هل ينجح العراق في استعادة مكانته خليجياً؟
تنظّم محافظة البصرة الغنيّة بالنفط، بطولة خليجي 25 لكرة القدم من 6 -19 كانون الأول/يناير الجاري بهدف تعزيز مكانة العراق خليجياً وإقليمياً، ولفت انتباه الحكومة الاتحادية إلى هذه المدينة التي تعدّ الشريان الاقتصادي للعراق، وأبرز الأبواب المالية الرافدة للموازنة المالية الاتحادية، غير إنها تعاني منذ عام 2003 نقصاً حاداً في الخدمات، أسوة ببقية المدن العراقية الأخرى.
وتتجه أنظار العراقيين ودول الخليج إلى العراق بشكلٍ عام ومحافظة البصرة على وجه الخصوص، منذ الأسبوع الماضي، لإثبات مدى قدرة الحكومتين الاتحادية والمحلية، فضلاً عن المؤسسات الحكومية الأخرى، في إنجاح البطولة، خصوصاً وإنها تأتي على إثر مونديال كأس العالم المقام في قطر الشهر الماضي، والذي امتاز بإدارة مُثلى للبطولة.
ويعدّ الملف الأمني أبرز العقبات التي تعترض طريق افتتاح البصرة “خصوصاً والعراق عموماً” على المحيط الخليجي والإقليمي والدولي، رغم الاستقرار الأمني الملحوظ في المدينة، وانحسار المواجهات العشائرية المسلحة- تجد صدى واسعة في البصرة.
وقبل انطلاق بطولة خليجي 25 بعدّة أيام، ظهرت البصرة بمنظر جديد. وفود خليجية تتجول في مرافق المدينة، وتشيد بما وجدوه من كرم أهلها، حسبما وثقته مقاطع فيديو وصور انتشرت على منصّات التواصل الاجتماعي.
ووجد العراقيون في مدينة البصرة متنفّساً جديداً لإمضاء نحو أسبوعين حتى نهاية البطولة الكروية.
وسام كاظم (37 عاماً) يعمل موظفاً حكومياً، يقول إن “مدينة البصرة تحوّلت إلى مقصد سياحي يزوره العراقيون الذين غالباً ما يقصدون العاصمة الاتحادية بغداد، وإقليم كردستان العراق، لقضاء المناسبات والعطل الرسمية” ويضيف لـ”القدس العربي” إن “غالبية الشعب العراقي يتوافدون إلى البصرة لحضور البطولة. المدينة تحولت إلى منطقة سياحية جذبت كلّ العراقيين”.
وطبقاً لكاظم المتواجد في البصرة منذ 4 أيام فإنه شاهد مواطنين ينحدرون من جميع محافظات العراق في البصرة، قائلاً: “هنا يتواجد عراقيون من دهوك والموصل وبغداد وكربلاء والأنبار وجميع محافظات العراق” معتبراً إن “البصرة تحوّلت إلى نقطة التقاء بين العراقيين وأقربائهم المقيمين في دول الخليج. هذا أجمل ما في البطولة”.
أما (أبو ميران) القادم من مدينة الموصل- أقصى شمال العراق- إلى البصرة، فتحدث عن حفاوة استقبال البصريين الوفود القادمة إلى مدينتهم لحضور بطولة خليجي 25 مؤكداً إنه منذّ وصوله المدينة لم يُنّفق أيّة مبالغ قائلاً: “أهل البصرة لا يسمحون لنا بشراء الطعام أو الإقامة في الفنادق. هم يقدمون لنا كل شيء”.
ويذكر الموظف في إحدى الشركات التكنولوجية المحلّية- 35 عاماً- لـ”القدس العربي” إن “هناك انسيابية في تنقل الوفود العراقية والعربية داخل مدينة البصرة” لافتاً إلى “وجود تقدّم في مشاريع البُنى التحتية، بالإضافة إلى فخامة الملاعب. لم أكن أتوقع ذلك رغم أن أهل البصرة يستحقون أكثر من ذلك”.
ورأى إن البطولة من شأنها “إنعاش واقع البصرة اقتصادياً وثقافياً، ونقل صورة مغايرة لمشاهد الحرب والدمار. الواقع على الأرض ليس كما يُصوّر”.
ويعوّل البصريون خصوصاً والعراقيون عموماً، على نجاح البطولة بُغية لفت الأنظار الخليجية إلى العراق والبصرة، وتغيير الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي، فـ”البصرة قبل الخليجي ستختلف عما قبله” حسب المحلل السياسي العراقي علي البيدر.
ويقول لـ”القدس العربي” إن “الرياضة وثقافة والفن والأدب كلها أمور بدأت تستخدم من قبل الدول والحكومات والأنظمة كقوة تعد أكبر من القوة الناعمة التي تستخدم عادة لتحقيق أهداف الأنظمة العالمية” لافتاً إلى إن “البطولة بددت الصورة السلبية ومخاوف الدول الخليجية من اسم العراق، فعندما وصلوا إلى البلد وجدوه مختلفا هذا الأمر سيغير الكثير من القناعات”.
ورأى إن “نجاح العراق في تنظيم البطولة سيدفع إلى واقع عربي جديد، وإعادة النظر بالكثير من المواقف المتخذة ازاء العراق، والمتعلقة بالشأنين الاقتصادي والسياسي، الأمر الذي ينعكس على طبيعة العلاقات العراقية الخليجية. على حكومة السوداني استثمار ذلك”.
لكن في مقابل ذلك، أوضح البيدر أن “هناك مواقف سياسية عراقية قد تغيرت من المواقف الخليجية، والتي كانت تذهب باتجاه سياسة المحاور والأقطاب لكنها اليوم بدأت تفكر جديا بمصلحتها السياسية ومصلحة البلاد، والعمل على تعزيز وجودها في السلطة”.
وأكد أن “محافظة البصرة ستكون مختلفة ما بعد بطوله كأس الخليج. سوف نشهد تغييرا على مستوى الوعي المجتمعي، بالإضافة إلى التفاتات حكومية وسياسية إلى المدينة”.
وختم المحلل السياسي العراقي بالقول: “البصرة اليوم انتقلت من المحلية إلى الحضور الإقليمي. الأضواء جميعها مسلطة على البصرة الأمر الذي من شأنه ان يحدث تغييرا على المستويين الأمني والاقتصادي وحتى المجتمعي في داخل المدينة، خصوصا اننا لاحظنا وجود دور إيجابي لشيوخ العشائر في تخفيف حدة الأجواء في الأيام الأخيرة التي سبقت البطولة وفي التعامل معها بطريقه مختلفة”.
في الشأن ذاته، كشف أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، تكلفة إقامة خليجي 25 في محافظة البصرة، مؤكدا أن البطولة ستؤثر إيجابيا على البلاد أفضل من كل موازنات هيئات الاستثمار منذ عام 2006.
وقال المرسومي في “تدوينة” بعنوان “الاستثمار في الرياضة” إن “كلفة اقامة خليجي 25 في البصرة تبلغ 33 مليون دولار، لكنها ستؤثر إيجابيا على حركة التجارة والاستثمار بين العراق والدول الخليجية بصورة أفضل من كل الموازنات الضخمة التي صرفت على هيئات الاستثمار المحلية والوطنية منذ عام 2006″.
وتعيش مدينة البصرة المعروفة بثرواتها النفطية ودفعها فواتير الحروب، مظاهر وكرنفالات اجتماعية وتراثية غير مسبوقة، تزامناً مع الحدث الكروي، حيث يعود إليها أبناء الخليج عقب سنوات طويلة، بعد أن حرمتهم حرب الخليج الثانية التي تلت غزو الكويت من قبل النظام العراقي السابق. وتقع البصرة في أقصى جنوب البلاد على رأس الخليج وكانت تعرف سابقا بـ”بندقية العراق” لكثرة الأنهار المتفرعة في المدينة، وهي بوابة دول الخليج مع العراق والمتاخمة لدولة الكويت.
وقال محافظ البصرة، أسعد العيداني، في تصريح سابق، “لحظات تاريخية ستشهدها هذه المدينة وأبناؤها مجددا وهم يلتقون ويستقبلون أبناء دول الخليج العربي، بعد ما كانت في وقت سابق مدينتهم المفضلة للسياحة والتجارة، وملتقى لهم مع أبناء البصرة”.
اختير السندباد البحري الشخصية الأسطورية، من حكايات ألف ليلة وليلة الذي جاب البحار والمحيطات بتجارته منطلقا من البصرة، تعويذة لخليجي 25 التي تحكي قصص رحلاته البحرية السبع، وها هو يعود إلى المدينة برحلة ثامنة بصحبة شقيقاته السبع، في إشارة إلى منتخبات الدول السبع المشاركة.
وكانت التوترات السياسية والحروب العسكرية التي أدخلت المنطقة في تلك الأجواء إثر غزو العراق لدولة الكويت عام 1990 أقصت العراق من بطولة كاس الخليج بعد ما كان واحدا من أركانها التنافسية التقليدية. وفي سجل مشاركاته التي استهلها أول مرة عام 1976 خلال الدورة الرابعة في قطر ثلاثة ألقاب.
وبعد أربعة عشر عاما من العزلة والإبعاد، عاد العراق إلى فلك البطولة في الدوحة 2004. واتخذت الأجهزة الحكومية تسهيلات متعلقة بدخول مشجعي المنتخبات عبر المنفذ الحدودي بسهولة حيث تمنح تأشيرات مجانية لهم.
كما تشهد البصرة إجراءات أمنية مشددة وتدابير احترازية أقدمت عليها قيادة العمليات العسكرية في المدينة بالتنسيق مع وزارة الداخلية، تهدف تأمين مقرات إقامة الوفود المشاركة في البطولة والمراكز العامة ومناطق المشجعين.
القدس العربي