ضربة مصياف الكبيرة ضدّ إيران: حرب “الإسناد” تتمدّد !
تحت سقف التفاوض بالواسطة بين إدارة الرئيس جو بايدن وبين القيادة الإيرانية تتبادل الدولتان الضربات العسكرية، عبر أذرع طهران، وإسرائيل. وهو ما رفع نسبة المخاوف مجدّداً من استدارة إسرائيل نحو جبهة لبنان لشنّ هجوم على الحزب.
تارةً تُصنّف الضربات الإسرائيلية في لبنان أو سوريا على أنّها اعتراضٌ من بنيامين نتنياهو على تقدّم التفاوض بين طهران وواشنطن. وأخرى ينظر مراقبون إلى تصعيد الحزب أو الحوثيين على أنّه إشارة إلى تعثّر التفاوض. واشنطن باتت أقرب إلى موقف إسرائيل على الأقلّ من حيث وجوب انضباط إيران في الإقليم، في انتظار بتّ ملفّها النووي.
يبدو مسار العلاقة الأميركية الإيرانية المعقّد، بالتفاوض وتبادل الضربات، عصيّاً على الفهم أحياناً. على الرغم من ترتيبات التواصل بين الجانبين لمنع توسّع الحرب، يصعب فصل تصعيد تل أبيب في لبنان وسوريا عن إجازة واشنطن له. في المقابل يستحيل استبعاد إدارة طهران للتصعيد الميداني للحزب في الجنوب والحوثيين، سواء حيال إسرائيل أو في البحر الأحمر.
الطّامة الكبرى: تزويد إيران موسكو بالصواريخ
هناك عامل يغيّر قواعد اللعبة بين الجانبين حصل مع اتّهام واشنطن طهران بتزويد موسكو بصواريخ بالستية، والمزيد من المسيّرات. وعلى الرغم من نفي الثانية، والتأكيد الأميركي والأوروبي، فإنّ هذا يكشف حراجة العلاقة في ظلّ المواجهة الغربية الروسية في أوكرانيا. ومخاطر الانحياز الإيراني لموسكو مسألة استراتيجية بالنسبة إلى واشنطن وأوروبا قياساً إلى دورها في الإقليم وحرب غزة. ولذلك أهمّية قصوى للغرب بعد التوغّل الأوكراني في كورسك الروسية. فقد استطاعت أميركا وأوروبا التعايش مع ما يسمّى “زعزعة إيران الاستقرار الإقليمي” في العقدين الماضيين، مهما كان مسيئاً لحلفاء تقليديين. لكنّها لا تحتمل تعاون طهران ضدّها في أوكرانيا. أمّا بالنسبة إلى إسرائيل فقد مارست واشنطن مزيجاً من الرياء الفائض والقليل من الحياء بإجازتها حرب الإبادة التي تشنّها على الفلسطينيين.
لذلك يرى المتابعون لعمق الموقف الغربي أنّ الانحياز الإيراني لروسيا هو الطامة الكبرى. فهي تشارك بهذا المعنى في الحرب ضدّ أوروبا ولا تكتفي بدعم القوى التي تخوض الحرب ضدّ الحليف الإسرائيلي.
الرّدّ السّلبيّ على عرض خامنئي
ردّت واشنطن سلباً على عرض المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي بأن “لا ضرر في تعامل إيران مع عدوّها”. تميّزت ردّة فعلها بالآتي:
1- تسريب معطيات عن أنّ الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بحثا الجمعة الماضي التعاون العسكري لمواجهة سعي إيران إلى قنبلة نووية.
2- نشر معلومات عن الخشية البريطانية الأميركية من أن تكون روسيا قد زوّدت إيران بخبرات تكنولوجية نووية مقابل تزويدها بالسلاح الإيراني (بلومبيرغ والغارديان).
3- حملة الاستخبارات الأميركية على تدخّل طهران في الانتخابات الأميركية لخشيتها من نجاح دونالد ترامب.
4- تزامن هذه التسريبات مع إعلان الاتحاد الأوروبي وواشنطن المزيد من العقوبات على طهران، ومنها في مجال التفافها على عقوبات بيع نفطها.
القيادة المركزيّة الأميركيّة… والجبهة الشّماليّة
في 8 أيلول الجاري زار إسرائيل قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي الجنرال مايكل إريك كوريلا. سرّب الجانب الإسرائيلي بأنّه “أجرى تقويماً للأوضاع في الشمال مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي”. وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي إنّ كوريلا زار الجبهة الشمالية الإسرائيلية، وإنّ “التركيز جرى على التهديدات من لبنان ومن إيران”. أكثر من ذلك أجرى كوريلا “تقويماً للوضع في غرفة العمليات الخاصة بالقيادة، حيث طرحت عليه الخطط العملياتيّة للجيش الإسرائيلي في لبنان”.
لم يعِر الإعلام العربي أهمّية كبيرة للتسريبات عمّا تناوله كوريلا في زيارته، لا سيما الإشارة الإسرائيلية إلى أنّ البحث تناول خطط تل أبيب في لبنان. ومن تنبّهوا إلى ذلك كان من الطبيعي أن يتساءلوا: هل واشنطن أرادت التأكّد ممّا إذا كانت الآلة العسكرية الإسرائيلية قادرة على تنفيذ هجوم كبير على الحزب في لبنان بمفردها، أي من دون الحاجة إلى تدخّل أميركي، في حال تسبّب هجوم كهذا بإقحام طهران جبهات أخرى. إلا بحدود لا تقود إلى توسيع الحرب؟ وهل موقف واشنطن السلبي من العروض الإيرانية للتفاوض على النووي تعبيرٌ عن انحيازها إلى تشدّد نتنياهو حيال إيران والحزب في لبنان؟
عودة المخاوف من الهجوم على لبنان
ما رفع منسوب المخاوف من عودة مخاطر الحرب في لبنان، إضافة إلى الذروة الجديدة من التصعيد الذي شهده الأسبوع الفائت من إسرائيل ومن الحزب:
– أنّ نتنياهو الذي كان منذ 7 أكتوبر الماضي معارضاً للهجوم على الحزب في لبنان. بات يعتقد بأنّ “هناك حاجة لتغيير ميزان القوى على الجبهة الشمالية” معه. وأضيف هذا العنوان إلى عناوين الخلاف بينه وبين وزير الدفاع يوآف غالانت الذي كان في 7 أكتوبر ميّالاً إلى الهجوم على الحزب. وبات غير متحمّس له بسبب كلفته ومراعاته لاستبعاد هذا الخيار من قبل أميركا.
– أنّ لدى أوساط دولية قناعةً بأنّ وظيفة الحرب على غزة تحقّقت بتدمير القطاع وجعله غير قابل للحياة. استمرارها يقتصر على وظيفة تسويغ بقاء حكومة نتنياهو متماسكة. فنتنياهو يرضي بمواصلتها اليمين المتطرّف في الائتلاف الحكومي الذي يرفض وقفها. وبالتالي بات بالإمكان نقل قوات الجيش إلى الجبهة الشمالية لإعادة مهجّري المستوطنات، وللردّ على ضربات الحزب بالعمق.
– أنّ الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين وصل إلى تل أبيب أمس حاملاً عرضاً (هيئة البثّ الإسرائيلية) لاتفاق على الحدود البرّية بين البلدين. وهوكستين لا يتحرّك إلّا لتفادي الأسوأ على جبهة لبنان.
ضربة مصياف الكبيرة ضدّ إيران
لكنّ وقائع ما بعد زيارة كوريلا أشارت إلى الآتي:
– حين يبحث الجنرال الأميركي وضع الجبهة الشمالية الإسرائيلية، فهذا يشمل سوريا وليس لبنان وحده.
– أعقب زيارة كوريلا في اليوم التالي (9 أيلول) الهجوم الإسرائيلي على مركز البحوث العسكرية في مصياف قرب حماة. في هذه المنشأة أقامت إيران مصنعاً للصواريخ الدقيقة تحت الأرض، ومستودعات لها وللمسيّرات. وإذا كان الاتجاه الأميركي هو ملاقاة إسرائيل بالتشدّد حيال أذرع إيران، فإنّ الضربة كانت كبيرة وشديدة التأثير على استخدامها الساحة السورية. فقد سبق لإسرائيل أن قصفت مركز البحوث العسكرية في مصياف أكثر من 10 مرّات منذ 2022. حين أعلن وزير الدفاع السابق بيني غانتس عن منشأة تصنيع عسكري تحت الأرض.
التسريبات من دمشق حسب قول مصادر موثوقة لـ”أساس” أنّ إنزال قوات خاصة إسرائيلية زنّرتها بالمتفجّرات من داخلها حقّق خسائر كبيرة. فتفجيرها بعد الانسحاب، وبعد قتل العديد ممّن كانوا فيها، شكّل ضربة كبيرة لخطّة تصنيع الأسلحة بسوريا، ولإمداد الحزب بها. وتنفيذ أكثر من 10 دفعات من الغارات الجوّية عليها وعلى مواقع قريبة منها، بعد تفجيرها من الداخل. أدّى إلى سقوط الكثير من القتلى تحت أنقاض المنشأة، وهو ما أدّى إلى اعتبار عسكريين في عداد المفقودين. وثمّة معطيات بأنّ عدد المفقودين أتاح التكهّن بأنّ إنزال المظلّيين الإسرائيليين سمح بخطف 3 إيرانيين، إذا صحّ نفي الجانب الإيراني واقعة الخطف.
النّصيحة الأميركيّة: تابعوا ما تقومون به
– إنّ القيادة العسكرية الأميركية، مهما تعمّقت في بحث التعاون مع إسرائيل، فإنّ قرار شنّ حرب على لبنان لا يتّخذه قائد القيادة المركزية، بل البيت الأبيض أو وزير الدفاع.
– معطيات دبلوماسيين عرب سابقين، يحتفظون بصلات مع الجانب الأميركي، أنّ نصيحة واشنطن ما زالت تجنّب الحرب على لبنان. يشير هؤلاء لـ”أساس” إلى أنّ العسكريين الأميركيين مطّلعون على خطط نظرائهم في تل أبيب لاستهداف كوادر وقيادات الحزب ومقرّاته. كذلك بالنسبة إلى إقامة إسرائيل حزاماً أمنيّاً حدوديّاً خالياً من مقاتلي الحزب. وإزاء مخاطر توسّع الحرب ينصحون تل أبيب بمواصلة اصطياد كوادر الحزب باعتباره ناجحاً ويلحق خسائر به بدلاً من الحرب الشاملة.
إيران والحزب وحروب الإسناد
مهما تكن حصيلة الجهود التي تُبذل لقطع الطريق على التهديدات الإسرائيلية بعملية عسكرية على لبنان، فإنّ ردود إيران وأذرعها على توسيع إسرائيل ضرباتها بات حجمها يفوق حجم ما يحصل في الميدان الجنوبي:
– إطلاق الحزب مجدّداً مسيّرات تبلغ تل أبيب وتصطدم بمبانٍ مدنية، واستهداف ثكنات عسكرية بكثافة يعادل حجم استهداف إسرائيل لموقع مصياف وتدميره. بات تدحرج الحرب في القطاع بقرار إيران إسناد غزة ينتج تفاعلات لا تقف عند حدود الجبهة الجنوبية. وصار الحزب معنيّاً، أراد ذلك أم لم يرد، بـ”إسناد مصياف” في سوريا، والردّ على استهداف موقع إيراني هناك.
– ليس صدفة أن يوقّت الحوثيون إطلاقهم صاروخاً دقيقاً فرط صوتيّ على يافا في إسرائيل بعد 5 أيام على عملية مصياف، وعلى التشدّد الأميركي حيال طهران. فهم كانوا توعّدوا بالردّ على قصف إسرائيل ميناء ومستودعات النفط في الحديدة الشهر الماضي، فتمّ ذلك أول من أمس، مع وعد بالمزيد.
وليد شقير- اساس