لمن “النهاية السعيدة وكعكة التسوية”: من يحكم لبنان “دولة” إيران أم “دويلة” لبنان؟؟
قررت أميركا فصل حرب غزة عن حرب جنوب لبنان، لذلك انتدبت موفدين اثنين ليتولى كل منهماً ملفاً منفصلاً عن ملف واختصاص الموفد الثاني.
بريت ماكغورك، المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، كلّف بملف حرب غزة لذلك سيتوجه إلى حيث ستعقد مفاضات غزة، إما في القاهرة أو في الدوحة، فيما توجه آموس هوكشتاين، مستشار الرئيس جو بايدن إلى لبنان، ومنه يتوقع أن يزور إسرائيل للترويج لصفقة لملمة الحرب المشتعلة في لبنان بين إسرائيل ومحور حزب إيران.
فصل مسار الحربين في غزة وجنوب لبنان عن بعضهما البعض يوحي بأنّ تسوية تبادل الرهائن بين حركة حماس وإسرائيل صارت شبه جاهزة، إذا لم تتعرض لأي انتكاسة، كما يوحي وجهها الآخر بعدم نجاح ربطها بوقف حرب جنوب لبنان وفق ما كان قد طلبه حزب إيران.
في هذا الصدد، ذكرت صحيفة الأخبار التي تدور في فلك حزب إيران أنه “كما في كل الجولات السابقة، أشاع الأميركيون، بمساعدة الوسطاء العرب وأطراف أخرى، بأنّ الصفقة لوقف إطلاق النار في غزة باتت جاهزة، وأنّ الجهود هذه المرة تختلف عن كل ما جرى سابقاً، وسيُعلن قريباً عن (النهاية السعيدة).”
ولكن نهاية سعيدة لمن؟ لإسرائيل أم لحزب إيران؟ هذا هو السؤال الذي لا يتضمن شقاً متعلقاً بحصة لبنان من كعكة التسوية، ربما لأنّ “دويلة” لبنان التي تسيطر على توجهاتها “دولة” إيران لا دور لها في مجرى الأمور على أرضها التي تحوّل جزء كبير منها إلى ساحة مستباحة.
يُذكر أنّ ماكغورك متخصص في الشؤون الإيرانية وأنجز في العام 2016 تسوية الإفراج عن أربعة سجناء أمريكيين من سجن إيفين في طهران.
أما الموفد الثاني المتخصص في الشأن اللبناني، أي الأميركي-الإسرائيلي هوكشتاين، فنقلت عنه الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية قوله إثر اجتماعه إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري: إنّ “الصراع بين حزب الله وإسرائيل طال أمده”، مشدداً على “وجوب وضع حلول ديبلوماسية”.
ورأى أنّ “التوصل إلى حل ديبلوماسي أمر طارئ”، مؤكّداً على ضرورة “تهدئة الوضع عند الحدود بين لبنان وإسرائيل”.
وبعد اجتماعه إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بحضور وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، قال هوكشتاين “إنّ العمل يجري على مختلف المستويات الديبلوماسية وفي كل العواصم لإنجاح الحل الديبلوماسي الذي دعا إليه الرئيسان الأميركي والمصري وأمير قطر، وستتم مناقشته في اجتماعات الدوحة التي تبدأ غداً وستستمر أياماً عدة”.
بغض النظر عن مضمون المبادرة التي يحملها هوكشتاين، فإنها تعني إسرائيل وإيران ولا جدوى منها للبنان استناداً إلى تجربتنا السابقة مع الوسيط الأميركي-الإسرائيلي الذي “منح” جزءاً من ثروتنا الغازية في بحرنا لإسرائيل وإيران، وأوكل تحصيل حصة إسرائيل لفرنسا عبر شركة توتال وحصة إيران لحزبها في لبنان الذي أعطي دور ضابط قواعد ارتزاق “العدوين” المنتصرين… على لبنان.
يأتي فصل أميركا وشركائها، العرب وغير العرب، لملفي التفاوض على مستقبل حربي غزة وجنوب لبنان بعدما تبلورت قناعة لدى المعنيين بأن إيران، الفاشلة في الرد على الإغتيال بإغتيال، قد تلجأ إلى أسلوبها العشوائي في مهاجمة إسرائيل رداً على إغتيال إسماعيل هنية ما يدفع إسرائيل إلى رد شرس في إتجاهات متعددة يؤدي إلى حرب تشعل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتهدد أوروبا ومصالح الغرب في المنطقة.
الإنتقام، تعريفاً، هو الرد على الإعتداء بإعتداء “مماثل”، أي الرد على الإغتيال بإغتيال والرد على تدمير هدف بتدمير هدف.
ولكن من اغتالت إيران رداً على اغتيال إسرائيل للعديد من قيادييها وخبرائها النوويين؟ وأبرزهم:
– مسعود علي محمدي، أستاذ مادة فيزياء الطاقة العالية أو فيزياء الجسيمات، في جامعة طهران قتله الذي قتله انفجار دراجة آلية لدى خروجه من منزله بالعاصمة الإيرانية في كانون الثاني 2010.
– مؤسس الجمعية النووية الإيرانية مجيد شهرياري الذي قتل في تشرين الثاني 2010 بانفجار قنبلة ألصقت بسيارته في طهران، كما أصيب في اليوم نفسه العالم النووي فريدون عباسي بجروح في هجوم مماثل، ولم يعرف مصيره بعد إصابته.
– العالم النووي داريوش رضائي نجاد قتل في تموز العام 2011 برصاص أطلقه راكب خلفي على دراجة آلية مسرعة في أحد شوارع طهران الرئيسية.
– الجنرال في الحرس الثوري الإيراني حسن طهراني مقدم الذي قتل بانفجار مستودع ذخيرة في ضاحية طهران في تشرين الثاني 2011.
– العالم النووي مصطفى أحمدي روشان، من طاقم موقع نطنز النووي، وقتل في كانون الثاني العام 2012 بانفجار قنبلة ألصقت بسيارته قرب جامعة في شرق إيران.
– قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني قتل في كانون الثاني العام 2020 في مطار بغداد، بمسيرة أميركية تم توجيهها بالأقمار الإصطناعية.
– العالم النووي محسن فخري زادة، نائب وزير الدفاع ورئيس مجلس إدارة منظمة الأبحاث والإبداع (النووي)، وقتل بإطلاق النار عليه من سلاح متطور على طريق فرعي بإحدى ضواحي طهران في تشرين الثاني العام 2020 .
– العقيد في الحرس الثوري صياد خدايي الذي قتل برصاص أطلقه راكب خلفي على دراجة آلية في طهران أثناء عودته إلى منزله في أيار العام 2022.
ما سلف هو غيض من فيض الإغتيالات التي طاولت شخصيات إيرانية بارزة واتهمت طهران إسرائيل بتنفيذ غالبيتها وأميركا بالمشاركة في بعضها، وذلك من دون أن تردّ الجمهورية الإسلامية على أي منها بالمثل، أي باغتيال، ما يثبت عجزها عن مواجهة إسرائيل بالمثل.
وفي الأول من أيار الماضي أغار الطيران الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق ما أسفر عن مقتل 16 شخصاً، من بينهم الجنرال محمد رضا زاهدي أرفع ضابط إيراني في سوريا ومعه سبعة من رفاق السلاح في فيلق القدس، وأيضاً لم ترد إيران بالمثل انتقاماً لأي منهم، كما لم تشارك سوريا في حرب المشاغلة بناء على تعليمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يتوافق مع المجتمع الدولي على رفض قبول إيران عضواً جديداً في النادي النووي كي لا يفتح الباب أمام دعم الغرب لتحويل أوكرانيا إلى قوة نووية.
ما يطرح سؤالاً يتردد في مراكز الدراسات الإستراتيجية: هل توافقت أميركا وأوروبا وروسيا وإسرائيل، مع عدم ممانعة عربية، على “تحييد” برنامج إيران النووي قبل أن تتحول دولة المرشد إلى “رايخ الولي الفقيه” نسبة إلى الرايخ النازي في حقبة هتلر الذي تمت هزيمته قبل أن يكمل برنامج إنتاج قنبلة نووية؟
أم هل يوجد توجه إلى مقايضة تجرّد إيران بموجبها طوعاً برنامجها النووي من أي أسرار وتحوّله إلى برنامج نووي سلمي شفاف بإشراف دقيق للوكالة الدولية للطاقة الذرية لقاء احتفاظ طهران بمكتسباتها في لبنان وسوريا والعراق؟
وما هي الضمانات، كي لا نقول التعويضات، التي ستعطى للشرائح الرافضة لسيطرة أذرع إيران على جميع مقدرات الدولة اللبنانية بما فيها جميع المرافئ والمطار المدني الوحيد (مطار رفيق الحريري) عبر صلاحية وزير الوصاية علي حمية الذي قال صراحة لموقع العهد الإخباري التابع لحزب إيران: “أنا أفتخر بأني أمثل حزب الله في الحكومة وأنا وزير لكل الشعب اللبناني”.
القوى الرافضة لسيطرة محور إيران على مقدرات لبنان تطالب بتشغيل مطار الرئيس رينيه معوض في عكار وخط جونية – قبرص البحري لتأمين السفر وحركة الإستيراد إذا تعرض مطار رفيق الحريري والمرافئ الرسمية للإقفال في حال توسعت الحرب.
بيكار التناقضات الداخلية يتسع بشكل مطّرد ليشمل المواقف الشعبية والبلدية من حركة النازحين من أرض الصراع الإيراني-الإسرائيلي إلى مناطق محايدة تحرص على منع تسلل نفوذ محور إيران إلى بيئتها، ما يطرح تساؤلات بتجرد: ماذا يمكن أن يحصل إذا تسلل أحد المدرجين على لائحة الإغتيال الإسرائيلية من قياديي محور فارس من أرض المواجهات إلى بلدة محايدة؟ هل تغتاله إسرائيل داخل البيئة المحايدة ما يهدد سلامة سكانها وحيادها، أم يسمح للبلديات المعنية بالتدقيق في ملفات الآتين من مناطق الحرب ورفض من تعتبر أنّ وجوده يمكن أن يهدد أمن وسلامة سكانها؟
ويبقى السؤال النهائي: من يحكم لبنان، “دولة” إيران أم “دويلة” لبنان؟
محمد سلام- هنا لبنان