لا حرب… ولا سقف لقواعد الاشتباك: إسرائيل كَسَرت كلّ المحرّمات في الحروب!

بعد 24 ساعة بالتمام والكمال ردّ العدو الإسرائيلي على الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله الذي رفع السقف عالياً في خطابه الأول بعد مجزرتّي 17 و 18 أيلول، وكأنّ ضربة “النداء القاتل” الكبيرة والقاسية وغير المسبوقة في تاريخ الصراع مع العدوّ وتاريخ الدول، كما وَصَفها، لم تصبه في الصميم.

فقد تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمر مجدداً من خلال شنّها غارة صاروخية أمس في عمق الضاحية الجنوبية استهدفت اجتماعاً لقياديين في الحزب على رأسهم قائد قوة الرضوان ابراهيم عقيل، فيما اشتعلت الجبهة الجنوبية على الحدود الشمالية مع إسرائيل حيث كثّف الحزب ضرباته لمراكز عسكرية استخباراتية.

حتى الآن يكشف مسار الاغتيالات بالمسيّرات لكوادر كبار في الحزب وتفجيرات الأجهزة اللاسلكية أو الضربة الصاروخية الموجعة في قلب الضاحية وسط الأحياء السكنية المكتظّة أنّ المواجهة مع العدو باتت مفتوحة على كل الاحتمالات ومن دون سقوف. على الضفّة الرسمية كانت حكومة نجيب ميقاتي تخوض معركة دبلوماسية لإدانة إسرائيل دولياً في مجلس الأمن وتفتح قنوات تواصل مع عواصم القرار لردع إسرائيل عن “مشروع” الحرب المفتوحة مع الحزب.

في خطابه بعد مجزرتَي 17 و18 أيلول رَفَعَ الأمين العامّ للحزب السقف عالياً بوجه العدوّ الإسرائيلي وكأنّ ضربة “النداء القاتل” الكبيرة والقاسية وغير المسبوقة في تاريخ الصراع مع العدوّ وتاريخ الدول، كما وَصَفها، لم تصبه في الصميم: حرب إسناد غزة مستمرّة مهما كان الثمن، لا عودة لسكّان مستوطنات الشمال قبل وقف إطلاق النار في غزة، “وترحيب” بالاجتياح البرّي باعتباره “فرصة يتمنّاها المقاومون لتحويل الشريط الحدودي إلى مستنقع وجهنّم”، مع تهديد بـ “حسابٍ عسير”. لكن ردّ العدو الإسرائيلي السريع بـ “اجتياح” الضاحية صاروخياً وإكمال مهمّته بتصفية قادة الحزب رفع منسوب المواجهة إلى حدّها الأقصى وسلّط الأضواء أكثر على توقيت ردّ الحزب وحجمه.

يقود هذا المشهد إلى خلاصات على ثلاثة مستويات:

1- أمنيّاً: باتت الضاحية رسمياً ضمن بنك أهداف العدو الإسرائيلي وهذا ما سيفرض على الحزب مقاربة عسكرية مختلفة. لكن الأهمّ أنّ الضربة الصاروخية أمس كشفت مدى الخرق الأمني الإسرائيلي للدائرة الضيقّة لكوادر الحزب.

من جهة أخرى، يسير التحقيق في “جريمة العصر” المرتبطة بأجهزة اتصالات الحزب ضمن خطّين متوازيَين: استنابة من مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي لمدير مخابرات الجيش العميد طوني قهوجي ورئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود “من أجل جمع المعطيات الأمنيّة والفنّية بغية إجراء المقتضى القانوني في شأن هذه الأفعال الجرمية”، والتحقيق الداخلي الذي يجريه الحزب والذي كشف السيّد نصرالله أنّ الحزب وصل من خلاله “إلى نتيجة شبه قطعية، لكنّنا ما زلنا بحاجة إلى بعض الوقت وبعدها يُبنى على الشيءمقتضاه”. ولا يُعرف إذا الحزب سيقرّ بحصول أكبر خرق أمنيّ في تاريخه إذا تبيّن له بالوقائع وجود عميل أو عملاء سهّلوا الطريق أمام “أيلول الأسود”.

فنّياً وتقنيّاً قد تتوصّل الأجهزة الأمنيّة إلى معطيات شبه حاسمة حول كيفية “تلغيم” الأجهزة بالمتفجّرات ثمّ طريقة تفجيرها يومَي 17 و18 أيلول، سيّما أنّ المعطيات الأمنيّة تشير إلى أنّ الثغرة الأساسية في الداخل كمنت في واقع أنّ المحطّة الأمّ أو server التي تبعث بالرسائل المشفّرة إلى حاملي البيجر هي بدائية جداً وسهلة الاختراق من قبل العدوّ الإسرائيلي الذي “فعّلها” لمصلحته بإرسال أجهزة ملغومة إلى الحزب ثمّ اختار توقيت إرسال الشيفرة المتفجّرة وفق مخطّط إجرامي قد يعود لسنوات وليس حديثاً.

