ما سرّ توتّر علاقة فرنسا بـ”حزب الله”؟
ساءت في الآونة الأخيرة العلاقة بين “حزب الله” وفرنسا على الرغم من كل المساعي التي تبذلها إدارة الرئيس ايمانويل ماكرون لمساعدة القوى السياسية اللبنانية على انتخاب رئيس للجمهورية، وقد سخّف الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله الدور الفرنسي في كلمته الأسبوع الفائت، مما أزعج الفرنسيين الذين يشكّلون الاستثناء من بين عواصم القرار في عدم تصنيف “الحزب” على لائحة الإرهاب، ويستمرون حتى اليوم في مد جسور التواصل معه، على الرغم من الانتقادات العديدة التي توجّه الى ماكرون بسبب انفتاحه على “الحزب” ومراعاته له.
لكن فرنسا حرصت على تبليغ “الحزب” رسالة واضحة عن انزعاجها عبر قنوات معيّنة. علماً أن كلام نصر الله لم يأتِ من العدم، بل يتخطَّى على الأرجح الساحة اللبنانية، ويهدف إلى إيصال رسالة إقليمية معيّنة لفرنسا. بمعنى رهن الوضع اللبناني عموماً والاستحقاق الرئاسي خصوصاً، بملفات ومصالح تعني ايران فقط، على الرغم من محاولة نفي ذلك، وبات واضحاً أن سلوك نصر الله يعبِّر عن عدم مسؤولية تجاه المأساة التي يعيشها الشعب اللبناني.
لا شك في أنه إذا تمعّنا في كلام نصر الله وتهميشه للدور الفرنسي يبرز ملفان رئيسان متعلقان بإيران:
الملف الأول هو الموقف الفرنسي الرسمي من احتجاجات الشعب الايراني ضد النظام القمعي وخصوصاً عندما قال ماكرون إن أبناء الثورة الايرانية يقومون بانتفاضة، وإنه يجب ألا تصيب العقوبات الشعب بأكمله، محبّذاً عقوبات تستهدف المقربين من النظام الايراني.
في المقابل، قامت الصحف الايرانية بمهاجمة ماكرون على خلفية مواقفه الداعمة للانتفاضة واستقباله الناشطة الاعلامية المعارضة مسيح علي نجاد في قصر الاليزيه، معتبرة أن ماكرون كشف عن وجهه الحقيقي، مدعية أنه يدعم “تقسيم” إيران عبر استقباله معارضي النظام الايراني في الخارج. وزاد التوتر أكثر مع الفرنسيين، عندما بادرت وزارة الخارجية الايرانية إلى انتقاد التدخلات الفرنسية والألمانية في شؤون إيران الداخلية، لافتة إلى أنّها تساهم في دعم الإرهاب والعنف في البلاد.
وزاد الطين بلّة نشر مجلة “شارلي ايبدو” الساخرة رسوماً كاريكاتورية تتناول المرشد الأعلى الايراني علي خامنئي في خطوة رمزية هدفت من ورائها إلى إظهار تضامنها مع الايرانيين الذين تقترب احتجاجاتهم ضد النظام الايراني من دخول شهرها الرابع.
هذا الأمر تسبّب على الفور بغضب السلطات الايرانية وتوعدها باتخاذ إجراءات “حاسمة” ضد فرنسا استهلتها بإعلان إغلاق “المركز الفرنسي للبحوث” العلمية في طهران واستدعاء السفير الفرنسي.
أما الملف الثاني فهو يتعلق بالملف النووي الايراني، ومحاولة النظام الضغط على ماكرون للقبول بشروط ايران لاستكمال المفاوضات مع الولايات المتحدة، علماً أنه كان قد غسل يديه من الاستمرار في هذه الجهود بسبب التعنّـت الايراني واصراره على التصرف غير العقلاني. وبعد زيارة ماكرون الى الولايات المتحدة ولقائه الرئيس جو بايدن أصبح مقتنعاً بالموقف الأميركي أكثر، واعتبر “الكرة الآن في ملعب الايرانيين”.
التطورات الاقليمية الايرانية وتردي العلاقات الايرانية – الفرنسية يبرران الموقف السلبي لـ”حزب الله” من الدور الفرنسي، علماً أنها ليست المرة الأولى التي ينقلب فيها “الحزب” على المساعي الفرنسية التي تجاوزت المواقف الأميركية والعربية وخصوصاً السعودية وبعض الدول الأوروبية ومدت اليد الى “الحزب” خلال زيارة ماكرون مرتين متتاليتين إلى بيروت. فقد تجاوب ماكرون في اجتماع السفارة الشهير مع القوى السياسية في أعقاب تفجير 4 آب، حاذفاً بند الانتخابات النيابية المبكرة من مبادرته الانقاذية أثناء مناقشتها، بناء لطلب “الحزب”. فيما بادل الأخير ماكرون بعدم تجاوبه مع تسهيل تأليف حكومة مهمة من اختصاصيين غير حزبيين، مما دفع فرنسا إلى الاصطفاف الى جانب الولايات المتحدة والسعودية والدول التي تعتبر ايران مسؤولة عن أزمة لبنان.
مع ذلك، لم تقطع فرنسا علاقتها بـ”الحزب” حفاظاً على مصالحها في لبنان، وأمن مواطنيها وقواتها المنتشرة ضمن “اليونيفيل” من جهة، وحرصها على التواصل مع كل القوى السياسية اللبنانية ومن بينها “حزب الله” من جهة أخرى.
تتولى السفيرة الفرنسية آن غريو التنسيق مع “الحزب” من خلال أحد مسؤوليه عمار الموسوي، وهي تتبنى سياسة ادارتها الفرنسية التي تنظر الى “الحزب” على أنه إحدى القوى الأساسية المؤثرة في صناعة القرار الداخلي، والتشدد حياله لا ينفع في معالجة الأزمات المتتالية. وتعمل باريس ببراغماتية مطلقة مغلّفة بأسلوب ديبلوماسي، لكن ليس معروفاً إذا اقتنعت بعد خيبات عدة بأن أجندة “الحزب” لا تُكتب في لبنان إنما في إيران، والأخيرة تعتمد سياسة مارقة لا ينفع معها الحوار!.
ولا بد من الإشارة إلى أن علاقة فرنسا بـ”الحزب”، ليست وليدة الأزمة الحالية في لبنان، فهي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، منذ نشأته، وتفجير مبنى دراكار في بيروت، ومقتل جنود حفظ السلام الفرنسيين، فكان الرد الفرنسي حينها، هو الأول والأخير بقصف مواقع تدريب “الحزب” في البقاع اللبناني في عهد الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، وما تلا ذلك من عمليات اختطاف لديبلوماسيين وصحافيين فرنسيين نفذها “الحزب” بدوافع ومصالح ايرانية، كانت فرنسا ترضخ دوماً لابتزازاته مادياً وسياسياً.
جورج حايك- لبنان الكبير