لبنان أرض مستباحة لاغتيالات اسرائيل والثمن باهظ: “انهض واقتل أولاً”

مضى أكثر من ثلاثة أسابيع على اغتيال إسرائيل للقائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر، في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران.

وما بين اغتيالي شكر وهنية، ما زال رد حزب الله وطهران المنتظر عالقًا، وفق مراقبين، عند اختيار الهدف الممكن والموازي على مستوى الردع، لحجم هذين الاغتيالين الكبيرين.

انهض واقتل أولاً
تؤكد التجربة التاريخية على تفوق إسرائيل استخباراتيًا، وعلى تكريسها لسياسة الاغتيال كأقوى سلاح تمتلكه ضد أعدائها في المنطقة.

في كتابه “انهض واقتل أولًا” حول التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية، الصادر في العام 2018، يتحدث الكاتب والصحافي الإسرائيلي رونين بُرغمين، عن نظرية “قتل السائق”، في ترميز لأهمية قتل القادة العسكريين والسياسيين لحركات المقاومة. ويعتبر أن هذه النظرية، وضعت إسرائيل على قائمة أكثر دول العالم تنفيذًا لعمليات الاغتيال، وصارت أساليبها ملهمة لكثير من الدول، لتصفية الأفراد والمجموعات.

هذا التفوق الإسرائيلي في عمليات الاغتيال، لم يكن فعالًا أيضًا في سعيها الدائم لتدمير مختلف فصائل المقاومة بالمنطقة، التي تتحرك وتتنامى على فكرة تحضير “البدائل” للقادة العسكريين الذين تطاردهم إسرائيل في كل مكان.

ومع ذلك، شكل الاغتيال أداة ضغط كبيرة تتكبد حركات المقاومة ثمنه الباهظ، ويفرض عليها تحدي الرد، علمًا أنها لم تتمكن إلى اليوم، من الرد على عمليات الاغتيال، باغتيالات موازية في إسرائيل، على مستوى الشخصية والعمق المكاني. وتعود الاغتيالات الإسرائيلية في المنطقة، إلى خمسينات القرن الماضي.

ومنذ العام 2002، تستند اسرائيل إلى قانون داخلي يسمح لها تنفيذ الاغتيالات، بسابقة قانونية على مستوى العالم. واستخدمت إسرائيل في عمليات اغتيالها، على مدار عقود، أساليب مختلفة: مسدسات، كاتم صوت، قنص، متفجرات، طرود مفخخة، أجهزة تحكم عن بعد، مواد كيميائية، طائرات مسيرة وصولًا إلى القصف الجوي.

اغتيالات لبنان
تاريخيًا، كان لبنان ساحة مغرية للاغتيالات الإسرائيلية، سواء للقادة الفلسطينيين وكذلك لقادة المقاومة في لبنان، بسبب الحرب الأهلية ووجود منظمة التحرير الفلسطينية.

قبل طوفان الأقصى، شهد لبنان منذ السبعينات نحو 12 عملية اغتيال إسرائيلية مثبتة على أرضه، نستعرضها في ما يلي:

– 8 تموز 1972: كانت أول عملية للموساد باغتيال الروائي والسياسي الفلسطيني غسان كنفاني، عبر عبوة ناسفة وضعتها في سيارته في بيروت.

– نيسان 1973: تسلل إيهود باراك، الذي سيصبح لاحقاً رئيساً لحكومة اسرائيل، إلى بيروت، وتنكر بزي امرأة مع قوات عسكرية بحرية خاصة، ثم فجروا مبنى ومنازل بين بيروت وصيدا، واغتالوا ثلاثة قياديين فلسطينيين هم: محمد يوسف النجار وهو نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، كمال ناصر وكمال عدوان وهو القائد العسكري بالضفة الغربية. وكانت تلك العملية التي ضجت بها بيروت، ردًا على قيام مجموعة “أيلول الأسود”، سنة 1972، باختطاف وقتل 11 رياضياً إسرائيلياً في ميونيخ.

– تشرين الأول 1973: حاولت إسرائيل اغتيال ياسر عرفات في بيروت، مع أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية وهم خليل الوزير وفاروق القدومي وهاني الحسن ووديع حداد. ولكن القنابل لم تنفجر بالمبنى. وباءت كل محاولات اغتيال عرفات لاحقا بالفشل.

– كانون الثاني 1979: وبعد 5 محاولات، اغتالت إسرائيل في بيروت، القيادي الشهير الذي حيّر إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية، علي حسن سلامة، الملقب بـ”الأمير الأحمر”، مع 4 من حراسه، بعدما انفجرت سيارة فخخها عملاء الموساد في الطريق أثناء عبور سيارته. وجاء اغتياله بعد عام واحد من زواجه من ملكة جمال الكون جورجينا رزق.

– شباط 1984: اغتالت إسرائيل الشيخ راغب حرب، الملقب بـ”شيخ شهداء المقاومة الإسلامية”، عبر اطلاق رصاص قنص نحوه في الجنوب.

– كانون الأول 1989: أغارت إسرائيل على مقر الحزب الشيوعي اللبناني بالرميلة في جبل لبنان، واغتالت قادة من جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، كان أبرزهم قاسم بدران وحكمت الأمين المعروف بطبيب الفقراء.

– شباط 1992: اغتالت إسرائيل ثاني أمين عام لحزب الله عباس الموسوي بقصف مروحيات لموكبه بالجنوب، بعد كلمته بذكرى استشهاد الشيخ راغب حرب.

– آب 1999: اغتالت إسرائيل قيادي حزب الله علي ديب، المعروف بـ أبو حسن خضر سلامة عبر تفجير سيارته بعبوة ناسفة زرعها أحد عملاء الموساد، وفجرها عن بعد، في شرق صيدا.

– آب 2003: اغتالت إسرائيل قيادي حزب الله علي صالح، وهو مسؤول التنسيق مع التنظيمات الفلسطينية، في الضاحية الجنوبية، وذلك عبر تفجير الموساد لسيارته بواسطة عملاء أيضًا.

– تموز 2004: اغتالت إسرائيل قيادي حزب الله، غالب عوالي عبر تفجير سيارته بعبوة ناسفة في الضاحية الجنوبية أيضا.

– أيار 2006: اغتالت إسرائيل محمود المجذوب، أحد كبار قادة جماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، مع شقيقه نضال، في مدينة صيدا، عبر تفجير سيارته

– كانون الثاني 2013: اغتالت إسرائيل القائد العسكري حسان اللقيس، وكان مسؤول عن البنية التكنولوجية لحزب الله، أمام منزله في بيروت، عبر عملية نفذتها مجموعة أطلقت النار نحوه بكاتم صوت.

وجاءت هذه الاغتيالات، توازيًا مع تعقب إسرائيل لقادة حزب الله خارج لبنان، لا سيما في سوريا، فاغتالت عماد مغنية في دمشق، في شباط 2008. كما اغتالت مصطفى بدر الدين قرب مطار دمشق، في أيار 2016.

ما بعد الطوفان
أما راهنا، فتواصل إسرائيل عمليات الاغتيال في لبنان، بعد انخراط حزب الله في حرب المساندة دعمًا لغزة، منذ 8 تشرين الأول 2023، بمعدل تجاوز بأضعاف العمليات السابقة التي نفذتها في لبنان على امتداد أكثر من ثلاثة عقود.

ويُعد فؤاد شكر أرفع مسؤول عسكري في حزب الله تغتاله إسرائيل في 30 تموز، في هذه الحرب، عبر ضرب عمق الضاحية الجنوبية لبيروت. وكان فقدان عنصر المفاجأة في هذه العملية، كرد على حادثة مجدل الشمس، هو الفارق عن عملية اغتيال مباغتة لقيادي حركة حماس صالح العاروري، في الضاحية أيضًا، في 2 كانون الثاني 2024.

وإضافة إلى شكر والعاروري، تمكنت إسرائيل بعد طوفان الأقصى، من اغتيال قادة عسكريين مؤثرين في حزب الله، وأبرزهم:

-8 كانون الثاني: اغتيال القيادي في قوة النخبة التابعة لحزب الله “قوة الرضوان” وسام الطويل.

– 15 شباط: اغتيال القيادي العسكري علي دبس.

– 16 نيسان: اغتيال القيادي إسماعيل باز قائد منطقة الناقورة في حزب الله.

– 15 أيار: اغتيال القيادي حسين إبراهيم مكي، وكان المسؤول المباشر عن تنفيذ عمليات في الجبهة الداخلية لإسرائيل

– 12 حزيران: اغتيال القيادي طالب سامي عبد الله المعروف بـ”أبو طالب”.

– 3 تموز: اغتيال المسؤول العسكري محمد نعمة ناصر المعروف بـ”الحاج أبو نعمة”.

جنى الدهيبي- المدن

مقالات ذات صلة