«زلّة» جبور تفضح «سياديّة» معراب: ما تقرره المملكة تخضع له «القوات»
حسمت القوات نتائج الحرب الدائرة لمصلحة أعداء المقاومة
لمْ يكُن ثمة ما يستوجِب الحديث عن الملف الرئاسي لأن الجميع، في لبنان والخارج، مقتنع بأنّ هذا «مش وقتو»، مهما علَت نغمة الإعراب عن الخشية والخيبة والتمنّيات. وبسبب هذا الاقتناع، انكفأت اللجنة «الخماسية» عن ممارسة «فولكلوراتها» وذهب فريق لبناني، بعقلية التاجر، يُماطل لكسب الوقت ما أمكنه ذلك، ظناً بأن الحرب ستعزّز موقفه التفاوضي، حاسماً منذ الآن نتائجها لمصلحته. ويتقدّم هذا الفريق حزب «القوات» اللبنانية، الذي يدّعي الحرص على موقع الجمهورية الأول، ويُطالب بفصل الملف عن الحرب في غزة وعدم المراهنة على انتصارات تُصرف في الداخل.
بينما، هو نفسه، وبشخص رئيسه، يُبدِع في مجالسه الخاصة بالرهانات على حرب إسرائيلية تُضعِف حزب الله وتأتي به «مخفوراً» إلى الطاولة متخلّياً عن مرشحه للرئاسة. وهذه حقيقة لا يطمسها بيان رسمي يصدر من معراب، أو على لسان قائدها سمير جعجع، ولا تطاول نوابه و«نائباته» أو الناشطين المنظّمين على وسائل التواصل الاجتماعي. وما يضمره هؤلاء يتكفّل بفضحه دائماً مسؤول جهاز الإعلام في «القوات» شارل جبور.في واحدة من إطلالاته الأخيرة، أدلى جبور بدلوه عن حتمية سقوط حزب الله بعد طوفان الأقصى، مصرّاً على نسج سرديّات تظهر ما تأمله «القوات» أكثر ممّا هي وقائع مثبتة، وعلى أوهام تحتلّ مخيّلة القواتيّين حول دورهم في قلب الطاولة وتغيير المعادلة الداخلية. غير أن انفعالاته قادته إلى أن يجنَح أكثر من ذلك، مطيحاً ليس فقط بالادعاءات التي تبني عليها القوات موقفها، بل أيضاً بـ«مصداقية» المملكة العربية السعودية. ولعلّ النقطة الوحيدة التي تستحق التوقف عندها في هذا السياق، قوله إن «القوات في حوار مفتوح مع المملكة العربية السعودية»، وإن «المدخل لرئاسة الحكومة هو الرياض. ولا يُمكن الإتيان بأيّ رئيس من دون موافقتها باعتبارها الممر الإلزامي للدخول إلى السرايا الحكومية»!
الأرجح أن جبور لم يقل ما قاله عن سابق تصور وتصميم، لأن ما كشفه له معنيان، الأول: أن القوات تكذب في شعار السيادة والموقف المستقل الذي تدّعي الدفاع عنه في وجه محور الممانعة «الخاضع للإرادة الإيرانية». فكلامه اعتراف واضح على لسان مسؤول قواتي بأن رئاسة الحكومة تقررها الرياض، وما تقرره المملكة تخضع له معراب «السيادية». والمعنى الثاني لزلّة جبور، هو تكذيب المملكة التي «حرصت» منذ بدء أزمة الشغور على «عدم التدخل» في الشأن اللبناني، وتحوّلت إلى منظّر شرس ضد الفساد والإتيان بشخصيات «مستقلة» و«نظيفة». عملياً، دحض مسؤول جهاز الإعلام في القوات الصورة المحايدة للمملكة، وأطاح بكل ما يسوّق لنظرية «النأي بالنفس السعودي» في الملف الرئاسي!
حسمت القوات نتائج الحرب الدائرة لمصلحة أعداء المقاومة
لا تحتاج «هفوة» جبور إلى كثير عناء لقراءة ما تحمله. وأصلاً لم يسعَ هو إلى إخفائها، بل حمّلها توقيعاً قواتياً ينمّ عما تحيكه معراب وتخطّط له، ويمكن شرحه وفقَ الآتي:
أولاً، حسمت القوات، منذ الآن، نتائج الحرب الدائرة لمصلحة أعداء المقاومة (وهو ما قاله جبور نفسه)، وهي اليوم في صدد رسم صورة ما بعد العدوان على غزة أو أيّ حرب مفترضة على لبنان، وهي حرب يتمنّاها سمير جعجع وينتظرها باعتبارها الباب الوحيد لإضعاف الحزب داخلياً.
ثانياً، تتصرف القوات كأنها الناطق باسم الطائفة السنية في لبنان. لا يخفى على أحد، بعد نجاحها في إقصاء الرئيس سعد الحريري وإخراجه من الحياة السياسية وتعزيز الموقف السعودي السلبي منه، محاولة القوات وراثة شارعه رغم أنها لم تجِد من يتفاعل معها، وبعدما بات التقرّب منها تهمة تلاحق أيّ «مستقبلي». وهذا ما أكده مؤتمر معراب (في نيسان الماضي للمطالبة بتنفيذ القرار 1701). يومها اتّكأ جعجع على ميثاقية سنّية عرجاء أمّنها الثلاثي: فؤاد مخزومي، أشرف ريفي ووضّاح الصادق.
ثالثاً، بناء على ما سبقه، تظنّ القوات (وهي محقّة لأن أفكارها مبنيّة على رهانات) أن لبنان بعد هزيمة حزب الله سيكون لزاماً عليه القبول برئيس جمهورية يطعن في الظهر، ورئيس حكومة يكون من حصة المملكة، باعتبار أن الأخيرة هي من سيقود التفاوض بالنيابة عن الفريق السيادي بما تملكه من أوراق قوة في المنطقة، رغم أن الرياض نفسها التي يراهن عليها جعجع لاستعادة التوازن في لبنان، لم تظفر ببلح الشام ولا عنب اليمن!
ميسم رزق- الاخبار