كواليس نيويورك: هي “ساعات حاسمة”…التسوية عالقة عند “ربط المسارَيْن”
لا شي بعد إعلان البيان الفرنسي الأميركي المشترك يوحي بأيّ تطوّر باتجاه وقف إطلاق النار في جنوب لبنان. فبعد ساعات من الاجتماعات المكثّفة في أروقة الأمم المتحدة صدر بيان تحدّث عن هدنة مدّتها 21 يوماً، إفساحاً في المجال أمام المساعي الدبلوماسية للتوصّل إلى وقف إطلاق النار.
على الرغم من أنّ البيان تحدّث عن القرار 1701 والقرار 2735 المتعلّق بوقف إطلاق النار في غزة، إلا أنّ الغموض لا يزال متقدّماً على كيفية ربط المسارين كما يريد الحزب.
أمّا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فهو، فور وصوله إلى نيويورك، قال إنّ الحرب مستمرة إلى أن يعود سكان المستوطنات إلى الشمال. بدا ذلك إشارة واضحة إلى أنّ تل أبيب ستستمر بحربها طالما لم تحقق هذا الهدف. لكنّ الأهم هو ما يدور في أروقة نيويورك، ومفاده أنّ من يعرف نتانياهو جيداً يعرف أنه لن يقبل بوحدة المسارين بين جنوب لبنان وغزّة. وقبل كلمته في الجمعية العمومية، غرّد نتانياهو على منصة “إكس” قائلاً: “سنتحدث بالأفعال”، مرفقاً كلامه بصورة طائرة حربية.
هي “ساعات حاسمة”، كما وصفها رئيس مجلس النواب نبيه بري في آخر حديث له إلى جريدة “الشرق الأوسط”. ساعات تفصلنا عن الوصول إلى وقف إطلاق نار أو استمرار حرب دامية في جنوب لبنان. حرب لن يتوقّف فيها بنيامين نتنياهو عن التصويب على أيّ من مئات الأهداف التي سبق أن وضعها على لائحته.
إلا أنّ ما قاله بري، بحسب معلومات “أساس”، لم يتلقّفه الحزب برحابة صدر. فالحزب على الرغم من كلّ غارات إسرائيل العنيفة على لبنان، ظلّ متمسّكاً بموقف “ربط المسارات”. ولم يقبل بالخروج من الحرب “منكسراً”، على ما يقول قريبون منه. وأيّ خروج من دون وقف إطلاق نار في غزة سيعتبر “هزيمة” للحزب ومنطقه والأسس التي ربط بها حرب “الإسناد” بلبنان. وعليه، يبقى جواب لبنان ضبابيّاً على المقترح الفرنسي الأميركي، وسط تباين في الآراء بين الثنائي الشيعي نفسه بدأ يظهر إلى العلن.
الحزب ليس مقتنعاً بعد
ينصح الرئيس برّي، بحسب المعلومات، الحزب بالذهاب إلى تسوية تؤدّي إلى تطبيق القرار 1701 من الجهتين، على أن يكون ذلك مترافقاً مع مسار آخر مقبل على غزّة، وفيه بطبيعة الحال مفاوضات للوصول إلى حلّ سياسي في القطاع.
في المعلومات أيضاً أنّ الرئيس برّي لم ينجح بعد في إقناع الحزب بالذهاب إلى هدنة للبناء عليها في مفاوضات لاحقة. لذلك سارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى نفي توقيعه على المقترح بعد إعلان وكالة “أسوشيتد برس” أنّه وقّع بحضور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين.
في حين قالت مصادر مطّلعة إنّ الرئيس ميقاتي “لم يركب الطائرة المتوجّهة إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أن يحصل على ضوء أخضر أميركي مفاده الرغبة في التوصّل إلى تسوية”.
مبادرات دبلوماسيّة مختلفة
وسط هذا الغموض اللبناني، تترقّب مصادر دبلوماسية الردّ الإسرائيلي أيضاً. فبعد الكلام عن ضوء أخضر أعطاه نتنياهو للمضيّ قدماً في الهدنة، سارع إلى النفي تاركاً الصوت الأعلى “للميدان”، فشنّت قوّاته أعنف الغارات ليلاً على البقاع. واستكملها بغارات صباحية في الجنوب ومناطق مختلفة، وصولاً إلى اغتيال في ضاحية بيروت الجنوبية استهدف “مسؤول المسيّرات في الحزب”، بحسب العدوّ الإسرائيلي.
قالت مصادر دبلوماسية غربية إنّ الجديد هو اتصالات مستمرّة للوصول إلى هدنة. لكن لا يمكن القول إنّها أصبحت مؤكّدة على الرغم من بعض المؤشّرات الإيجابية إلى اقتراب التأكيد عليها.
أضافت المصادر أنّ وجود رئيس إيران مسعود بزشكيان في نيويورك أحد المؤشّرات الإيجابية، لا سيما مع أحاديثه “التهدويّة” من هناك.
من جهته، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزشكيان وناقش معه ملفّات عدّة أبرزها ملفّا غزة ولبنان، فباريس تلعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران في نيويورك.
في المقابل، أعلنت باريس استعدادها لإرسال وزير خارجيّتها موفداً إلى لبنان الأحد المقبل لاستكمال العمل على مسعى خفض التصعيد بدءاً بهدنة وصولاً إلى وقف إطلاق نار واتّفاق.
قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ ما يشجّع الحزب على القبول هو توازي مسار لبنان مع مسار غزة، بمعنى أنّ الهدنة ستلحقها هدنة والمفاوضات على الحلّ السياسي ستلحقها مثلها أيضاً.
دفع عربيّ باتّجاه الحلّ
لا تسعى القوى الغربية وحدها إلى التوصّل إلى اتفاق على القرار، بل الدول العربية أيضاً، ومساعي الهدنة الصادرة عن الجلسة الطارئة التي دعت فرنسا إليها في مجلس الأمن، واكبتها المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات وقطر.
لكنّ اللافت هو كلام المتحدّث باسم الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري الذي قال: “لا علم لنا بوجود ارتباط مباشر بين مقترح وقف إطلاق النار في لبنان ووقف إطلاق النار في غزة”.
بانتظار جلاء كلّ هذا الغموض عن الأجواء المحيطة بكواليس نيويورك، قد تحمل الساعات المقبلة معها هدنة تؤسّس لنهاية الحرب، أو قد تحمل معها تأكيداً إسرائيلياً لرفضها ربط مسار لبنان بغزة، وتأكيداً من الحزب لربط المسارين.
بالانتظار، قال الوزير الإسرائيلي بن غفير لنتنياهو إنّ “الأمر الأكثر أساسية وقرباً للفهم هو أنّه عندما يكون عدوّك على ركبتيه، فلا تسمح له بالتعافي، بل عليك أن تعمل على هزيمته”.
في المقابل، يصدر كلام في إسرائيل ينبّه إلى عدم استخدام الحزب حتى الساعة سوى القليل من إمكانيّاته لحسابات خاصة به. فماذا لو قرّر استخدامها؟ أين ستذهب الأمور في الجهتين؟
جوزفين ديب- اساس