بين “إسرائيل الكبرى” و“إسرائيل العظمى”: حرب غزّة طويلة ستمتدّ لسنوات وستنتهي بفائز وخاسر!
في مراقبة مسار المفاوضات التي تُخاض من قبل دول عديدة للوصول إلى وقف الحرب على غزة، يبدو جليّاً استحالة الوصول إلى حلّ نهائي، سريع وقريب. المسألة لا ترتبط ببعض الشروط التفاوضية ولا بالخلاف حول المسارات، إنّما المشكلة الحقيقية في صراع بين مشروعين داخل إسرائيل. المشروع الأوّل هو “إسرائيل الكبرى” والمشروع الآخر هو “إسرائيل العظمى”.
تضمّ الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو 7 وزراء من أشرس الوزراء المطالبين بتوسيع المستوطنات وتهجير الفلسطينيين والسيطرة الإسرائيلية على أراضيهم.
تقول إحدى الشخصيات العاملة في المجال الدولي، والمتابعة لمسار جولات التفاوض لوقف إطلاق النار في غزة، لـ”أساس” إنّ “هذه الحرب طويلة وستمتدّ لسنوات ولا مجال لإيقافها، بغضّ النظر عن مستوى العمليات العسكرية الذي سينتقل تدرّجاً صعوداً وهبوطاً”. تضيف الشخصية التي تعتبر على تماسّ مباشر مع شخصيات مؤثّرة في جلسات التفاوض أن لا إمكانية للحديث عن وقف الحرب بوجود حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، بغضّ النظر عن تفاصيل التفاوض والأفكار المقترحة حول هدنة لأسابيع أو مراحل انتقالية لأنّ المشروع أبعد من ذلك بكثير، ويعود إلى فكرة إحياء إسرائيل الكبرى.
يستمدّ اليمين الإسرائيلي “إيمانه” بإسرائيل الكبرى من التوراة، حسب التفسير اليهودي للتوراة كما في سفر التكوين 15:18-21، حيث يذكر عهد الله مع إبراهيم: 18 فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَقَدَ اللهُ مِيثَاقاً مَعْ أَبْرَامَ قَائِلاً: “سَأُعْطِي نَسْلَكَ هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ وَادِي الْعَرِيشِ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. 19 أَرْضَ الْقَيْنِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ، وَالْقَدْمُونِيِّينَ 20 وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ 21 وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ”.
يرد في سفر التكوين أيضاً: “في ذلك اليوم قطع الربّ مع إبراهيم ميثاقاً قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات. حسب هذا الادّعاء، تشمل حدود أرض إسرائيل كلّ الأراضي المحتلّة عام 1948 والضفّة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان.
ترامب وإسرائيل الكبرى
في عام 2018، نشر موقع “بوليتيس” الروسيّ تقريراً يسلّط الضوء على مشروع “إسرائيل الكبرى”، الذي يهدف إلى تدمير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويورد التقرير أنّ ما يُسمّى مشروع “إسرائيل الكبرى” يعتبر حجر الزاوية في الأيديولوجية الصهيونية الفاعلة في حكومة بنيامين نتنياهو، وحزب “الليكود”، فضلاً عن المؤسّسات العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية.
يشير التقرير إلى أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يؤيّد مباشرةً المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، ويرفض قرار مجلس الأمن الدولي 2334 الذي ينزع الشرعية عن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلّة. ويضيف التقرير أنّه بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس والسماح بمزيد من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وافق الرئيس الأميركي على مشروع “إسرائيل الكبرى”، الذي صيغ وفقاً لخطّة عوديد ينون. ويلفت التقرير إلى أنّ المشروع الصهيوني يدعم الاستيطان اليهودي، وبالتالي مواصلة طرد العرب من فلسطين، وهو ما يسمح لإسرائيل بضمّ كلّ من الضفة الغربية وقطاع غزة.
يواجه هذا المشروع اليميني الإسرائيلي مشروعاً آخر انتهجه اليسار الإسرائيلي الذي كان موافقاً نسبياً على حلّ الدولتين، وتخلّى عن فكرة إسرائيل الكبرى مستبدلاً إيّاها بـ”إسرائيل العظمى”. وهي فكرة أطلقها أحد أبرز الزعماء الإسرائيليين شمعون بيريز. والمقصود بها التركيز على الدور الإسرائيلي الاقتصادي القائم على نسج علاقات مع دول المنطقة، وتكبير الدور والنفوذ بناء على التمدّد الاقتصادي والشراكات، وبذلك تضمن إسرائيل أمنها واستقرارها وريادتها في المنطقة من خلال تعزيز الشراكات الاستثمارية وعدم ترك أيّ مجالات للصراعات العنفيّة.
الضّفّة بعد غزّة
منذ حصول عملية طوفان الأقصى والحكومة الإسرائيلية تمارس عمليات تدمير ممنهجة لكلّ مقوّمات الحياة في القطاع، وذلك لتحقيق مشروع التهجير الموعود، ولذلك يجب عدم الاستخفاف بالتصريحات التي تصدر عن وزراء إسرائيليين مثل بن غفير وسموتريتش وغيرهما الذين يدعون إلى إقامة المستوطنات في غزة وإعادة احتلالها. وفي الأساس لم يخفِ الإسرائيليون في الأيام الأولى للحرب مآربهم عندما أشاروا إلى ضرورة تهجير سكان القطاع إلى مصر. لا يتوقّف المشروع عند حدود غزة، بل التركيز الأساسي هو على الضفة الغربية التي يطلق عليها الإسرائيليون “يهودا والسامرة”.
أيّ تفرّغ إسرائيلي من الحرب على غزة، سينقل الاهتمام والتركيز على الضفة الغربية، وقد استبق ذلك بإعلان المزيد من مشاريع الاستيطان فيها، بالإضافة إلى تكثيف العمليات العسكرية والأمنيّة، وسط معلومات عن تحضير إسرائيل لشنّ عملية عسكرية واسعة باتجاه مخيّم جنين واجتياحه برّياً، والتوسّع بعدها بالمزيد من العمليات إلى جانب التضييق الخانق على الفلسطينيين بهدف دفعهم إلى المغادرة. بعض المعطيات تشير أيضاً إلى رهان كبير لدى نتنياهو على أنّه بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية سيعترف له بضمّ الضفة الغربية.
في الخلاصة، هي حرب لن تنتهي بسهولة. أرادت حركة حماس شنّ عملية طوفان الأقصى لإحياء القضية الفلسطينية وإعلائها على المستويين الإقليمي والدولي. في المقابل أرادت إسرائيل من شنّ الحرب على غزة أن تسحق القضية الفلسطينية وتقضي عليها بالقضاء على غزة والانتقال إلى الضفة الغربية. إنّها حرب ستنتهي بفائز وخاسر، وبما أنّ محور الممانعة رفع شعار “منع هزيمة المقاومة” فلا بدّ من توقّع المزيد من التصعيد على مستوى المنطقة.
خالد البواب- اساس