الممانعة… جاؤوا لانقاذ السنوار فأنقذهم: هل يأتي الرد هزيلاً من باب نحن هنا!

لم يعد لأي رد انتقامي شكلي أو جدي من “حزب الله” أو ايران ضد اسرائيل، أي حماسة لدى بيئةٍ ممانعة مثخنة بالصدمات والخيبات، او أي هواجس لدى بيئة اسرائيلية – أميركية تعرف في كواليسها، أن ما يطلبه الامام خامنئي وحسن نصر الله ليس أكثر من وقف لاطلاق النار في غزة يسهم في انقاذ ما تبقى من ترسانة “حماس” ومن بقي من قادتها وما يمكن أن يحتفظ لها بدور في اليوم الذي يلي الحرب.

والواقع أن عامل الوقت الذي اعتبره نصر الله “سلاحاً نفسياً” يبقي الاسرائيليين على أعصابهم، لم يكن الا فرصة ثمينة سمحت للاسرائيليين باستكمال تحصيناتهم وللأميركيين باستكمال حشودهم، وللوسطاء بجوجلة المزيد من الاقتراحات والمخارج التي يمكن أن تخمد النار في غزة وتمنع حرباً شاملة لا يريدها الرئيس الاميركي جو بايدن قبل اسابيع من الانتخابات الرئاسية التي اتخذت شكل تنافس بين فريق لا يتعاطف كثيراً مع اسرائيل هو فريق الديموقرطية كامالا هاريس، وفريق لا يتعاطف أبداً مع ايران هو فريق الجمهوري دونالد ترامب.

والواقع أيضاً أن موضوع الأنفاق الذي سوّقه “حزب الله” سعياً الى ترهيب اسرائيل من جهة، وتعويم “الحس المقاوم” في بيئة بات أبناؤها طرائد يومية للمسيرات الاسرائيلية ومنازلها أهدافاً لصواريخها من جهة أخرى، تحول الى مادة اعلامية تفاوتت بين التشكيك والاستخفاف، ووضعت “حزب الله” في موقع الطرف المنشغل بحماية أفراده وأسلحته أكثر من حماية ناسه وأرزاقهم، والطرف الذي يحاول ترويع اسرائيل بسلاح لم يعد مستغرباً بالنسبة اليها بعد معارك الأنفاق التي خاضتها ولا تزال في غزة.

وقد يقول قائل، ان الرد الانتقامي اَت لا محال و سواء توصلت جولات الدوحة والقاهرة الى وقف لاطلاق النار في غزة أو لا، رافضاً فكرة “مرور الوقت” ومصراً على أن نصر الله لا يملك الا الرد اذا أراد فعلاً الاحتفاظ بأمرين: مصداقيته أولاً وثقة شعبه ثانياً.

وأضاف أن نصر الله لا يحتمل أن يكون أقل شراسة من يحيى السنوار الذي لا يزال يقاتل من موقع ضيق ومحاصر في رفح، ولا أقل شعبية منه هو الذي لا يزال يتلقى انتقادات متقطعة تأخذ عليه عدم استجابته للنداء الذي وجهه اليه محمد الضيف بعد قليل على انطلاق “طوفان الأقصى”، وهو الذي طالما صوّر نفسه في العالم العربي والاسلامي على أنه “صلاح الدين” الجديد ولو في معركة مختلفة وضد عدو مختلف.

مشكلة نصر الله، أنه أعطى لنفسه حجماً ضخماً لم يعد قادراً على الانسحاب منه حتى لو أراد ذلك، وأوهم الناس أنه أقام حصناً لا يمكن اختراقه، وألزم نفسه مهمةً مستحيلة هي ازالة الدولة اليهودية من الوجود من جهة، وزرع “الجمهوريات الاسلامية” حيث يستطيع سواء في الشرق الأوسط كما يحاول في لبنان أو في أوروبا كما حاول ويحاول في البوسنة وكوسوفو.

ومشكلة نصر الله أيضاً أنه رفع سقوفه الاستفزازية والتهويلية الى الحد الذي بات النزول منها أمراً يضعه بين شخصيتين: اما شخصية تختار الخطاب الهادئ وهذا ما لا يهضمه الممانعون، واما شخصية تختار الصمت وترك الأمور للميدان، وهما أمران يؤديان به الى خسارتين، الأولى وقعه الخطابي المستفز في الشارع الشيعي والممانع، والثاني موقعه في الميدان الذي ذهب اليه لمواجهة عدو ظن أنه يعرفه جيداً قبل أن تؤكد التداعيات أنه لا يعرفه أبداً.

وانطلاقاً من هذا المشهد نعود الى المربع الأول لنسأل: هل ما زال الرد الانتقامي وارداً، أو هل يمكن، في حال حدوثه، أن يروي غليل الذين يبكون ضحاياهم بدءاً من الجنوب، مروراً بسوريا والعراق وانتهاء بايران؟

مصدر ديبلوماسي غربي يعلق على هذا السؤال قائلاً: ان نصر الله سيرد ، فقط لأنه مضطر الى الرد كي لا يصل الى واقع يخسر فيه رفاقه من أمثال عماد مغنية وأبو طالب وفؤاد شكر، اضافة الى خسارة مشروعه الايديولوجي القائم على السلاح وليس على الاقناع.

لكن المصدر نفسه يسأل: هل يأتي الرد هزيلاً من باب نحن هنا، أم يأتي موجعاً الى الحد الذي يعيد تفجير جبهة غزة ويفجر جبهة لبنان ويجر ايران الى مواجهة لا تريدها مع حشد أميركي لم يعرفه العالم حتى في عز الحرب الباردة؟

نصرالله المتوجس من محيطه القريب والبعيد، ليس في موقع يحسد عليه، خصوصاً أنه ارتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبه في العام ٢٠٠٦ عندما استخف برئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت فكانت حرب تموز ومعها القرار ١٧٠١، أي الاستخفاف مجدداً برئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الذي أثبت أنه يملك من الجنون ما كان يملكه أدولف هتلر في الأمس وما يملكه فلاديمير بوتين أو دوناد ترامب اليوم.

ويقول مصدر قريب من أجواء الضاحية الجنوبية: ان نصر الله لا يزال يملك الفرصة لتحاشي أي خطأ آخر، داعياً اياه الى الاتعاظ مما أصاب ياسر عرفات في بيروت ذات حرب مباغتة، ومما يحدث على الجبهة الأوكرانية – الروسية حيث سقطت الخطوط الحمر وانقلبت موازين القوى الى الحد الذي لم تعد حتى روسيا العظمى أرضاً ممنوعة من الاختراق.

في اختصار، يجمع الكثير من المراقبين على أن المخرج الوحيد الذي يمكن أن يمنح “حزب الله” وايران مبرراً مقنعاً للجم الرد الانتقامي هو نجاح أميركا في الدوحة في اقناع نتنياهو بأن ما حققه في غزة يكفي لاعلانه “فائزاً” بالنقاط، واقناع السنوار بأن ما حققه يكفي لاعلانه “مهزوماً” بجدارة، مؤكدين أن غير ذلك لن يكون الا حرباً شاملة لن ترحم من يقاتل فوق الأرض أو تحتها.

كل شيء يتعلق الاَن بما يقرره السنوار الذي تحول من ضحية الى منقذ، حتى اذا أطلق الرهائن وغادر غزة، أنقذ “حزب الله” وايران من حرب لا يقويان على الانتصار فيها، واذا خالف ذلك جرهما اليها تحت شعار: وحدة المصير لا وحدة الساحات.
انطوني جعجع- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة