هذا هو رجل المرحلة المقبلة التي تُسمّى “اليوم التالي للحرب”!

مهما كانت طبيعة المرحلة المقبلة في “اليوم التالي” للحرب، سيكون للجيش اللبناني دور أساسي فيها لا يُمكن تجاوزه، لأنه المؤسسة العسكرية الوحيدة المُعترف بها دولياً ولبنانياً لحماية لبنان وحدوده، وهذا أمر بديهي، يتفق عليه الجميع، ولو كان “حزب الله” لا يثق إلا بقواه الذاتية وسلاحه.

لكن حتماً ظهر في وقائع هذه الحرب أن “الحزب” غير قادر على حماية لبنان ولا حتى حماية بيئته وعناصره وسلاحه، بل تبدو الحرب غير متكافئة، مع تبخّر معادلة “وحدة الساحات” وكل الأوهام التي بنى “الحزب” استراتيجيته عليها، لذلك ازدادت القناعة لدى الشعب اللبناني بأن سلاح “الحزب” بات من دون جدوى، وسيتحوّل أكثر إلى عديم الفائدة عندما يُطبّق القرار 1701 بالكامل أي بما يشمله من القرارين 1559 و1860 بحيث يُسلّم سلاحه إلى الجيش اللبناني، أو جزئياً عبر تراجعه إلى ما وراء نهر الليطاني.

لكن المخاض للوصول إلى هذه المرحلة أرادها “الحزب” دمويّة، تلبية لرغبات إيرانية تسعى إلى تجميع أوراق في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي، ما صعّب حياة اللبنانيين في حرب ربط فيها “الحزب” مصير لبنان بمصير غزة، فدفع الشعب اللبناني الفاتورة الباهظة من دمائه وماله ودمار بيوته وتشرّده.

من المؤكّد أن تطبيق أي تسوية ترتكز على القرارات الدولية في “اليوم التالي” للحرب سيقع على عاتق الجيش اللبناني، وهذا ما بدأت عواصم القرار ولا سيما الولايات المتحدة تعدّه وتبحث فيه، مستفيدة من العلاقات الطيّبة التي بنتها مع قائد الجيش العماد جوزف عون طوال الأعوام الفائتة، وقد أدت إلى دعم الجيش بالعتاد والسلاح والمال، وأمّنت استمراريته في الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرّ بها لبنان.

واللافت أن الأميركيين لا يؤمنون بالسياسات المرتجلة بل يعتمدون رسم الخطط والاستراتيجيات البعيدة المدى، ولا يبدو ما تفعله اسرائيل مع “الحزب” في لبنان ارتجالياً أيضاً بعدما قضت على قياداته السياسية والعسكرية وأضعفت بنيته التحتية العسكرية، ولا تزال حملتها مستمرة، وهذا ما يتقاطع عن سابق تصوّر وتصميم مع الرؤية الأميركية للبنان الغد، حيث لا وجود لسلاح في قاموسهم سوى سلاح الجيش الذي يسعون إلى تعزيز سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية بعد أن ينهار “الحزب” عسكرياً واقتصادياً نتيجة الحصار الاسرائيلي في آخر المطاف.

وقد شهدت أروقة الديبلوماسية الأميركية الأسبوع الفائت تحركاً لافتاً فُهِمَ منه أن الأولويات الأميركية أصبحت اليوم انتخاب رئيس للجمهورية يكون بداية الحل لاستعادة الدولة اللبنانية قرارها السيادي، وقد لاقت “الترويكا” اللبنانية المؤلفة من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، هذه التحركات الديبلوماسية في منتصف الطريق، ولا تخفي الأجواء الديبلوماسية الواردة من واشنطن أن الإسم الأكثر تداولاً كرئيس توافقي يجمع بين القوى السياسية هو العماد عون الذي اختبره الأميركيون لعدة عقود من خلال برنامجهم لدعم القوات المسلحة اللبنانية، فكسب ثقتهم نظراً إلى مهنيّته وفهمه للأزمة اللبنانية وايمانه بالمؤسسات الرسمية وولائه للبنان.

رأى الأميركيون أن الفرصة مناسبة لتحريك الملف الرئاسي في ظلّ الضعف الذي يتخبّط به “الحزب”، لكن ما غاب عن بالهم هو تدخل إيران المفاجئ عبر وزير خارجيتها عباس عراقجي، الذي عطّل المبادرة الأميركية، ودفع “الترويكا” اللبنانية إلى التراجع!

لكن، برأي الأميركيين، أنه مهما عطّلت إيران الانتخابات الرئاسية، ولو لم يُنتخب عون رئيساً، فهو سيكون رجل المرحلة المقبلة التي تُسمّى “اليوم التالي للحرب”، كونه قائد الجيش، ولن يكون هناك قائد آخر للجيش، طالما البلد معطّل دستورياً، وسيتم التمديد له حكماً مرة أخرى. ويبحث الأميركيون في قدرة الجيش على تطبيق القرار 1701، وتحديداً إدارة المنطقة العازلة في الجنوب التي سيتم التفاوض عليها بعد انتهاء المرحلة العسكرية الاسرائيلية، وهذا ما كان محط بحث بين المسؤولين اللبنانيين من جهة والموفد الأميركي آموس هوكشتاين، إذ يتطلب إعداد قوّة كبيرة من الجيش لتولي المهمة، وقد عُلِمَ أن عون صارح هوكشتاين بأن هذه المهمة تحتاج إلى استعدادات كبيرة وإمكانات هائلة على الادارة الأميركية والمجتمع الدولي المساعدة في تأمينها للجيش.

كل هذه الاستحقاقات لن تمر من دون قائد الجيش الذي يقود المؤسسة العسكرية منذ أعوام عدة، ويعرف الشاردة والواردة فيه، وبالتالي مسؤوليته، بالنسبة إلى الأميركيين، تبدأ بمهامه العسكرية وصولاً إلى التوافق حول شخصه كرئيس توافقي لا يتأثر بحسابات القوى السياسية مهما كان انتماؤها، بدليل اعتراف رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية بالأمس، وهو مرشّح الممانعة، بأن عون يبقى الشخصية الأكثر توافقية للرئاسة، وكأنه يقول: لن أتنازل إلا إذا حصل توافق على قائد الجيش لإنتخابه رئيساً للجمهورية.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة