سنوات مقبلة من حروب “عصر التطبيع”: المنطقة أمام إما “انفجار حرب كبرى وإما اتفاقات كبرى”!

نتنياهو يضع عنواناً واضحاً لمعركته وهو إيران وحزب الله ا

يدور في القراءات والتقديرات الدولية ولدى ديبلوماسيين ذوي تجارب واسعة في الشرق الأوسط أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لا يمكنها أن تُحصر عند حدود القطاع، أو فلسطين ككل. لا بل ستحدث تحولات على مستوى المنطقة. إنها حرب لا بد فيها أن يكون هناك رابح وخاسر. وهي ستكون طويلة، أشكالها ستتغير ووتيرتها ستتصاعد تارة وتنخفض طوراً، وستشهد تحولات كثيرة في مساراتها. يُراد في المجتمع الغربي أن يتم تشبيه عملية طوفان الأقصى بعملية 11 أيلول 2001. والتي فتحت مساراً جديداً في المنطقة عنوانه “الحرب على الإرهاب”. وقد نتج عن الحادي عشر من أيلول حربان كبريان في أفغانستان والعراق. وما تلاهما من ترددات وانعكاسات على مستوى المنطقة ككل.

الشرق الأوسط الجديد
إثر تلك الحربين رفع الأميركيون شعار “الشرق الأوسط الجديد”، والذي تناقضت الآراء حوله والتقييمات بشأنه، بين من اعتبر أن الغرب يقدم على مشروع لنشر الديمقراطية وبناء دول في المنطقة، وبين من وصف ما يجري بالحملة العسكرية الاستعمارية، وغايتها أو نتائجها تشتيت المنطقة وتقسيمها وإدخالها في صراعات مذهبية أو طائفية، انعكست على “مركزيات” الدول الوطنية. حالياً، هناك نقاش متجدد حول مصير الوضع في المنطقة وتطوراتها وتحولاتها على وقع الحرب الإسرائيلية في غزة، واحتمالات توسيعها لتشمل جبهات أخرى، بما فيها لبنان. خصوصاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان أول من شبّه ما جرى في 7 تشرين الأول 2023 بأحداث 11 أيلول، وطلب من الأميركيين والغرب الوقوف خلف إسرائيل في حربها الجديدة.

هدف نتنياهو
يضع نتنياهو عنواناً واضحاً لمعركته وهو إيران وحزب الله. وقبل أيام خلال لقائه مع عائلات الرهائن الإسرائيليين في غزة، كرر موقفه بأن تركيزه وحربه يجب أن تكون على إيران وحزب الله. وهو ما كان قد أعلنه في الكونغرس الأميركي، داعياً الأميركيين لدعمه ومساندته في هذه الحرب. بالتأكيد، يصرّ نتنياهو على سلوك هذا المسار الحربي على مستوى المنطقة ككل، وإسرائيل غير قادرة على ذلك لوحدها. لذا يحاول الاستفادة من الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، لتعزيز وضعيته العسكرية والمعنوية.

تشير التقديرات الدولية، أنه لا يمكن لمنطقة الشرق الأوسط أن تعود لما كانت عليه سابقاً، بل هناك تغييرات على المستويات السياسية والعسكرية والاستراتيجية ستنتج عن هذه الحرب في فلسطين، ومتفرعاتها في المنطقة. ولكن لا أحد قادراً على حسم الوجهة التي ستسلكها أو النتائج التي ستتحقق، ومن الذي سيخرج رابحاً أو منهزماً في معايير حسابات الدول وأدوارها وحدود نفوذها.

ما يريده الإسرائيليون والغرب هو إدخال المنطقة كلها في “عصر التطبيع”، والذي كانت تعمل عليه الإدارات الأميركية المتعاقبة، وصولاً إلى تأكيدات مسؤولين في الإدارة الأميركية الحالية حول المساعي لدمج إسرائيل بالمنطقة، علماً أن ما يجري من حيث الوقائع هو محاولات لدمج المنطقة بـ”إسرائيل”. خصوصاً من خلال التركيز الأميركي على إنجاز اتفاق مع المملكة العربية السعودية يتضمن تطبيعاً مع إسرائيل، في مقابل إعلان السعودية عن اشتراطها إقامة دولة فلسطينية. ومن غير الواضح حتى الآن كيف سيتم العمل على إقامتها، وماهية حدودها، في ظل عمليات الاستطيان المستشرية التي يقوم بها الإسرائيليون.

احتمالان..
حتى الآن لا تزال جبهات المساندة لغزة مضبوطة إلى حدّ ما، تشهد تصعيداً ولكنه مدروس وخاضع لضوابط أميركية، ما يحيل هذه المواجهات أو العمليات إلى الجانب التكتيكي، الذي لا يؤدي إلى الدخول في حرب واسعة لا أحد يريدها، وخصوصاً إيران والولايات المتحدة الأميركية. لكن ما يُعلن في إسرائيل يبدو مغايراً. إذ هناك جموح لدى نتنياهو لتوريط المنطقة كلها بحرب واسعة، وهو لذلك حاول الإعلان عن بناء تحالف لمواجهة إيران. وطالما أن الجبهات مستمرة بوتيرة عمليات منضبطة وغير قابلة للاتساع، وكلما شارفت الحرب على الانفجار، دخلت لواجم متعددة منعتها. لذا، يُفترض التفكير في أن هذه المواجهات الاستنزافية ستبقى مستمرة، ما لم يتم الوصول إلى صيغة تسوية ملائمة ومرضية للجميع. وهو الذي تسعى إليه الإدارة الأميركية.

أمام كل هذه الوقائع، تقف المنطقة أمام احتمال من اثنين، إما انفجار حرب كبرى لا أحد يعلم كيف تبدأ ومتى تنتهي. وإما اتفاقات كبرى من شأنها تكريس استقرار طويل الأمد. وهو أيضاً ما يسعى إليه الأميركيون مع دول متعددة ومتناقضة.

ما يجري على مستوى المنطقة، ينطبق على الواقع اللبناني، في ظل الجبهة المفتوحة منذ أكثر من عشرة أشهر، وسط دعوات دولية ولبنانية دائمة لتطبيق القرار 1701. علماً أن التطبيق الذي كان سالفاً كان ملتبساً، فيما الوقائع اليوم لا تسمح بأي شكل من أشكال الالتباس. وهو ما سيخلق معضلة في تفسير القرار على الجانبين اللبناني والإسرائيلي. حتى التمديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب يندرج في سياق “المحطات التقنية أو التكتيكية”، والذي لن يحدث تحولاً استراتيجياً. ذاك التحول أصبح مرتبطاً إما باتفاق شامل على وقف العمليات العسكرية وإرساء الاستقرار، على أن يكون مقروناً بضمانات واسعة، وإما أن الحرب ستكون حتمية بغض النظر عن شكلها ومساراتها.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة