نصر الله… اللهم اني رديت: اذا أردتم أن تعرفوا خططه… اتبعوا بوصلة وليد جنبلاط!
لم يكن "السيد" في الأمس الرجل الذي نعرفه منذ عقود
لم يكن حسن نصر الله في الأمس الرجل الذي نعرفه منذ عقود، ولم يكن خطاب الرد الذي أطلقه ذاك الخطاب الذي يمكن أن يُقنع أو يؤثر أو يُرهب لا على مستوى المضمون أو النبرة أو الهيبة أو الحصاد.
كان في الواقع خطاباً مفككاً ومرتبكاً يهدف الى الاضاءة على أي “نصر” أو “انجاز” من أي نوع بعد سلسلة الخسائر والاخفاقات الأمنية والسياسية الموجعة التي طاولت معظم طاقمه القيادي والميداني، ووضعته أمام محاكمة من نوعين: المحاكمة التي تأخذ عليه جر لبنان الى حرب لا تعنيه، وتلك التي تؤكد أن كل ما فعله انطلاقاً من لبنان لم ينقذ غزة، ولم يردع اسرائيل، ولم يعزز موقع ايران، ولم يأخذ محور الممانعة الى أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة من موقع قوة.
وأكثر من ذلك، يعكس الخطاب، ولو ضمناً، ما يشبه الاقرار بأن ما خاطر به في “الثامن من أكتوبر”، لم يكن على قدر أي رهان، سواء على مستوى السلاح أو الحصانة أو الاستخبارات أو التوازن أو النتائج، معتبراً في كواليسه أن “وعود النصر الدائم” التي طالما لوح بها بعد “حرب تموز”، لم تكن هذه المرة الا معركة فقد فيها من الرجال ما لم يفقده في أي معركة أخرى، ومن الماديات ما لم يفقده في الحروب المتواصلة والمباشرة، ومن الهيبة ما لم يفقده في أي مكان أو جولة، ومن الشعبية ما لم يفقده في أي مرحلة أو استحقاق أو محطة.
ففي خطاب الأمس، بدا نصر الله وكأنه يريد أن يقر بأن قطوعاً خطيراً قد فاته، وبأن حِملاً ثقيلاً قد نزل عن ظهره، وهو حمل الرد القسري على مقتل رفيقه الأقرب فؤاد شكر، أي الرد الذي أراد منه حفظ ماء الوجه من جهة، وارضاء جمهوره من جهة ثانية، والحؤول دون تفجير حرب شاملة من جهة ثالثة.
في الخطاب، حاول نصر الله تحقيق سبعة أهداف دفعة واحدة، أولها التقليل من شأن الخرق الذي سمح لاسرائيل بكشف خطة الرد قبل نصف ساعة من انطلاقتها، محاولاً بذلك احتواء الثغرات التي طاولت منظومته الأمنية وكشفت أسرارها وخفاياها بطريقة دراماتيكية كبّدتها معظم قياداتها الفاعلة وأحبطت معظم خططها العسكرية. وثانيها أنه أراد تهميش الرواية الاسرائيلية التي تحدثت عن خسائر كبيرة في منظومته الصاروخية، وتصوير الرد الاسرائيلي على أنه ضرب في الهواء لم يقدم ولم يؤخر. وثالثها تبرير التأخير الذي ربطه بمفاوضات غزة، وهو أمر لم يقنع أحداً نظراً الى عدم ترابط الملفين أولاً، وثانياً لأنه أوحى بأن وقف اطلاق النار في القطاع يمكن أن يلغي قرار الثأر للسيد محسن (فؤاد شكر). ورابعها الحشد الأميركي والغربي في المنطقة. وخامسها الحرص على المدنيين في حال أقدم على رد قد يستجر رداً وحشياً من اسرائيل. وسادسها الحرص على إفهام بنيامين نتنياهو أن هذا الرد لن يتجاوز الخطوط الحمر. وسابعها طمأنة جمهوره والداخل اللبناني الى أن “حزب الله” لا يزال القوة العسكرية التي لا يتجاوزها أحد أو يغلبها أحد أو يخلفها أحد حتى لو كان الجيش اللبناني أو “اليونيفيل” أو أي قوة مختلطة.
لكن أكثر ما يلفت في الخطاب، تلك الرسائل السياسية التي وجهها الى اسرائيل من تحت الطاولة، وأولها أن “قرار الرد أنجز” وصار من الماضي وبالتالي يستطيع الاسرائيليون أن يطمئنوا ويخرجوا من الملاجئ،وثانيها دعوة مواطنيه الى العودة الى منازلهم ومنح لبنان فرصة لالتقاط أنفاسه، وكأنه أراد أن يقول لسكان المستوطنات الشمالية ما قاله لجمهوره أو كأنه أراد أن يقول للاسرائيليين والأميركيين ان باب التفاوض قد فتح لمن يحاول أن يبحث في هدنة أو استراحة أو حتى في سبل تطبيق القرار ١٧٠١ من دون الدخول في حرب مباشرة .
وأكثر من ذلك، تضمن الخطاب تطوراً لافتاً تمثل في فصل الساحات لا توحيدها، واعتبار رده رداً يسبق ردوداً من اليمن ومن ايران التي حاول قبل أسابيع تحييدها مع سوريا من أي عمل عسكري ثأري ضد اسرائيل، فضلاً عن تجنب أي اشارة تهديدية موجهة ضد الأميركيين المنتشرين في بحر المنطقة وبرها وجوها والمتأهبين لأي عمل عسكري لكل من يهدد أمن اسرائيل وأمن الخليج معاً.
ويقول مصدر قريب من الضاحية الجنوبية: ان الجو العام في البيئة الشيعية قرأ أو سمع مواقف باهتة في خطاب نصر الله، ووصل الى انطباع بأن ما فعله الرجل كان أسوأ وأكثر ايلاماً مما فعله عشية “حرب تموز”، معرباً عن مخاوفه من أن يصبح اليوم الذي يلي الحرب يوماً مختلفاً جداً عما سبقه .
ويضيف: ان “حزب الله” اليوم ليس في وضع يحسد عليه، فهو يعاني على المستوى العسكري ما أوردناه سابقاً، لكنه على المستوى الشعبي والسياسي ليس أفضل حالاً، مشيراً الى أن أداءه العسكري في هذه الحرب أسقط عنه نظرية القوة الوطنية الرادعة واستبدلها بنظرية القوة الايرانية الخالصة، وأن الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها جمهوره نقلت هذا الجمهور من الفئة التي كانت تقبض ثمن الولاء له الى الفئة التي تدفع ثمنه.
ويتابع: اذا أجريت الانتخابات النيابية غداً لن يتمكن “حزب الله” من تحقيق ما اعتاد تحقيقه في السابق، نظراً الى أمرين أساسيين: الأول أن البيئة الشيعية باتت تنظر الى حسن نصر الله كحيثية متهورة مرتبطة تماماً بمصالح ايران وقراراتها وأوامرها، معتبرة الرئيس نبيه بري أكثر حكمة وأكثر قرباً من ناسه وأكثر حرصاً على أمنهم ومصالحهم، هو الذي امتنع عن ارسال رجاله للقتال الى جانب بشار الأسد في سوريا، والثاني أن حليفه الرئيس، أي “التيار الوطني الحر” يعاني مشكلات قيادية وشعبية قد تنعكس سلباً على قوته الانتخابية التي يمكن أن توفر قوة نيابية يعتد بها في البرلمان المقبل، وعلى قوته الشعبية التي يمكن أن توفر له الغطاء المسيحي الذي تمكن به بعد اتفاق مار مخايل من التغلغل في المناطق المسيحية والوصول الى الرئاسة الأولى التي كانت الى حد ما خارج سلطته المطلقة.
لكن أكثر ما يربك “حزب الله” في الوقت الراهن أن اللبنانيين في معظمهم كانوا في مكان بينما كان هو في مكان آخر، وأن ما اعتبره هو حرباً جهادية اعتبروها هم حرباً انتحارية أو عبثية، هامسين في كواليسهم أن نصر اله ، لا يعمل لاستعادة فلسطين أو تحرير القدس أو اسناد غزة بقدر ما يعمل للسيطرة على لبنان وتحويله طوعاً أو قسراً الى جمهورية اسلامية ملحقة بالجمهورية الاسلامية الايرانية الكبرى.
من هنا لم يكن بريئاً الكلام الذي خرج الى الضوء قبل مدة مثيراً في الأوساط المسيحية والسنية والدرزية، مخاوف من أن يرتد “حزب الله” في حال سقوط غزة نحو الداخل لترهيب من يشكك في تماسك المحور الممانع أو في قدراته العسكرية، والتأكيد أن ايران لا تزال على حدود إسرائيل، وأنه لا يزال صاحب الأمر والنهي في لبنان.
ويختم المصدر: اذا أردتم أن تعرفوا ماذا في خطط “حزب الله” في الداخل، فاتبعوا بوصلة وليد جنبلاط الذي يحاول استباق أي خطر يمكن أن يطاول بيئته من خلال النبش مجدداً في قاموس “الحركة الوطنية”.
انطوني جعجع- لبنان الكبير