“الدوحة” “استراحة محارب” مطلوبة في شدة… استعداداً لجولة جديدة حاسمة وأخيرة!

أميركا تنتفض… مَن يخترق روسيا يخترق لبنان!

هل كان يمكن للجيش الأوكراني اقتحام الأراضي الروسية في منطقة كورسك من دون ضوء أخضر أميركي، والانتقال من موقع الدفاع المتقهقر الى موقع الهجوم الكاسح بأسلحة متطورة خرجت حديثاً من ترسانات حلف الأطلسي؟

الجواب طبعاً لا، خصوصاً أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يعرف أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تجر نظيره الروسي فلاديمير بوتين الى ردود فعل مجنونة قد تصل الى حدود حرب واسعة تطاول القارة الأوروبية كلها.

والسؤال لماذا الآن؟

والجواب أيضاً ينقسم الى سببين: الأول أن أميركا تسعى الى اقامة توازن قوى على الجبهة الروسية- الأوكرانية وحمل الكرملين على الاختيار بين صلح متوازن ومكابرات قد تؤدي الى حرب عالمية، والثاني أن ادارة الرئيس جو بايدن تحاول الوصول الى الانتخابات الرئاسية وفي جعبتها أمران: الأول استعادة قوة الردع الأميركية، بعد سلسلة انكفاءات أبرزها ما واكب الانسحاب العسكري من أفغانستان، والثاني إحراج المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي طالما اتخذ مواقف فوقية وغير مطمئنة حيال حلفائه في أوروبا وحلف الأطلسي.

وثمة أمر آخر ما وراء معركة كورسك، وهو أن أميركا أرادت إفهام موسكو أنها لن تتردد في خوض حرب مباشرة معها اذا لم تذهب الى حل سلمي مع كييف، وتتوقف عن ترهيب أوروبا، وإفهام الصين أن أي غزو لجزيرة تايوان لن يمر من دون تدخل أميركي مباشر، وإفهام كوريا الشمالية التي حشدت قوة نارية هائلة قبالة جارتها الجنوبية، أن سيول ومعها طوكيو تمثلان خطاً أحمر لا يحتمل أي خرق من أي نوع.

لكن في هذا التطور الخطير على الجبهة الروسية- الأوكرانية أمر آخر يتمثل في أن الأميركيين انتقلوا من حرب “الديبلوماسية الهادئة” الى حرب المواجهات المباشرة ولو من ضمن ضوابط مدروسة، وهو تطور قد ينتقل الى الشرق الأوسط في أي لحظة، وتحديداً الى كل من ايران ولبنان.

وفي معنى أوضح، يقول مصدر ديبلوماسي غربي: اذا كان اقتحام روسيا أمراً ممكناً ومسموحاً، فلماذا يكون ضرب المنشآت النووية والعسكرية الايرانية أمراً محظوراً؟ ولماذا يكون اقتحام الجنوب اللبناني أمراً ممنوعاً أو مستبعداً؟

ويضيف المصدر نفسه: ان هذا الحشد العسكري الأميركي الهائل في الشرق الأوسط، ليس مجرد عرض تهويلي بل قرار جدي اتخذته ادارة بايدن في محاولة لنصرة اسرائيل أولاً، وإفهام طهران و”حزب الله” أن كل المحظورات السابقة قد تسقط في لحظة اذا تجاوزا الخطوط الحمر في الصراع مع الدولة العبرية، مشيراً الى أن الامام خامنئي وحسن نصر الله تلقيا رسائل من مصادر عدة تفيد بأن ما كان يحدث في الأمس من مناوشات وتحديات لم يعد يصلح اليوم، فاما التراجع حتى شمال الليطاني والبدء بمفاوضات ترسيم الحدود وفتح كل الملفات العالقة، اضافة الى وقف البرنامج النووي الايراني، واما الحرب الشاملة.

لا حل في الوسط، يقول المراقبون، الا دخان أبيض قد يخرج من مفاوضات الدوحة، وهي المفاوضات التي يسعى فيها محور الممانعة الى مخرج يحفظ ماء الوجه ويمنحه سبباً معقولاً لوقف الهجوم الانتقامي الواسع على اسرائيل، والتي يسعى بنيامين نتنياهو الى واقع يكرّس “انتصاره” الكامل في غزة من خلال استعادة رهائنه من جهة وتجريد “حماس” من أسلحتها وقادتها من جهة ثانية، تمهيداً للانصراف الى معركته الحاسمة مع “حزب الله” في لبنان.

والسؤال هنا، هل يمكن أن يحصل نتنياهو على هذا الواقع بهذه السهولة؟ الجواب: نعم اذا كان محور الممانعة على يقين بأن الحرب مع الأميركيين والاسرائيليين معاً، في وقت تنشغل روسيا بمعركتها الحرجة في كورسك، ستكون حرباً انتحارية لا محالة. والجواب لا اذا كان يعتقد أن الحرب الشاملة لا بد من أن تشكل مدخلاً الى مفاوضات مباشرة تنتج تسويات تعطي تل أبيب الأمن الذي تحتاج اليه، وتعطي ايران الدور الذي تتطلع اليه، وهو ما يفسر دخول الايرانيين ولو من بعيد، على خط المفاوضات الجارية في الدوحة.

لا شك في أن الفريقين يسعيان الى تجنب الحرب الشاملة، الأميركيون لأنهم يراهنون على أن وقف الحرب في غزة يمكن أن يخمد النار المشتعلة في المنطقة، والايرانيون لأنهم يعرفون أن انقاذ غزة لم يعد ممكناً وأن أي حرب غير متكافئة على “حزب الله” ستعني تفكك الهلال الممتد من طهران الى البحر المتوسط تدريجاً.

ونقل عن مصدر قريب من خط الممانعة قوله: عن أي حرب تتحدث ايران وهي التي تعرف أن حرب الصواريخ التي تلوح بها يمكن أن تدمر حائطاً في اسرائيل في حين أن قنبلة أميركية أو اسرائيلية يمكن أن تدمر حياً عن آخره؟ مشيراً الى أن تجربة نيسان الصاروخية أبرزت حجم الخلل في موازين القوى بين الفريقين. وأضاف: على الايرانيين أن يقرأوا جيداً ما حدث في كورسك، معتبراً أن الأميركي الذي لم يتوانَ عن تحدي روسيا لن يتوانى عن تحدي ايران، وأن الأميركي الذي أعطى اسرائيل الضوء الأخضر لاجتياح لبنان في العام ١٩٨٢، لن يتوانى عن ذلك مرة جديدة في العام ٢٠٢٤.

انها مسألة توقيع من “حماس” على “هزيمة” غير معلنة يطلق فيها من تبقى من الرهائن ويبعد يحيى السنوار الى الخارج، ومسألة توقيع من نتنياهو على “نصر” غير كامل في غزة قد يطلق يديه في معركته مع “حزب الله”، ومسألة توقيع من الفريقين على أحادية أميركا في المنطقة،، وما دون ذلك ليس الا ضرباً في الهواء لا يمكن أن ينتهي الا بحرب حاسمة تعيد ايران الى رشدها واسرائيل الى حدودها وأميركا الى قواعدها.

انها في اختصار مواجهة ديبلوماسية في الدوحة لا تسعى الى وقف الحرب في المطلق، بل الى “استراحة محارب” مطلوبة في شدة استعداداً لجولة أخرى يريدها الجميع حاسمة وأخيرة.

انطوني جعجع- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة