الحزب يدفع ثمن تدخّلات سوريا…وانقلابات لبنان: هوّة لا يمكن ردمها بسهولة!
حساب شعبيّ مفتوح مع الحزب يتعامل معه بالاستعلاء حيناً وبالتخوين حيناً آخر
في غضون أيام معدودة، تلقّى الحزب ضربتين قاسيتين جداً: “إعصار البيجر”، والغارة التي أودت بحياة عدد من أبرز نخبه العسكرية. وعلى الرغم من إقراره بقساوة الضربة الأولى في اعتراف نادر، إلا أنّه سعى عبر سرديته الإعلامية، وخطاب أمينه العامّ، إلى التركيز على معاناة سكّان شمال فلسطين المحتلّة كورقة تفاوضية، وعلى تظهير إجماع وطني داخلي كان يفتقده منذ اتّخاذه منفرداً قرار الدخول على خطّ الحرب. والحال أنّ التضامن الشعبي إثر مصاب إعصار “البيجر” والصدمة الهائلة التي أحدثها لا يعدو كونه عملاً أخلاقياً لا يمكن تصريفه سياسياً أو وطنياً… هذا لأنّ الحزب يدفع، أمنياً وشعبياً وسياسياً، ثمن تدخّلاته في الحرب السورية، وانقلاباته في لبنان.
حاول الحزب، بما عرف عنه من خبرة في السبك الإعلامي، الاتّكاء على مشهدية إقبال العديد من السنّة في الطريق الجديدة وطرابلس وعكار على التبرّع بالدم بعد مجزرة “البيجر” يومَي الثلاثاء والأربعاء في 17 و18 أيلول الجاري، من أجل الترويج لحصوله على غطاء سنّي في حربه الأخيرة. فيما ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بنقاشات حامية بين السنّة حول لاأخلاقية الشماتة بالحزب، خصوصاً بعدما قام العديد من الناشطين بنشر موادّ تذكّر بمآثره بحقّ السنّة في لبنان وسوريا، وحتى في العراق.
كانت نقاشات الشارع والمقاهي أكثر ضراوة وقسوة من حماوة منصّات التواصل الاجتماعي. في حين غابت عنها بشكل شبه تامّ فكرة دعم الحزب في الحرب التي يخوضها ضدّ الآلة الإسرائيلية.
ما بين حرب تموز 2006 والحرب الحالية حصل الكثير من المتغيّرات: من اعتصام وسط بيروت الذي تُوّج بغزوة 7 أيار، مروراً بانقلاب القمصان السود، وصولاً إلى المحكمة الدولية من أجل التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، من دون إغفال استخدام المحكمة العسكرية أداة انتقامية بحقّ السنّة وتبنّي خطاب مذهبي راديكالي.
بيد أنّ المتغيّر الأبرز يبقى دخول الحزب سوريا الذي حفر بعمق في الوجدان السنّي وأوقد خطاب كراهية متبادلاً. كلّ ذلك أحدث هوّة لا يمكن ردمها بسهولة. على الرغم من نجاح الحزب في قطع خطوات في المصالحة المعنوية مع السنّة عبر حماس والجماعة الإسلامية إلا أنّ ردّة فعل الشارع السنّي إزاء ما حصل في الأيام الأخيرة تكشف أنّ شريحة واسعة لا تزال ترى في الحزب عدوّاً، وتعتبر إيران وإسرائيل وجهين لعملة واحدة.
أحدث الأمثلة على ذلك ما حصل خلال إحدى خطب الجمعة في مدينة الميناء توأم طرابلس لرجل دين وأستاذ جامعي يتميّز بعلمه ورصانته، إذ ما كاد يتحدّث عن ضرورة الوحدة في مثل هذه الظروف ويذكر اسم الحزب، حتى خرجت من بين المصلّين أصوات معترضة مع أنّ المسجد لا يحمل هويّة أيديولوجية أو فقهية معيّنة. كذلك على التواصل الاجتماعي رداً على البيان الذي صدر باسم الرئيس سعد الحريري والذي دعا فيه إلى الوحدة الوطنية.
ينسحب حال الشارع السنّي على المسيحيين وإن بدرجات وأشكال متباينة. وحتى عند الدروز وإلّا ما كان من داعٍ لمهرجان المصالحة في الشويفات بالذات. يثبت كلّ ذلك أنّ ثمّة حساباً شعبيّاً مفتوحاً مع الحزب يتعامل معه بالاستعلاء حيناً وبالتخوين حيناً آخر.
الدولة المُستضعَفة
لطالما نُصح الحزب من مرجعيات لبنانية ودبلوماسيين غير لبنانيين بترك مسافة “آمنة” بينه وبين الدولة. لكنّه تجاهل كلّ هذه الدعوات، وأمعن في السيطرة على قرار الدولة وتجريدها من فعّاليتها وأصدقائها التاريخيين، ولا سيما غداة انغماسه في الحرب السورية، التي جعلته يعتبر نفسه أكبر من الدولة، وشريكاً في المعادلات الإقليمية. ما حصل في الأيام الماضية أثبت مدى حاجة الحزب إلى الدولة ومؤسّساتها ودبلوماسيّتها، لكنّ سياسة الاستقواء على الدولة التي مارسها أنتجت حكومة عاجزة عن القيام بأيّ دور سياسي أو دبلوماسي، ما خلا دور “صندوق البريد” مع الموفدين الدوليين، إلى درجة جعلت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يلغي سفره إلى نيويورك لعدم قدرة حكومته على إنتاج ولو صورة يمكن الترويج لها.
بيد أنّ نجاح الدبلوماسية اللبنانية آنذاك ما كان ممكناً لولا الدعم العربي الكبير الذي نجحت الحكومة في نسج خيوطه. حينذاك حضر وزراء الخارجية العرب إلى السراي الحكومي للتضامن مع لبنان، وتشكّلت مجموعة دبلوماسية عربية لدعم جهود لبنان في أروقة الأمم المتحدة، ضمّت وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، ووزير خارجية قطر حمد بن جاسم، وكانت قطر تمثّل العرب في مجلس الأمن ضمن الأعضاء العشر غير الدائمين، والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى.
لم يمنع هذا الحزب من القيام بالانقضاض على حكومة الرئيس السنيورة في 7 أيار 2008 لحماية شبكة اتصالاته الخاصة، واتّهامها بالأمركة والصهينة، في حين أنّ مجريات الحرب الحالية أثبتت أنّ إسرائيل تعرف عن الحزب ما يجهله الكثير من مقاتليه وقياداته.
اليوم أوصلتنا هيمنة الحزب على قرار الدولة إلى عدم صدور إدانة أو استنكار من الدول العربية، بما في ذلك سوريا التي دخلها الحزب لحماية نظامها فكشف أوراقه وأسراره العسكرية والأمنيّة أمام إسرائيل وأتاح لها الوصول إلى كبار القيادات والرموز، وهو ما كانت تعجز عنه سابقاً. فضلاً عن أنّ داتا المخابرات الغربية وأولها الأميركية صارت بعهدة الأجهزة الإسرائيلية المعنية…
إذاً الحزب يدفع فاتورة الحرب السورية، أمنيّاً على مستوى الانكشاف، وسياسياً وشعبياً بين السنّة. ويدفع في لبنان فاتورة انقلاباته العسكرية والأمنيّة، فيجد نفسه وحيداً في الداخل والخارج بسبب قراراته وسلاحه الذي استخدمه لصناعة السياسة (أو تدميرها) في لبنان.
سامر زريق- اساس