لهذه الأسباب واشنطن غير مُتحمّسة ومستعجلة “لسلق” عملية انتخاب الرئيس!

على وقع تسجيل لبنان اعتراضه على الخروقات “الاسرائيلية” المستمرة، ورفض “تل ابيب” للاتهامات على لسان وزير خارجيتها، ومع تقدم المشهد السوري على ما عداه، وسط المخاوف من تأثير ذلك على الوضع اللبناني الهش، يستمر التعامل الحذر مع دعوة رئيس مجلس النواب لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، لم تحظ حتى الساعة بالاهتمام اللازم من قبل المعنيين، الذين لم يديروا محركاتهم بعد، في ظل ضبابية دولية بدأت مع الاجواء المسربة عن زيارة الموفد الفرنسي، وصولا الى الكلام المباشر الصادر عن الادارة الجمهورية الجديدة.

وسط هذا المشهد، برز الى الواجهة كلام مسعد بولس، بعيد تعيينه كبيرا لمستشاري الرئيس ترامب للشؤون العربية والشرق اوسطية، تقصد في اول اطلالة له، بصفته الرسمية، ايصال سلسلة من الرسائل الى المعنيين بالملف اللبناني، داخل لبنان وخارجه، عشية عودة الجمهوريين للادارة الاميركية، ما اثار موجة من التساؤلات والتفسيرات حول الاهداف والاهم المقصود، واذا كانت الولايات المتحدة “بوجهها الجمهوري” غير مستعجلة “لسلق” عملية انتخاب رئيس للجمهورية لمدة ستة سنوات قادمة.

مصادر مقربة من الفريق الاميركي، اكدت ان بولس اختار بعناية كلماته التي صاغ بها رسالته، والتي تحمل كل منها معنى واضحا لا لبس فيه، مختصرا بجملة واحدة مسار ومصير جلسة التاسع من كانون الثاني، “لتمرير استحقاقها بشكل متسرع، لفرض تسوية معينة على قياس فترة يفترض انها لم تعد قائمة”.

واشارت المصادر الى ان موقف بولس يعبر عن رؤية الادارة الجديدة للبنان الغد، انطلاقا من سلسلة معطيات، سبق وتبلغتها جهات معارضة في بيروت، وهو ما ترجمته برودة في ردة فعلها تجاه الموعد المحدد، والذي انعكس برودة ان لم يكن شبه غياب لاي حركة سياسية مرتبطة بملف الانتخابات الرئاسية، الذي انتقل بحكم الامر الواقع الى مرحلة جديدة.

وفي هذا الاطار عددت المصادر ابرز الاسباب التي تقف في خلفية قرار الفريق الجمهوري، وهي:

– ان تطبيق اتفاق “الترتيبات الامنية” الحالي والانتقال الى المرحلة الثانية من “التسوية” البعيدة المدى، مرتبطة بهوية رئيس الجمهورية القادم وشبكة العلاقات الدولية التي سيسعى لاقامتها والتموضع من ضمنها، ذلك ان الحرب المدمرة التي شهدها لبنان، لا بد ان تترك آثارها على التوازنات السياسية والاوضاع الداخلية.

– ارتباط بما تقدم، فان الادارة ترى ان التطورات الاقليمية الحاصلة، سواء على صعيد الملف الفلسطيني او المستجدات السورية، قد تطيح بوقف اطلاق النار الهش اساسا، فصحيح ان الادارتين اتفقتا على تسوية انما مؤقتة وليست نهائية.

– القرار الاميركي منذ “ثورة 17 تشرين”، بضرورة احداث تغيير داخلي جذري يقلب الطاولة، وهو ما عكسته “اللجنة الخماسية” في بيانها الشهير بعد اجتماعها في عوكر، بمشاركة السفيرة دوروثي شاي، والذي وضع ملامح “السلطة اللبنانية الجديدة” التي لم تنضج بعد طبخة استلامها، ذلك ان اي استيلاد او استنساخ للطبقة الحالية بوجوه جديدة، لن تكون صالحة.

– الاختلاف القائم مع الادارة الفرنسية التي تحاول تقاسم النفوذ مع واشنطن، من خلال “تحالف” فرنسي – شيعي، عنوانه سياسي – اقتصادي، نسجته باريس بعد تفجير مرفأ بيروت، وعززته خلال الفترة المنصرمة بشكل كبير، وتحاول اليوم استثماره في السياسة من خلال طرح مرشح لها، تدرك جيدا استحالة تمريره. وفي هذا الاطار، ثمة حديث عن ان الرئيس الفرنسي سيحاول خلال استقباله للبطريرك الماروني على هامش دعوته لباريس، ازالة اللبس اللاحق بعلاقة الام الحنون بالمسيحيين، والتي تمر باسوأ حالاتها، منذ فترة.

– المفاوضات الضبابية مع طهران، والتي حتى الساعة لم تحرز اي تقدم، في ظل انتهاء صلاحية الاتفاقات السابقة وغير مطابقتها للمواصفات، فصحيح ان ترامب لا يريد الحرب وهو رجل سلام ، انما انطلاقا من رؤيته ونظرته لهذا السلام، وبالتالي فان الادارة الجديدة لن تكون مستعدة لتمرير شراكة اميركية ـ ايرانية في لبنان.

وعليه، هل جاء القرار الاميركي لصالح المعارضة ام الطبقة الحاكمة؟ الشهر القادم كفيل بتبيان الخيط الابيض من الاسود.

ميشال نصر- الديار

مقالات ذات صلة