خديعتان من العيار الثقيل قلبتا المشهد الميداني!
ساعات قليلة قلبت المشهد راساً على عقب، وباتت “اسرائيل”والمنطقة امام منعطف شديد الخطورة والتعقيد، بعدما واجهت دولة الاحتلال مفاجأتين من العيار الثقيل:
– اولا: وضعت الصواريخ الايرانية بالكم والنوع “اسرائيل”امام اسئلة وجودية، بعد فشل منظومة الدفاع الجوي “الاسرائيلي”في اعتراض 90 بالمئة منها.
– ثانيا: شكلت استعادة حزب الله لتوازنه بسرعة، حيث حلت الكارثة بفرقة “الايغوز” في المواجهة البرية الاولى على الحدود ، مفاجأة من العيار الثقيل ستفرض جدول اعمال جديد يجعل الخيارات “الاسرائيلية” احلاها مر.
فبعد النجاحات العملياتية في الأسبوعين الأخيرين، سعى الجيش “الاسرائيلي”لاستغلال الزخم بعد الضربات المتتالية ضد حزب الله، لتعميق الإنجاز بريا، وذلك لضرب البنى التحتية العملياتية للمقاومة على طول الجدار، كمقدمة لإعادة المستوطنين إلى بيوتهم.
ووفقا لمصادر مقربة من المقاومة، يجد الجيش “الإسرائيلي” نفسه في المأزق مبكرا بعد اخفاقه في تحييد سلاح الصواريخ، فالمناورة البرية بدأت باخفاق كبير في الامتار الاولى لعبوره الحدود. فهو كان يضع ثلاثة سيناريوهات لم تعد عمليا قابلة للتنفيذ:
– الاول : كان يخطط الاقتراب من الجدار لتدمير البنى التحتية، وهي خطة مركزة ومحدودة بالمكان وبالزمان، قد تنتهي في غضون بضعة أسابيع.
– الثاني: المناورة حتى الليطاني لضرب البنى التحتية على مسافة أبعد عن الحدود.
– الثالث: المناورة شمال نهر الليطاني لتعميق الضربة لحزب الله وقدراته.
واليوم بات مضطرا لاعادة حساباته، بعدما اكتشف ان اقل الخطط خطورة لجهة تكبد الخسائر بدات بفضيحة مدوية قلبت الامور رأسا على عقب.
فهو كان يعتقد ان حزب الله يعاني من مشاكل في القيادة والسيطرة، تصعب عليه تنفيذ بعض من خططه العملياتية، لكن المفاجأة كانت مدوية بعدما نجحت المقاومة في ارسال اشارات مضللة، سمحت بنصب كمين سحقت فيها فرقة كاملة من 40 جنديا وضابطا، بعدما اوهمت قوات العدو بان المنطقة تم اخلاؤها من المقاومين، وجرى تسريب معلومات عبر اتصالات لاسلكية مضللة عن تخبط واحباط وانعدام التواصل مع القيادة المركزية، فاستدرجت القوة الى “فخ” الموت. اما المفاجآت الاخرى فستترك للميدان كما قال السيد الشهيد نصرالله.
انقلاب المشهد لا يرتبط فقط بالجبهة اللبنانية، فقد انتقل الجميع الى مربع آخر، وبات السؤال: هل اقتربت الحرب الشاملة؟ وهل نحن على ابواب المعركة الكبرى؟ فالصواريخ الايرانية ليلة الثلاثاء- الاربعاء غيّرت الاولويات ايضا. فقد ردت طهران على خداع واشنطن والدول الاوروبية، بعد ايهامها ان اتفاق وقف النار في غزة ولبنان في متناول اليد، شريطة ان لا ترد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران، برد غير مسبوق وغير متوقع في الزمان والمكان.
ووفقا لمصادر ديبلوماسية يعتقد الايرانيون ان اغتيال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بمثابة الضربة للامن القومي الايراني، ووجد النظام نفسه يواجه تهديدا وجوديا، ولم يعد هناك ما يخسره في ظل اتجاهات مجنونة في كيان العدو، لتغيير الشرق الاوسط من بوابة تحجيم الدور الايراني وضرب برنامجه النووي.
ووفقا لتلك المصادر، اتخذ القرار في طهران خلال اجتماع مغلق بين المرشد السيد علي خامنئي واعضاء مجلس الامن القومي، الذين استمعوا على مقاربة متماسكة خلاصتها ان طهران ملزمة بالرد، لان امنها القومي على المحك، واذا لم تؤدب «اسرائيل»فهي لن تتوانى عن توجيه ضربات الى ايران، بعدما بدأت تتلمس اشارات ضعف وتردد ادت في نهاية المطاف الى خسارة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهي الخسارة التي لا تعوض برأي السيد خامنئي، الذي اعتبر ان الاستهداف هو للنظام والدولة في طهران، فامر بردّ قاس وفاعل، والاستعداد لكافة الاحتمالات، بما فيها المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الاميركية اذا تجرأت على مساعدة “اسرائيل”عسكريا.
ووفق المصدر، فان السيد خامنئي شارك بفعالية بالخديعة الاستراتيجية التي تم التفاهم عليها في الاجتماع مع مجلس الامن القومي، ولهذا لم يصدر المرشد اي اشارة توحي بانه سيرد على اغتيال السيد نصرالله، والمح إلى أن هذا الأمر متروك لحزب الله ليختار كيفية الرد، وقال إن كل القوى في المقاومة تقف إلى جانب الحزب، واكتفى باعلان الحداد الرسمي لمدة 5 ايام. فيما سبق واصدر امرا علنيا بالرد والانتقام ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية.
وقد اتضح ليلة الثلاثاء، أن هذا التصريح كان مجرد خدعة أخرى تضاف الى الخداع الذي مارسته طهران بارسال اشارات لواشنطن ،بان الهجوم سيحصل بعد 12 ساعة بينما انطلقت الصواريخ بعد ساعتين من تسريب تلك المعلومة عبر سويسرا.
والامر الخطير، برأي تلك الاوساط، ان واشنطن المتواطئة في الحروب “الاسرائيلية”المتنقلة في المنطقة، لم تعد قادرة على التأثير في الاحداث، فبعد الهجوم الصاروخي الإيراني على “إسرائيل”في نيسان الماضي، حثت الإدارة الأميركية “إسرائيل”على ضبط النفس في ردها. لكن هذه المرة لن تتمكن الولايات المتحدة بمنع نتانياهو من الرد، على الرغم من محاولة بايدن الايحاء بان الهجوم فاشل، بينما شاهد العالم على الشاشات كيف انهارت منظومة الدفاع الجوي امام الصواريخ الايرانية، وانهار معها الردع “الاسرائيلي” الذي اعاد نتانياهو له الاعتبار، بعد الضربات الامنية ضد حزب الله واغتيال السيد نصرالله .
واليوم خسر نتنياهو كل شيء، ويحتاج الى الرد عاجلا لا آجلا، وسيكون من الصعب على واشنطن التأثيرعليه، لكنهم يحاولون الآن ابعاد البرنامج النووي عن الاستهداف، لانهم يعتقدون ان امرا مماثلا سيفجر حربا لا هوادة فيها، والامر الاخطر ان مسألة اتخاذ قرار الانتقال من دولة “الحافة” الى الدولة النووية في طهران، سيكون حتميا في صراع تعتقد ايران انه ايضا حرب وجودية، في ظل رعاية واشنطن للحرب “الاسرائيلية” للقضاء على حزب الله، بعد عام من الحرب المفتوحة على حركة حماس.
لكن من قال ان نتنياهو سيستمع الى النصيحة ، بعدما اعتبر الهجوم الايراني بمثابة اعلان حرب؟ وهو يسعى اصلا الى توريط الولايات المتحدة في الحرب، في ظل رئيس ضعيف تحول الى “بطة عرجاء”، وتقصّد اذلاله علنيا طوال العام المنصرم. اما المرشحة الديموقراطية كاميلا هاريس فهي ترتعد اليوم لان العنف المتصاعد في المنطقة سيقلل فرص فوزها، والحرب تعزز فرص عودة ترامب الى الرئاسة.
المنطقة “قاب قوسين “من الهاوية، الخديعة رد عليها بخديعة من طهران ومن العديسة ومارون الراس. استعاد محور المقاومة المبادرة “والكرة في ملعب” نتانياهو، الذي سيدفع قريبا ثمن غرور القوة، وسيتحول التبجّح الى كارثة.
ابراهيم ناصر الدين- الديار