهاية المطاف الى تطبيع الوضع الميداني والسياسي في لبنان بطبيعة الحال.

هيام القصيفي

مقالات ذات صلة