ضربات حزب الله.. “خرق عميق في دائرة نصرالله”

من وسام الطويل إلى فؤاد شكر وإبراهيم عقيل، استطاعت إسرائيل أن تقتل عددا مؤثرا من كبار قادة ميلشيا حزب الله اللبناني، ما يطرح العديد من التساؤلات بشأن وجود اختراقات أمنية كبرى داخل صفوف الحزب.

وكانت إسرائيل قد استهدفت، الجمعة، مبنى في الضاحية الجنوبية للعاصمة، بيروت، مما أدى لمقتل القيادي الميداني البارز، إبراهيم عقيل، الذي شغل مناصب عدة آخرها رئاسة المجلس العسكري خلفا، لفؤاد شكر، الذي كان قد لقي حتفه بغارة أخرى في 30 يونيو، في ضربة أمنية وصفت بـ”الأقسى” منذ اندلاع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في الثامن من أكتوبر الماضي.

وقد لقي القيادي، أحمد وهبي، المصير ذاته في نفس الغارة، في حين أشار موقع “أكسيوس” الأميركي إلى أن تلك الهجمة الإسرائيلية قد قضت على كل قيادات “قوة الرضوان” النخبوية في حزب الله، والذين قدر عددهم بعشرين شخصا كان يحضرون اجتماعا أمنيا هاما.

وفي حديثه إلى موقع “الحرة”، اعتبر المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي الكويتي، فهد الشليمي، أن مقتل ذلك العدد الكبير من قيادات حزب الله سواء في الغارات الجوية أو عبر واقعة تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي، يومي الثلاثاء والأربعاء، تشكل اختراقا أمنيا على أكبر مستوى.

وشدد على أن “موجة الاغتيالات” تشير إلى “وجود عناصر من الدائرة الأمنية والعملياتية في حزب الله يعملون كمصادر استخبارية عالية القيمة لدى مراكز الاستخبارات الإسرائيلية”.

ورأى أن إسرائيل قد “بدأت بتفكيك الهيكل التنظيمي القيادي والعسكري لحزب الله”، لافتا إلى “إمكانية مشاهدة كوادر أمنية خاصة من حزب الله قد تختفي من المشهد، حيث إنهم قد يكونون جواسيس يعملون لصالح إسرائيل”، على حد قوله.

واعتبر أن نجاح إسرائيل في العديد من عمليات الاستهداف والقتل تشير إلى وجود “اختراق واسع النطاق داخل الحرس الثوري الإيراني الداعم الرئيسي لحزب الله وداخل تلك الجماعة اللبنانية على المستويات البشرية والإلكترونية والسيبرانية”.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي الإسرائيلي، أيدي كوهين، في حديثه إلى موقع “الحرة” أن نجاح قوات بلاده في “اصطياد رؤوس كبيرة في الجناح المسلح لحزب الله يوضح مدى التفوق الاستخباراتي الذي تتمتع به إسرائيل”.

وأضاف: “إسرائيل لديها أجهزة استخبارات قوية وتعاون دولي، وبالتالي لا يمكن مقارنتها بجماعة إرهابية، ناهيك عن أن سمعة جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) معروفة على مستوى العالم رغم وجود بعض الإخفاقات القليلة”.

ونوه إلى أن “حزب الله لديه أعداء كثر في الداخل اللبناني، وبالتالي فإن لدى جهاز الموساد مئات إن يكن آلاف العملاء والجواسيس الذين يمدون إسرائيل بالكثير من المعلومات الاستخباراتية الهامة”.

وشدد على أن تواجد “تلك المنظمة الإرهابية في مناطق صغيرة ومعروفة في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت يسهل من عمليات رصدهم والقضاء عليهم”.

“خرق كبير وعميق”

من جهته، رأى الخبير العسكري والاستراتيجي السوري، أحمد رحال، في اتصال هاتفي مع “موقع الحرة” أن: “خسارة القادة الكبار في (حزب إيران) في لبنان مرده إلى وجود خروقات أمنية كبيرة وعميقة على مستوى الدائرة الضيقة لزعيم تلك الميليشيات، حسن نصر الله”.

وتابع: “حسب المعلومات التي لدي فإن هناك نحو 64 قائدا من النسق الأول والنسق الثاني والثالث قد لقوا حتفهم في تلك الضربات الدقيقة”.

ونوه رحال إلى أن “حسن نصر الله اعترف بذلك عندما قال في خطابه الأخير إنهم سوف يحتفظون بطريقة الرد وسيناريو الرد (لأنفسنا) قبل أن يعقب بجملة (وبعض من أنفسنا) أي أنه بات يشك بالدائرة المحيطة به”.

وتابع: “الاستهدافات التي قضت على قادة كبار في الحرس الثوري الإيراني في سوريا ومقتل عدد من قادة حزب الله المهمين تمت بناء على معلومات من المفترض ألا يعرفها سوى عدد محدود جدا من المسؤولين الأمنيين في دمشق وطهران وحزب الله”.

وشدد رحال على “امتلاك تقنيات تجسس فائقة الدقة والذكاء لتكون كافية لتنفيذ تلك الضربات بدقة متناهية، وهنا اضرب مثالا على أن مقتل القيادي العسكري الكبير لحماس صالح العاروري في بيروت تم بعد انتهاء اجتماع له مع قيادات كبيرة بحزب الله”.

وزاد: “إسرائيل وقتها اعترفت أنها انتظرت عشر دقائق قبل قتل العاروري حتى تأكدت من خروج قيادات حزب الله من المكان الذي كان يتواجد فيه، بمعنى أنه جراء دقة المعلومات التي لديها لم تكن تريد سوى أن تقتل ذلك القيادي في حماس”، حسب تعبيره.

وفي نفس السياق، رأى المحلل العسكري السوري، العقيد المتقاعد إسماعيل أيوب، في حديثه إلى موقع “الحرة” أن “تفجيرات أجهزة البيجر بالإضافة إلى مقتل اثنين من كبار قادته، تؤكد أن تلك الميلشيات تعيش حالة من الفوضى والتخبط بسبب تلك الاختراقات الاستراتيجية الكبرى”.

ونوه إلى أن “الذين يحملون كانوا يحملون أجهزة البيجر المتفجرة هم من قادة الصف الأول والثاني في الحزب، وبالتالي فإن تلك الميليشيات قد تعرضت لضربة موجعة ومؤلمة الغاية”.

ولفت إلى أن تلك “الضربات سوف يكون لها تأثير مباشر ونوعي على عمليات الحزب على المستوى المباشر، لأن الخطط السرية لتلك الميلشيات كانت موجودة في عقول وأدمغة أولئك القتلى”.

مخاوف من حرب شاملة

وفيما إذا كانت تلك الضربات المؤثرة لقيادات حزب الله سوف تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة، أجاب كوهين: “ليس لدى إسرائيل أي مخاوف بشأن حدوث تلك الحرب على الجبهة الشمالية للبلاد، بل يمكن أن القول أن الحكومة في إسرائيل هي من قد تسعى لتلك الحرب”.

وكان قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، أوري غوردين، قد بدأ في الآونة الأخيرة ممارسة “ضغوط” على القادة من أجل الموافقة على تنفيذ هجوم بري جنوبي لبنان، يهدف إلى إنشاء “منطقة عازلة”، في ظل الاشتباكات المتواصلة منذ نحو عام مع الحزب المدعوم من إيران، وفق ما ذكرت تقارير إسرائيلية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية والقناة 13 العبرية، أن غوردين “يضغط على صناع القرار لبدء توغل واسع في لبنان”، في حين أعرب وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، عن شكوكهما بشأن شن حرب ضد حزب الله.

وأشارت التقارير إلى أن غالانت “يعتقد أن الوقت الحالي ليس هو المناسب لهذا التحرك”، ويرغب في إعطاء “فرصة لجهود تحقيق حل دبلوماسي” في الشمال، واتفاق وقف إطلاق النار وتحرير المختطفين في غزة.

لكن على الرغم من ذلك، قال وزير الدفاع في حديث خلال لقاء جمعه بالمبعوث الأميركي، آموس هوكستين، إن إمكانية الحل الدبلوماسي للوضع على الحدود الشمالية “انتهت”، معتبرا أن سبب ذلك يعود إلى “استمرار حزب الله في ربط نفسه بحماس، ورفضه إنهاء الصراع”.

وأضاف غالانت: “الطريقة الوحيدة لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم، ستكون عبر عمل عسكري”.

وفي هذا الصدد أكد كوهين أن “المسألة لا تتعلق بالمخاوف، بل الجهوزية، والجيش الإسرائيلي استطاع أن يثبت جهوزيته وكفاءته على كافة الجبهات منذ أحداث السابع في أكتوبر”، وذلك بعد أن كانت حركة حماس قد شنت هجمات غير مسبوقة على جنوبي إسرائيل، مما أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردت إسرائيل بقصف مكثف وعمليات مما أدى إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة في قطاع غزة.

وفي نفس السياق رأى الخبير العسكري، إسماعيل أيوب، أن الغارات المكثفة على جنوب لبنان في الآونة الأخيرة توحي بأن إسرائيل تستعد لـ”القيام باجتياح بري في الأيام القليلة القادمة على الأقل حتى الوصول إلى شمالي نهر الليطاني، لخلق ما يشبه منطقة عازلة”.

وأما الشيلمي، فرأى في حديثه إلى موقع “الحرة” أن” ميلشيات حزب الله في الوقت الحالي تعيش أضعف لحظاتها، ومع ذلك لا أعتقد أن إسرائيل سوف تقدم على عملية برية عسكرية واسعة النطاق في لبنان”.

وأضاف “ما الفائدة التي سوف تعود على إسرائيل جراء السيطرة على أراض ومواقع في لبنان، ومع ذلك قد يلجأ جيشها إلى تكتيك (أبحث عن الأنفاق وجدها ثم دمرها)”.

ووصل الشليمي إلى أن “إسرائيل استطاعت في جميع الأحوال أن توجه ضربات مؤلمة ومؤثرة لميلشيات حزب الله بعد أن قضت على أعداد كبيرة من قياداته الميدانية المهمة”.

وفي نفس المنحى اعتبر الخبير العسكري، أحمد رحال أن “القضاء على تلك القيادات سوف يؤثر كثيرا على قدرات حزب الله العسكرية واللوجستية، فبعض هؤلاء الأشخاص من مؤسسي الحزب ولديهم خبرات كبيرة تراكمت على مدى عقود طويلة وليس من السهل تعويضها”.

وفي المقابل اعتبر أيوب أن “حزب الله قادر على المدى البعيد أن يعوض تلك القيادات لأنه يتملك تراتبية عسكرية، وبالتالي فإن هناك الكثير من عناصر يتلقون تدريبات على مستوى عال يوفرها لهم الحرس الثوري الإيراني بشكل دائم، وعليه يمكن أن نشهد لاحقا ظهور قيادات جديدة، ولكن ليس في القريب العاجل”.

وأما رحال فاعتبر أن إيران ونظام الرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله “لا يهتمون بالخسائر البشرية مهما كانت فادحة، وبالتالي قد يغامرون بعمل عسكري، ولكن لن يكون له أي نتائج فعلية لأن 80 بالمئة من حروبهم هي مجرد فقاعات إعلامية”.

من جانبه، أكد كوهين أن “حزب الله وطهران لن يغامرا بأي حرب ضد إسرائيل لأنهم يعرفون مدى فداحة الأثمان التي سوف يتم دفعها”.

وختم بالقول: “وهنا أحب أن أنوه إلى بعض الدول العربية قد ضخمت جدا من أسطورة إيران وقدراتها العسكرية، وفي الحقيقة هي لا تملك سلاح طيران متقدم، والذي بدونه لا يمكن كسب الحرب”، وفقا لكلامه.

الحرة

مقالات ذات صلة