من غزة إلى الضفة فلبنان… حرب لمواجهة “إسرائيل المتوسعة”… وردّ الحزب قد يكون قريباً
في لبنان، سؤال وحيد يطرح نفسه ربطاً بتطورات الوضع في غزة. هل هناك إمكانية جدية للوصول إلى إتفاق وقف لإطلاق النار؟ وبحال حصل ذلك هل سينسحب على لبنان أم أن وقف الإسرائيليين لعملياتهم العسكرية في القطاع سيدفعهم إلى تكثيف عملياتهم العسكرية ضد حزب الله؟
تنشغل الدوائر السياسية والديبلوماسية بالبحث عن إجابات على هذا السؤال ولكن قبلها، هناك مسارات متعددة من القراءات والتساؤلات، تتعلّق بالوضع الفلسطيني والذي أصبح أبعد بكثير من مجرّد حرب إسرائيلية ضد حركة حماس، بل الحرب هي ضد الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، خصوصاً في ظل إصرار الحكومة الإسرائيلية على التهجير والتجزير وتدمير كل مقومات الحياة.
هذا المسار الذي تسلكه حكومة بنيامين نتنياهو مع الإصرار على رفض البحث في اليوم التالي لما بعد الحرب، والتمسك الفلسطيني في إدارة القطاع. المسار نفسه ينطبق على المخططات الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية والتي يمكن أن يتوسع فيها حجم العمليات الأمنية والعسكرية بدافع حجب أي أمان عن الفلسطينيين وإبعادهم عن حقوقهم الطبيعية، ولا تخفي هذه الحكومة اليمينية نزعتها الإستيطانية فستبقى مصرّة على مخطط توسيع المستوطنات وتهجير الفلسطينيين تمهيداً لضم الضفة، وهي تستفيد من كل الوقائع السياسية الخارجية، العربية والدولية لتحقيق ذلك، وسط رهان لدى نتنياهو على إنتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية ليعترف بعملية الضمّ ويكون داعماً لإسرائيل في ذلك.
بعض ما يتسرب في الأوساط الأميركية أن نتنياهو يراهن بكل قواه على انتخاب ترامب، والأخير قد دعمه في استمرار حربه مع مطالبته بالتخفيف من حجم المجازر، على أن ينتهي عسكرياً من الحرب على غزة قبل أن يدخل ترامب إلى المكتب البيضاوي في حال فاز في الإنتخابات، وفي حال صدق هذا الكلام يعني أن نتنياهو سيستفيد من كل الظروف الحالية، وأولها ضعف الإدارة الأميركية، وانعدام قدرتها حتى الآن على فرض وقف إطلاق النار عليه وإرغامه على إنهاء الحرب. ثانيها، غياب أي مشروع عربي حقيقي قادر على لجم الإسرائيليين عن المضي في مخططاتهم، علماً أن هذه المخططات لا تقف عند حدود غزة، بل ستطال مصر والأردن في أبعادها خصوصاً بالنظر إلى مسألة التهجير. ثالثاً، غياب أي مشروع سياسي فلسطيني متكامل يقوم على تقديم رؤية واضحة المعالم بالمعاني، السياسية، الإجتماعية، العسكرية والأمنية بشكل يقطع الطريق على أي فرقة فلسطينية أو صراعات بين الفصائل او تباعد بين محاور.
لا رغبة دولية بالحرب
كل ما يجري يؤكد أن التركيز الإسرائيلي سينصبّ في المرحلة المقبلة على الضفة وتحقيق المشروع الطموح لحكومة نتنياهو اليمينية، وهي أهم بالنسبة لهم من التفرغ لجبهة لبنان أو الإنخراط في حرب واسعة ضد حزب الله، لذلك فإن كل المسارات الديبلوماسية التي تحاول أميركا أن تفرضها على إسرائيل في غزة ولا تجد طريقها إلى التطبيق، فمن الممكن الوصول إليها في لبنان طالما أن لا رغبة دولية في اندلاع حرب إقليمية، وهو ما يلتقي عليه الأميركيون، الإيرانيون والقوى الأخرى.
بالتأكيد أن جانب أساسي من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، واستمرارها وتدرجها على مراحل متعددة من أسبوع لآخر، يهدف إلى تأخير إيران وصولاً إلى منعها من الردّ على استهداف طهران، بالإضافة إلى إلغاء مفاعيل أي ضربة سيوجهها حزب الله رداً على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت. وفي حال حصلت هذه الضربة تكون هناك قدرة إسرائيلية على هضمها من دون تداعيات عسكرية واسعة. بالتأكيد أيضاً أن هناك تحديات حقيقية يواجهها الإسرائيليون في المستوطنات الشمالية وعلى الحدود مع لبنان، خصوصاً أن حزب الله لا يزال يوجه ضربات ويستعرض قوته ويهجّر المستوطنين، وذلك يفرض على الإسرائيليين في أي إتفاق ديبلوماسي لوقف النار أن يحصل على ضمانات بعيدة المدى حول عدم قيام حزب الله بأي عملية عسكرية، وبالتالي، ضمان استقرار طويل الأمد، والذي بحال لم يتوفر فإن المواجهات ستكون طويلة وغير معروفة المسار والنتائج.
اسرائيل المتوسعة
حزب الله يراقب مسار المفاوضات، ويعتبرها ذات بعد تسويفي بهدف إلغاء ردّه وردّ إيران. هو في الأساس كان قد أجّل الردّ كي لا يُتهم بأنه عمل على عرقلة المفاوضات التي عقدت في 15 آب؛ أما وقد تأجلت المفاوضات، ولم ير فيها الحزب أي مسلك جدّي لوقف الحرب من قبل نتنياهو، وفي ظل مواصلة اتهامه للأميركيين بأنهم يعملون على كسب الوقت، فإن ردّه قد يكون قريباً لا سيما بعد نشره لفيديو “عماد 4” مع كل ما يحمله من رسائل ومضامين، وبالتالي لا بد مجدداً من مراقبة الردّ بحجمه ونتائجه وماهية ردّ الفعل الإسرائيلي وإذا كان ذلك سيفتح مرحلة عسكرية جديدة على مستوى المنطقة. وفي السياق، لا يمكن إغفال معادلة أساسية يرفعها حزب الله بأنه لن يسمح بهزيمة حماس عسكرياً لأنه يعتبر أن تحقيق الإسرائيليين لذلك سيدفعهم إلى شنّ حرب ضد الحزب لتحقيق نفس الأهداف، وهو ما تحدث أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عن مواجهته على مستوى المنطقة لعدم تغيير موازين القوى ولا الوجهة الإستراتيجية التي تتيح لإسرائيل أن تدعي أنها الدولة الأقوى أو انها سلكت طريق تحقيق “إسرائيل المتوسعة”.
منير الربيع- المدن