إيران على مفترق طرق صعب:”فتحت مجموعة محادثة باسم الساحات ثم انسحبت منها!

دعم الحلفاء أو المناورة الدبلوماسية

“إيران فتحت مجموعة محادثة باسم الساحات ثم انسحبت منها!”… هذه النكتة يتداولها عدد كبير من المتفاعلين في وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً من بيئة “حزب الله”. تأتي النكتة في سياق تصاعد الهجمات على لبنان وارتفاع عدد الشهداء والجرحى في وقت قياسي مقارنةً بما شهده لبنان طوال سنوات الصراع مع العدو الإسرائيلي.

تصاعد الغضب تجاه الموقف الإيراني بعد تصريحات وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي أعلن الإثنين، استعداد بلاده لبدء محادثات نووية إذا أبدت الأطراف الأخرى رغبتها في ذلك. جاء هذا الإعلان بالتزامن مع الضربات الإسرائيلية المكثفة على “حزب الله”، الحليف الرئيسي لإيران.

وأشار عراقجي إلى أن إيران مستعدة للشروع في مفاوضات نووية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، شرط أن تكون هناك رغبة مماثلة من الأطراف الأخرى.

بالنظر إلى السياق، يتكرّر السيناريو نفسه الذي حدث بعد عملية “طوفان الأقصى”، عندما راهنت “حماس” والفصائل الفلسطينية المتحالفة مع إيران على تدخل إيراني في الهجوم على إسرائيل. في ذلك الوقت، أوضح وزير الخارجية الراحل، حسين أمير عبد اللهيان، أن إيران لا تسعى إلى الانجرار الى حرب شاملة مع إسرائيل، وشدد على أهمية ضبط النفس وتجنب تصعيد النزاع من قبل جميع الأطراف المعنية.

الجانب الأساسي الذي قد يغفله البعض عند تحليل الوضع هو أن الجمهور المؤيد للمقاومة، والذي يبدو اليوم مستاءً من الموقف الإيراني، ينظر إلى إيران بعاطفة، متصوراً أنها الدولة الحامية للمظلومين والمقهورين في أنحاء العالم، وأنها ستضحي بمصالحها السياسية من أجل حلفائها في لبنان أو سوريا أو العراق وغيرها.

لكن الواقع السياسي يختلف، فإيران دولة ذات مصالح استراتيجية، وتتعامل مع أذرعها العسكرية بناءً على ما تقدمه هذه الأذرع من فوائد تعزّز مصالحها الاقليمية. يجب أن يكون هذا واضحاً لمن يتوقع من إيران أن تحشد قواتها العسكرية للدفاع المباشر عن حلفائها.

من ناحية أخرى، تركز إيران على إصدار تصريحات تقدم الدعم المعنوي لحلفائها في لبنان، وهي تصريحات أصبحت مألوفة ومتكررة على مدار السنوات. تصاعدت تلك التصريحات بشكل ملحوظ خلال العام الحالي بالتزامن مع الحرب على غزة وتصاعد المواجهة على الجبهة الجنوبية اللبنانية، وتضمنت خطابات تهديد ووعيد.

وفي الوقت نفسه، تستغل إيران وسائل إعلامها وبعض المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي في الساحة اللبنانية لتعزيز هذا الخطاب. ورغم ذلك، لم تتمكن هذه الجهود من تهدئة حالة السخط والغضب المتنامي بين مؤيديها، وهو ما يتجلى في ردود الأفعال في وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعكس جزءاً مما يُناقش في المنازل والجلسات الخاصة.

تواجه إيران الآن مفترق طرق صعب، حيث تجد نفسها مضطرة للاختيار بين خيارين، كلاهما يحمل تحديات كبيرة. الخيار الأول يتطلب منها تقديم دعم فعلي وحاسم لأبرز حلفائها، وهو ما قد يؤدي إلى الانجرار نحو فخ نصبه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأمر الذي قد يجر إيران إلى مواجهة عسكرية مباشرة قد لا تكون مستعدة لها.

أما الخيار الثاني فيتمثل في مواصلة اتباع نهج المناورات السياسية والتصريحات الدبلوماسية، وهو ما قد يؤدي إلى تآكل سمعتها ومكانتها حتى بين حلفائها المقربين، الذين قد يشعرون بخيبة أمل إزاء غياب الدعم الإيراني الملموس.

ورغم أن هذا النهج قد يتيح لإيران تحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات في المستقبل، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر فقدان التأثير والثقة ربما ليس في المدى البعيد. فقد ينعكس ذلك في المستقبل القريب.

راغب ملي- المدن

مقالات ذات صلة