عدد المصابين أكبر من المعلن

أمّا الخطأ الثاني فتجلّى في عدم التزام جميع المحازبين بالتعميم الذي أصدرته قيادة الحزب بعد تفجيرات اليوم الأول بالتخلّص من كلّ الأجهزة التي تحمل بطارية ليثيوم، وبعضها أجهزة أكبر حجماً من “البيجر”، وهذا ما يفسّر الإصابات البالغة جداً التي سجّلت في 18 أيلول، مع العلم أنّ عدداً من هذه الأجهزة بات بحوزة الأجهزة الأمنيّة وقيد الدراسة والتحقيق. مع ذلك، الأرجح أنّ الأجهزة الأمنيّة لن تقدّم معطيات حاسمة في شأن مسار شحنة الأجهزة من تايوان إلى لبنان مروراً، افتراضياً، بالمجر وبلغاريا، والوسيط بين الحزب والشركة المُصنّعة بسبب السرّيّة الكاملة التي تغلّف هذا النوع من العمليات.

الحزب

وبالتالي فإنّ جزءاً أساسياً من داتا استيراد الأجهزة وتواريخ الشحن وكيفية فحص أجهزة آتية من “مصادر مفتوحة” ومدى خضوعها للتدقيق التقنيّ والأمنيّ، والأهمّ هويّة الوسيط أو الوسطاء، سيبقى ملك الحزب وفي المقلب الآخر إسرائيل. في السياق نفسه تؤكّد معلومات “أساس” أنّ العدد الحقيقي للمصابين بتفجيرات الأجهزة اللاسلكية قد يكون أكبر من العدد المعلن من وزارة الصحة (2,931) بسبب تكتّم الحزب عن بعض الإصابات في صفوفه.

2– سياسيّاً: يخوض لبنان معركة دبلوماسية لن تؤثّر فعليّاً في مسار الأحداث حتى لو حظي بإدانة دولية صريحة للعدوّ الإسرائيلي تحمّله مسؤولية ارتكابه جريمة ضدّ الإنسانية، وهذا أمر مستبعد بسبب الفيتو الأميركي. فالمعركة الدبلوماسية تُواجَه بأمر واقع هو سقوط قواعد الاشتباك التي حكمت المواجهات بين الطرفين منذ بدء عملية طوفان الأقصى، بحيث بات الداخل اللبناني معرّضاً لهزّات أكبر والحكومة نفسها تحت اختبار الاستمرار في تغطية “حرب الحزب” على إسرائيل ونتائجها مع ما رافق كلام السيد نصرالله الأخير عن “الحساب العسير الآتي حتماً والخبر في ما ترون لا ما تسمعون”، والتمسّك بحرب إسناد غزة مهما كانت العواقب، إضافة إلى التهديدات الإسرائيلية بحرب بريّة وشيكة و”تهليل” نصرالله لها.

إضافة إلى ذلك، قاد أيلول الأسود إلى تجميد الحديث في الملفّات الداهمة يتقدّمها ملفّ رئاسة الجمهورية حتى مع وصول الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان خلال ساعات إلى بيروت، فيما تفيد معلومات “أساس” بأنّه في اليوم الأوّل لتفجيرات “البيجر” رُصدت اتّصالات من جانب عدّة سفارات بارزة في لبنان تتناول احتمال إجلاء طواقمها فوراً من لبنان في حال ارتفاع مستوى التصعيد الأمنيّ والعسكري.

توسعة بنك الأهداف

3– عسكريّاً: فتح كلام نصرالله الأخير الباب على مصراعيه لجهة الحرب… أو اللاحرب في ظلّ تأكيده “تعطيل” هدفَي إسرائيل بفصل الجبهات بين غزة والجنوب وإعادة المستوطنين إلى شمال إسرائيل، لكنّ الردّ المحتّم على مجزرتَي البيجر والأجهزة اللاسلكية أبقاه نصرالله ورقة مخفيّة بحجمه وزمانه وعارفيه “ضمن الدائرة الأضيق” للحزب، مع إشارة لافتة من نصرالله إلى أنّ “مستقبل” هذه المعركة قد يكون أمام سنوات لا أشهر فقط. وبالتأكيد ستؤدّي “ضربة الضاحية” إلى تراكم “حساب الردّ” على العدو الإسرائيلي ما يُنذِر بمرحلة استنزاف طويلة قد لا تلامس بالضرورة الحرب الشاملة.

تقول أوساط معنيّة لـ “أساس”: “يستحيل أن يكون ردّ الحزب تقليدياً على ضربة غير تقليدية (أجهزة الاتصالات) كَسَرت كلّ المحرّمات في الحروب وذكّرت بالعقلية النازية، فيما بدا واضحاً توسيع كلّ من الطرفين لبنك الأهداف في المنطقة الحدودية عقب مجرزتَي البيجر وقصف الضاحية”. وتشير الأوساط إلى أنّ “هذا الردّ قد يطول كثيراً وربّما يكون أيضاً أمنيّاً وليس عسكرياً، وهذا يعني حتماً إبقاء لبنان رهينة مرحلة انتظار طويلة واستنزاف سياسي واقتصادي أكبر لن تنفع معه كلّ مبادرات ووساطات الداخل والخارج إلا إذا استبقت التسوية نيران الحرب الكبرى”. أمّا الحرب الشاملة فلا تبدو في الأفق. تضيف الأوساط: “الحزام الأمنيّ الذي تلوّح به إسرائيل قد لا يحتاج إلى حرب شاملة بل ضربات مماثلة لعملية النداء القاتل. وحتى الآن لا مؤشّرات عسكرية لاستعدادات لاجتياح برّي”.

ملاك عقيل- اساس

مقالات ذات صلة