هل صحيح إمكانية إغراء “الحزب” بتكريس نفوذه الداخلي… مقابل التسويات المطلوبة؟
هل هناك فرصة لإنهاء أزمة لبنان؟
يميل عدد من الباحثين إلى الاعتقاد بأن حرب غزة لن تنتهي إلا بتحوّل جديد وتاريخي في الملف الفلسطيني. وفي أي حال، الطرفان المعنيان يعملان في هذا الاتجاه، ولا يرغب أي منهما في وقف الحرب إلا بعد أن يحقق نتائج حاسمة عسكرياً وسياسياً.
في الأساس، خططت “حماس” لتكون عملية “طوفان الأقصى” سبيلاً إلى إخراج الملف الفلسطيني جموده. لكن بنيامين نتنياهو تلقف الفرصة إياها ليجعل هذا التحول في مصلحة إسرائيل. ولذلك، هو اليوم لا يريد وقف الحرب في أي شكل. فقد يتحقق الاتفاق لوقف النار وتبادل الرهائن في الدوحة أو يتعطل. ولكن، في الحالين، يتعاطى نتنياهو مع المفاوضات باعتبارها مجرد محطة في الحرب الطويلة الأمد، والرامية إلى التخلص تماماً من أعباء الملف الفلسطيني.
وفي الواقع، استطاعت إسرائيل منذ قيامها دفع الفلسطينيين إلى تقديم التنازلات القاسية، إذ تعرض عليهم، في كل مرة، تسويات مجحفة لا يستطيعون قبولها، بدءاً بقرار تقسيم فلسطين الذي بات يمثل اليوم حلماً فلسطينياً يستحيل بلوغه… وانتهاء باتفاق أوسلو الذي يتعرض تدريجاً للتذويب.
ما يريده نتنياهو اليوم من حرب غزة هو أن تكون محطة أخرى في المسار الهادف إلى إنهاء القضية الفلسطينية. وفي تقديره أن القضاء على “حماس” يعني زوال آخر طرف فلسطيني يحمل السلاح، وزوال آخر بقعة يتمتع فيها الفلسطينيون بهامش من الحركة. فإذا انهزمت “حماس” تماماً وزالت خصوصية غزة، يصبح سهلاً على إسرائيل أن تُصفّي الملف الفلسطيني، ذلك أن الضفة الغربية تتعرض أساساً لعملية قضم وتذويب ممنهجة بالمستوطنات، ويُستخدم فيها عنصر الاستقواء الأمني والمالي والتلاعب الإداري.
نتيجة الضربات القاسية التي تتلقاها، باتت “حماس” اليوم في موقع ضعيف. ولذلك، يشعر الإسرائيليون بفائض القوة في اجتماعات الدوحة. والتسوية المحتملة هناك تبدو محصورة بالطرح الذي تقدَّم به نتنياهو. وليس أمام “حماس” سوى أن توافق عليها أو لا توافق. وفي أي حال، إن غيابها عن الاجتماعات يؤشر إلى استيائها من المناخات التي تسيطر عليها. والمرحلة المقبلة ستشهد على الأرجح إصراراً إسرائيلياً على استمرار الحرب في غزة حتى النهاية. والأخطر هو أن تقوم إسرائيل بتفجير ملف الضفة الغربية على مصراعيه، بعد إقفال ملف غزة، لتفرض خياراتها على المفاوض الفلسطيني، سواء كان “حماس” أو السلطة الفلسطينية.
ليس متوقعاً أن تنتهي حرب غزة إلا باتفاق جديد بين إسرائيل والفلسطينيين. ويرجَّح أن يشكل هذا الاتفاق انتكاسة أو انهزاماً فلسطينياً جديداً، لأن “حماس” خسرت الحرب فيما السلطة الفلسطينية لم تربح غزة، أي إن أي تسوية مرتقبة خلال حرب غزة ستخفض السقف الفلسطيني مرة أخرى إلى ما دون أوسلو، الذي هو في الأساس موضع اعتراض العديد من القوى الفلسطينية. وهذه التسوية ستترك انعكاساتها على أزمات الشرق الأوسط كلها، من لبنان إلى سوريا والعراق فاليمن. كما ستفرض معطيات جديدة على وضع إيران ونفوذها الإقليمي.
كثيرون يعتقدون أن إسرائيل لن تفوت الفرصة السانحة في غزة و”الستاتيكو” المريح في المواجهة مع إيران، من دون أن تضمن استمرار الأمن على حدودها الشمالية أيضاً. ومنذ أن نفذت “حماس” صدمة “طوفان الأقصى”، بحجمها الاستثنائي، يدور نقاش ساخن في إسرائيل حول السبيل الأفضل لتجنب تنفيذ “حزب الله” صدمة مماثلة في أي لحظة، اليوم أو بعد شهور أو سنوات. وهناك توافق بين القوى السياسية الإسرائيلية على وجوب توفير الضمانة الأمنية للشمال، إما بإقناع “حزب الله” ديبلوماسياً، وإما بفرض هذا الخيار عسكرياً. وليس متوقعاً أن تنهي إسرائيل مشكلتها في غزة إلا في موازاة حل مشكلتها في الجنوب اللبناني.
هذا يعني أن اتفاقاً سيحصل حتماً بين إسرائيل ولبنان، بالحرب الواسعة أو من دونها. وهذا الاتفاق سيحدد دور “الحزب” في الجنوب، ووظيفة سلاحه في المواجهة مع إسرائيل. أي إن هذا الاتفاق سيحدد في شكل غير مباشر موقع “حزب الله” في المعادلة اللبنانية الداخلية. ويفترض أن يقود إلى انفراج في العلاقة بينه وبين سائر المكونات السياسية والطائفية في لبنان، وبينه وبين القوى الإقليمية والدولية التي يتصارع معها اليوم.
إذا تحقق ذلك، سيسلك لبنان طريق الانفراج السياسي والأمني والاقتصادي، لأن الانهيار الذي يعانيه البلد منذ 5 سنوات على الأقل مرده إلى الضغوط التي تمارسها القوى الدولية والعربية على “الحزب”.
فهل هناك فعلاً فرصة لانتهاء أزمة لبنان، في موازاة التسوية في غزة؟ وهل صحيح أن القوى الفاعلة قد لا تمانع في إغراء “حزب الله” بتكريس نفوذه الداخلي، مقابل أن يمشي في طريق التسويات المطلوبة؟ وهل يبرم “الحزب” صفقة من هذا النوع، أم يماطل من جديد، انتظاراً لظروف أفضل؟
طوني عيسى- الجمهورية