انهيار غير مسبوق: “العدلية” في العتمة الكالحة تحقِّق مع وزير الطاقة ومدير الكهرباء!

في الممر المؤدي إلى النيابة العامة التمييزية، يجلس عدد من المواطنين والمحامين على المقاعد الخشبية، يحملون هواتفهم الخلوية للإضاءة، متنقلين من غرفة إلى أخرى بتبرمٍ وضيق، فيما يقف آخرون أمام النوافذ، استجداءً لنسمة هواء عابرة.

العدلية في الظلام
منذ أيام، والعتمة الكالحة تسطو على قصر عدل بيروت. هي المرحلة الأصعب الّتي يعيشها أهل القضاء منذ سنوات، وحتّى في عزّ الانهيار. كل أدوات العمل الحديث ومقوماته البديهيّة معطلة، من المصعد مرورًا بالتكييف وصولًا إلى الإنارة. وكل ذلك لأن كهرباء “الدولة” مقطوعة، والمولد الكهربائيّ متوقّفٌ عن العمل بحجة الصيانة. فيما تبقى العدالة والقضاء رهنًا لخيطٍ من شعاع الشمس يمرّ عبر النوافذ المغبرة.

في الطوابق السفلى، يتأبط عدد من المواطنين ملفاتهم، يتنقلون بين الطوابق بضجرٍ، ملامح الغضب تظهر بوضوح على وجوههم، يرددون الشتائم، ويتبادلون الحديث حول الوضع القضائي المتردي، ببساطة، لأن مقومات العمل الإداري لم تعد متوفرة في عدلية بيروت.

ويعاني العاملون في قصور العدل من انهيار غير مسبوق، ويعقّد عمل القضاة في متابعة ملفاتهم، ما دفع ببعض القضاة إلى ترك مكاتبهم بسبب عدم توفر التيار الكهربائي. مبنى قصر عدل بيروت بات مظلمًا بشكل كامل، ويحاول القضاة التفتيش على أساليب أخرى لإضاءة مكاتبهم، إما على نفقتهم الخاصة، أو من خلال تمديد تيار كهربائي من نظارة العدلية، على حساب إطفاء بعض المكيفات داخل غرف المساجين من أجل إضاءة غرف القضاة.

ميقاتي والتفتيش
وفي التفاصيل، كانت شركة كهرباء لبنان منذ ثلاثة أيام أعلنت عن انقطاع التيار الكهربائي عن جميع الأراضي اللبنانيّة بما في ذلك المرافق الأساسية، جراء نفاذ مادة الوقود، وبناءً عليه، اعتبر رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي أن إدارة مؤسسة كهرباء لبنان كان بامكانها تفادي هذه الأزمة.

وجاء في كتابٍ رسميّ حوّله للتفتيش المركزي والمدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار إن “مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء لم يبادر بالقيام بواجباته ولم يجتمع لاتخاذ القرارات اللازمة بغياب أي دعوة من رئيسه حتى تاريخ يوم الأحد الماضي 18 آب، وذلك بعد أن حصلت العتمة الكاملة وانفصلت الشبكة عن الخدمة ووقعت الأضرار..”. “وبعد أن تبيّن أن التقصير بعدم دعوة مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان للانعقاد أدى إلى وقوع أزمة كان من الممكن تفاديها، ما يقتضي مساءلة المسؤولين عنها منعًا لتكرارها..”، وطالب ميقاتي “إجراء التحقيقات اللازمة مع الأشخاص المعنيين بهذه المسألة، جميعهم من دون استثناء والإفادة وذلك في سبل ترتيب المسؤوليات القانونيّة بناءً على نتيجة هذه التحقيقات”.

وحسب مصادر قضائيّة لـ”المدن” فإن المدعي العام التمييزي تسلّم كتاب ميقاتي ويتجهز لفتح تحقيقات موسعة في هذا الملف، حيث سيتم تبليغ مجموعة من الأشخاص لحضور جلسات التحقيق.

وحسب معلومات “المدن” فقد حددت جلسة اليوم الثلاثاء 21 آب، لوزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال، وليد فياض، ولرئيس مجلس الإدارة في مؤسسة كهرباء لبنان، كمال حايك، وسيتم الاستماع إليهما في النيابة العامة التمييزية.

والحال، أنّه وفي ظلّ انسداد الأفق الحالي، والنزعة المعلنة لدى الجميع لتقاذف المسؤولية عن المتسبب في هذا الشلّل السوريالي، تبدو الحاجة الملحة للتذكير بالمسؤول الحقيقي والتاريخيّ عن هذه الأزمة، ما يعني أن التحقيقات يجب أن تطال جميع الذين تعاقبوا على تولي هذه الوزارة لسنواتٍ خلت.

المدن

مقالات ذات صلة