خلافٌ ساخنٌ بين حرس إيران وميليشياته: الحلفاء يتلقّون الضربات والقيادة الإيرانية تقرر وهي في مأمن”!
“مرحلة العضّ على الأصابع لم تعد مناسبة"
في حين تتوقّع دولة العدوّ إسرائيل هجوماً إيرانيّاً واسع النطاق في الأيام المقبلة حسب آخر تقويماتها الاستخبارية، كشف مصدر مطّلع عن “الحرس الثوري” الإيراني لـ”أساس” أنّ العاصمة الإيرانية شهدت اجتماعاً ساخناً بين مندوبي الفصائل الموالية لها بالمنطقة، ظهر فيه تباين حادّ تطوّر إلى تلاسن، وانتهى بانسحاب بعض مندوبي الحلفاء غاضبين من الاجتماع.
علّق المصدر على الاجتماع الذي انعقد تحت عنوان الردّ والردّ المُضادّ، وأكّد أنّ مندوبي الحرس الثوري أبلغوا الحلفاء أنّ عليهم أن يتريّثوا في الردّ، أقلّه حتى انتهاء المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة حول وقف إطلاق النار في غزة، التي دعا إليها ثلاثي الوساطة الذي يضمّ واشنطن والقاهرة والدوحة.
شارك في الاجتماع مندوبون عن الحزب وحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيّتين والأحزاب والفصائل العراقية والسورية المسلّحة والحوثيين اليمنيين، وكان مقرّراً للتنسيق بشأن الردّ على الهجمات الإسرائيلية على إيران وحلفائها، بما في ذلك الردّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” إسماعيل هنية في قلب طهران.
في المقابل، اعتبر مندوبو الحزب و”حماس” أنّ السبيل الوحيد للوصول إلى وقف النار في غزة والتهدئة في كلّ المنطقة هو فرض ذلك على إسرائيل بالقوّة، وأنّ من الضروري فتح كلّ الجبهات لإجبار تل أبيب على القبول.
“التّسوية الشّاملة” أقرب إلى المنال
يعتبر حلفاء إيران الآن أنّ الوقت ملائم لفتح كلّ الجبهات ومهاجمة إسرائيل بقوّة، والتصدّي لكلّ مَن يريد الدفاع عنها، بما في ذلك القوات الأميركية أو أيّ دولة عربية تساعدها على دعم تل أبيب، باعتبار أنّه مع رفع التكلفة إلى هذا الحدّ تصبح التسوية الشاملة أقرب إلى المنال.
على الرغم من ذلك كان الجانب الإيراني واضحاً في أنّ المضيّ في هذا السيناريو مغامرة كبيرة ستصبّ بنهاية المطاف في مصلحة إسرائيل لا الفلسطينيين أو “جبهة المقاومة”. لكنّ الحلفاء ردّوا بأنّ اللحظة مؤاتية من أجل شنّ عمليات واسعة وطويلة الأمد، واستهداف بنى تحتية وأهداف أمنيّة وعسكرية واقتصادية لجعل جميع الإسرائيليين يعيشون في الملاجئ مدّة طويلة، ويشعرون بما يشعر به سكّان غزة.
لكنّ الحزب مُصرّ على أنّه بعد استهداف ضاحية بيروت الجنوبية يجب استهداف حيفا وتل أبيب، لترسيخ معادلة حيفا وتل أبيب مقابل بيروت والضاحية الجنوبية، وأنّه يجب على الحزب أن يوسِّع بنك أهدافه إلى مدن إسرائيلية أخرى، حتى لو أدّى الأمر إلى إصابة المدنيين. إلا أنّ الإيرانيين اقترحوا التعامل مع إسرائيل “الندّ بالندّ”، أي إذا اغتالت شخصيات من محور المقاومة يجب الردّ على ذلك باغتيال شخصيات إسرائيلية.
اقتراح اغتيالات متفرّقة
من جهته قال مندوب “حماس” في الاجتماع إنّه إذا ما كانت إيران مستعدّة لتحمّل عواقب اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مقابل اغتيال هنية، فإنّ حركته تدعم هذه السياسة، وأمّا إذا كان هدف إيران اغتيال شخصيات أقلّ مستوى، فإنّ “حماس” غير موافقة “لأنّ نتنياهو لن يتأثّر باغتيال مثل هذه الشخصيات السياسية أو العسكرية أو العلمية ما دام ذلك سيُبقيه في السلطة”. وبيّن أنّ هذا الاقتراح واجه انتقادات حادّة من حلفاء إيران الذين قالوا إنّه يمكن القبول به كجزء من الهجوم الشامل الواسع النطاق لا أن يكون هو الردّ.
لكنّ مندوبي الحزب في الاجتماع حذّروا من أنّ “مرحلة العضّ على الأصابع لم تعد مناسبة، إذ تتخوّف قيادة الحزب من خروج بعض العناصر، أو حتى الكوادر، عن السيطرة وقيامهم بهجمات منفردة”.
من جهتهم، أيّد “الحوثيون” موقف الحزب، وتحوّل الأمر إلى جدل كبير، وهو ما دفع قادة “الحرس الثوري” إلى التلميح بأنّ القرار ليس بيدهم، فثار غضب الحلفاء أكثر “إذ اعتبروا أنّهم يتلقّون الضربات في حين تقرّر القيادة الإيرانية وهي في مأمن”.
الهجوم الشّامل لا التنسيق بشأنه
انتهى الأمر بخروج بعض مندوبي الحزب و”حماس” و”الحوثيين” من الاجتماع على أساس أنّهم جاؤوا إلى طهران بشأن “الهجوم الشامل لا التنسيق بشأن تأجيله”. وهناك تخوّف داخل قيادات “الحرس الثوري” من أنّ بعض هؤلاء يمكن أن يفتحوا بعض الجبهات “من دون التنسيق مع طهران ووضعها أمام الأمر الواقع، كما فعلت حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لكن بشكل أكبر بكثير”.
في هذا السياق يوضع كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عقب استقباله وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الذي زار بيروت في مستهلّ جولةٍ في المنطقة في إطار “الجهود الدبلوماسية من أجل خفْض التصعيد في المنطقة”. إذ بدا كلامه كأنّه مدجَّجٌ بأعلى درجاتِ القلقِ من آتٍ أعظم ضاقتْ إمكاناتُ تجنُّبه على مستوى لبنان والإقليم في ظلّ انطباعٍ بأنّ مفاوضاتِ وقف النار في غزة بالغة التعقيد على الرغم من الكلام الأميركي عن “بداية مشجّعة لها”. والأهمّ تعمُّد الحزب وطهران “فصْل المسارَيْن” بين مآلاتها وبين الردّ الحتمي “الحاصل حتماً”.
“… في هذه الفترة الصعبة التي نمرّ بها لا يمكن إلا أن نتحلّى بالصمت والصبر والصلاة”، عبارةٌ أطلقها ميقاتي أمس وتردّد “دويّها” في الأروقة التي كانت تضجّ باتّصالاتٍ وزياراتٍ لمسؤولين دوليّين لبيروت. وذلك في لحظةِ وقوف “بلاد الأرز” أمام منعطف ردٍّ آتٍ من الحزب وإيران على استهداف ضاحية بيروت الجنوبية وقلْب طهران، فيما المنطقة أمام مفترق سيحدّد اتجاهَ “كرة النار الفلسطينية” ومنسوب “الثأر” لاغتيال كلٍّ من رئيس أركان الحزب فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية… في ضوء نتائج مفاوضاتِ الهدنة في القطاع التي استؤنفت في الدوحة.
لبنان أمام الخطر… وسباق دبلوماسيّ على الرّدّ
حملت محادثاتُ سيجورنيه “تأكيد دعم فرنسا للبنان في هذه الأوقات التي نشعر فيها بالقلق، والعمل على تخفيف حدّة التصعيد”، مع تمنّيه “استمرار عدم التصعيد من الجانب اللبناني”، وتقديره “ضبط النفس في هذه الفترة الصعبة”، وتشديده على أنّ “ما يهمّنا في هذه المرحلة هو وقف النار في غزة”.
إذاً بين سطور محادثات وزير الخارجية الفرنسي وقبْله موفد جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأميركية، آموس هوكستين، قطبة مخفيّة تتّصل بالتمديد المرتقب نهاية الشهر الجاري لقوّة الطوارىء العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” وفق المشروع الفرنسي، وذلك في ضوء محاولةٍ إسرائيلية تبنّتْها واشنطن وفق ما رشح عن محادثات الموفد الأميركي في بيروت، ليكون التجديد الدوريّ لستّة أشهر فقط وليس سنة كما هي العادة منذ إنشائها في 1978 قبل أن تتمّ زيادة عديدها وجعْلها “حارسة” لتطبيق القرار 1701 مع الجيش اللبناني عقب حرب تموز 2006.
وإذ قال سيجورنيه: “ندعم عمل اليونيفيل وعمِلْنا ونعمل في إطار محادثاتٍ لضمان تجديد ولايتها لمدّة 12 شهراً، وهذا هو العمل الذي نعمل من أجله في الأمم المتحدة حالياً”، شدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري على أنّ لبنان “حريص على التمديد لليونيفيل وفق الـ 1701″، قبل أن يكشف وزير الخارجية عبدالله بو حبيب أنّ “هناك نوعاً من إجماعٍ على التجديد لليونيفيل بصيغة العام الماضي نفسها، وكان الأميركيون طلبوا التجديد لستّة أشهر، لكن تمّ حّل هذا الموضوع مع هوكستين ليكون 12 شهراً”، علماً أنّ الجميع يسلّمون بأنّ القرار 1701 سيكون الناظم لـ “اليوم التالي” على جبهة لبنان بالتوازي مع أيّ حلٍّ لحرب غزة.
رسائل الحزب
برز تَعَمُّد الحزب توجيه رسالتين بارزتيْن تقاطعتا عند أنّ ردّ الحزب وإيران على اغتيال شكر وهنية آتٍ:
– الأولى بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الذي هاجم في حديث عبر قناة “المنار” هوكستين وزيارته، واصفاً إيّاها بأنّها “استعراضية، ولا يحمل شيئاً ولا توجد مقترحات أميركية محدّدة”، معلناً أنّ “الأميركيين يريدون القول إنّهم يتحرّكون، لكن في فراغ من دون مشروع حتى الآن”.
في كلمة له خلال احتفال تأبيني، بلْور قاسم بوضوح مسألة الردّ الحتمي، متحدّثاً عن 3 مسارات:
1ـ الأول استمرارُ العدوان على غزة، وهذا يستدعي أن تستمرّ جبهات المساندة.
2ـ والثاني وقف النار، وقلنا مراراً إنّه إذا توقّف إطلاق النار في القطاع تتوقّف جبهات المساندة من دون الحاجة إلى نقاش.
3ـ أمّا المسار الثالث فهو الردّ على اغتيال القائد شكر والقائد هنية، وهذا الردّ له مساره وخطّته، وهو منفصل تماماً عن مسارَيْ استمرار جبهات المساندة ووقف النار، أي أنّ الردّ سيحصل.
إقرأ أيضاً: اتّصالات أميركا-إيران تمدّد “العقاب الانتظاريّ” للبنان
– الثانية حملها بيان “الحزب” لمناسبة الذكرى السنوية الثامنة عشرة “لانتصار تموز 2006″، حيث أعلن أنّه “اليوم وعلى عتبة التحوّلات التاريخية الكبرى في المنطقة التي كانت شرارتها عملية طوفان الأقصى المظفّرة، فإنّ المقاومة الإسلامية في لبنان تؤكّد أنّها لا تزال ملتزمة بثوابتها بشكل قاطع ونهائي، ومعها كلّ جبهات الإسناد في محور المقاومة، بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم ومنع العدوّ من تحقيق أهدافه”.
شدّد البيان على أنّ المقاومة ستواصل بكلّ شجاعة وحكمة وبكلّ ما أوتيت من قوّة ومقدّرات وما تملك من مفاجآت الدفاع عن لبنان، وإنّ ما تعِد به تفيه حقّه أحسن الوفاء. والله على ما تقول شهيد”.
ايمن جزيني- اساس