عملية طوفان الأقصى غيرت “اسرائيل”: مفاهيم قديمة سقطت

إن مراقبة تاريخ “اسرائيل”، جعل المراقبون يفهمون الى حدّ بعيد العقل “الاسرائيلي” وكيفية عمله، فهي التي تقوم على أسس أساسية أبرزها “مفهوم الأمن”، كانت الى ما قبل 7 تشرين الأول 2023 متمسكة ببعض المفاهيم المتعلقة بالحرب والتعامل معها، ولكن ما حصل في عملية طوفان الأقصى بدّل كل هذه المفاهيم، وبالتالي لم يعد بالإمكان قراءة “إسرائيل” بكتاب ما قبل الطوفان.

عندما وقعت عملية طوفان الأقصى التاريخية والبطولية، حاول البعض استشراف المرحلة من خلال العقل “الاسرائيلي”، ولكن بعد مرور 11 شهراً على بدء الحرب التي لا تزال مستمرة دون أفق واضح لنهايتها، أصبح حتمياً “رمي” كل المفاهيم التي كانت قائمة سابقاً حول “اسرائيل” وحروبها، وإعادة درس “الحالة الإسرائيلية” لفهمها من جديد، إذ لطالما كان مفهوم الحرب لدى “الإسرائيليين” قائماً على “الحرب السريعة والخاطفة”. ومعروف عن الجيش “الاسرائيلي” أنه لا يخوض حروباً طويلة، وكانت حرب تموز 2006 من أطول حروبه وهي استمرت 33 يوماً، لذلك كان التوقع بداية الحرب أن لا تطول المعركة سوى لأسابيع قليلة، حتى أن المراقبين لم يصدقوا كلام نتانياهو ومسؤولين “إسرائيليين” عندما أشاروا الى عام 2024 هو عام الحرب.

تبين اليوم أن مفهوم الحرب السريعة انتهى الى غير رجعة، فـ “إسرائيل” دخلت حرباً معقدة مع غزة ومع باقي اطراف محور المقاومة، وهي مستمرة فيها ولا ترغب بإنهائها، حتى رغم اقترابها من الوصول الى عتبة العام. وبالتالي تقدم صورة جديدة غير معتادة منذ إنشاء هذا الكيان في منطقتنا.

ليس هذا المفهوم الوحيد الذي تبدّل، فقبل طوفان الأقصى كان هناك مفهوم أساسي يتعلق بأعداد القتلى في “إسرائيل”، إذ كان يُقال ان سقوط قتيل لـ “اسرائيل” من الجيش أو المدنيين، كفيل بقلب الرأي العام “الاسرائيلي” رأساً على عقب، وكفيل بتبديل المشهد داخل حكومات العدو، ولكن هذا المفهوم سقط بعد طوفان الأقصى أيضاً، بحيث انطلقت “اسرائيل” في حربها من ألف قتيل، رغم أنها قتلت أغلبيتهم، إلا أن مشهد القتلى ووقعه على المجتمع والرأي العام تبدل، فباتت استطلاعات الرأي تُظهر أن الأكثرية مع الحرب، سواء على غزة أو حتى على لبنان.

كذلك قبل عملية طوفان الأقصى كان لمفهوم الأسرى “الاسرائيليين” تأثير كبير في مسار كل حرب ومعركة، وكان الأسير “الاسرائيلي” يقابله مئات الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين والعرب، ولنا في السابق أمثلة عديدة حول صفقات تبادل، ولذلك عندما أسرت حركة حماس هذا العدد الكبير من “الاسرائيليين”، مدنيين وعسكريين، توقع كثر أن يؤدي هذا الملف الى توقف الحرب سريعاً وحصول عملية تبادل ضخمة، حتى حركة حماس نفسها اعتبرت أن وجود الأسرى بيدها سيقدم لها ما يشبه الضمانة، لكيلا تتعرض غزة لكل ما تتعرض له اليوم، ولكن هذا المفهوم سقط عندما قررت “اسرائيل” خوض الحرب بشراسة، ولو كانت النتيجة قتل الأسرى “الاسرائيليين” وهو ما حصل، ومؤخراً خير دليل على ذلك حديث رئيس حكومة العدو نفسه الذي اعتبر أن البقاء في محور فيلادلفيا أهم من استعادة الأسرى.

ينبغي اليوم لفهم أسباب تمسك “اسرائيل” بالحرب، وفهم ما يجري داخل العقل “الاسرائيلي” إجراء تقييم وقراءة هادئة لكل الأحداث بعد طوفان الأقصى، فهذه العملية غيرت “اسرائيل” وجعلت وجودها على المحك، وبدلت المعادلات والمفاهيم، وبالتالي يجب فهم المسار الجديد للعدو الاسرائيلي ليقوم كل تحليل أو تقييم على أسس صحيحة.

محمد علوش-الديار

مقالات ذات صلة