المواجهات مُستمرّة بين الوزير والقائد وتُنذِر بالأسوأ: باسيل يرفض تسلّم حسّان عودة قيادة الجيش
على الرغم من طبول الحرب التي تُقرَع بقوّة في المنطقة ولبنان، لا تزال بعض ملفّات الداخل تُشعِل حرباً من نوع آخر. فالمواجهات المُستمرّة بين وزير الدفاع وقائد الجيش تُنذِر بالأسوأ مع تراكم الملفّات الخلافية، وأقربها إلى الاشتعال وجود قرارين صداميَّين داخل اليرزة: الوزير الذي مدّد لعضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب والذي يفترض أن يحال إلى التقاعد في 27 أيلول المقبل وقائد الجيش الذي يعتبر القرار كأنّه لم يكن!
تجلّت آخر الملفّات الخلافية بين الوزير موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون عبر قرار سليم في 12 حزيران الماضي التمديد للّواء صعب (موقع كاثوليكي ضمن المجلس العسكري) والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى (موقع سنّي)، وذلك استناداً إلى قانون التمديد نفسه لقادة الأجهزة الأمنيّة رقم 317.
قوبل القرار من قيادة الجيش بالتجاهل وكأنّه لم يصدر، ثمّ بادرت رئاسة الوزراء إلى طلب رأي هيئة التشريع والاستشارات حول المستفيدين من قانون التمديد.
أفتت “الهيئة” بحصريّة استفادة العماد عون واللواء عماد عثمان واللواء الياس البيسري واللواء طوني صليبا من القانون، مع العلم أنّ الرئيس ميشال عون، وقبل الأمتار الأخيرة من نهاية ولايته الرئاسية، طلب التمديد للّواء صليبا كمدني حتى سنّ الـ64 بعد تقديم استقالته من السلك، حيث يحال إلى التقاعد عام 2027.
طعن العميد لاوندس
كَبُر “المشكل” أكثر مع تقديم قائد قطاع جنوب الليطاني الضابط في الخدمة الفعليّة العميد إدغار لاوندس (كاثوليكي) مراجعة طعن أمام مجلس شورى الدولة لوقف تنفيذ قرار وزير الدفاع واعتباره باطلاً وغير قانوني. وذلك في تكرار لسابقة تقديم العميد حميد إسكندر في أيلول 2015 مراجعة طعن أمام مجلس الشورى بقرار التمديد لقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي. المفارقة أنّ “الشورى” أصدر قراره بقبول الطعن عام 2018 بعدما أصبح العماد قهوجي خارج الخدمة وبعد وفاة العميد إسكندر.
استحقاق 27 أيلول
بعد تبلّغ وزارة الدفاع بمراجعة الطعن أرسل الوزير سليم إلى هيئة القضايا في وزارة العدل مطالعته الجوابية على التبليغ التي ستكون من ضمن الأوراق والمستندات التي سيبني عليها “الشورى” قراره بقبول طعن العميد لاوندس أو رفضه.
لم يُقدِم “الشورى” على وقف تنفيذ قرار التمديد لصعب، خصوصاً أنّ وقف التنفيذ يتطلّب عدّة شروط قانونية لا تتوافر في “حالة لاوندس” وصعب لم يستفد منه أصلاً بعد، فيما قبول الطعن أو رفضه يتطلّب وقتاً ومهلاً زمنية مُلزِمة. هنا تُطرح أسئلة بديهية: ماذا لو لم يصدر قرار “الشورى” قبل 27 أيلول، تاريخ إحالة صعب إلى التقاعد؟ وكيف سيتصرّف قائد الجيش حيال ضابط سيعتبره لواء سابقاً في الجيش؟
عون طَعَن بقرار الوزير!
تقول مصادر معنيّة لـ “أساس”: “في القانون يوجد ما يسمّى حقّاً مكتسباً، وهناك فرصة، والعميد لاوندس هو من ضمن الأسماء المطروحة لشغل موقع في المجلس العسكري كعضو متفرّغ وليس الاسم الوحيد. حاليّاً هناك شغور أصلاً في المجلس العسكري ومجلس الوزراء غير قادر على التعيين بالأصالة”.
وفق المعلومات، العميد لاوندس (مواليد 1970) هو الأقدم بين الضبّاط الكاثوليك الذين يحقّ لهم التعيين في المجلس العسكري، لكنّ هناك ضبّاطاً إداريين واختصاصيين يسبقونه بالأقدمية، يصعب تعيينهم في موقع عسكري قيادي وتنفيذي. ووفق مصادرعسكرية “يحقّ لهذا الضابط الاعتراض بالأطر القانونية على قرار يَحرمه من احتمال التعيين بموقع أعلى”.
تضيف المصادر: “في حالات كهذه يستأذن الضابط قيادة الجيش أو يبلّغها قبل تقديمه أيّ اعتراض أو طعن بقرار إداري داخل المؤسّسة العسكرية. هنا تكمن المفارقة، فإذا بلّغ العميد لاوندس القيادة فهذا يعني استطراداً أنّ قائد الجيش طعن بقرار وزير الدفاع عبر عميد في الجيش، وإذا لم يستحصل على إذن فهذا يعني أنّه خالف التعليمات العسكرية ويوجب ذلك استدعاءه إلى التحقيق. لكن وفق مسار الأمور هذا الأمر حصل بتنسيق تامّ مع قائد الجيش”.
تشير المصادر أيضاً إلى أنّ “قرار مجلس الوزراء بتعيين رئيس الأركان لا يزال حتى الآن عالقاً وموضع طعن لدى “الشورى”، وهناك جهات قانونية تجزم بعدم قانونيّته بسبب عدم صدور مراسيم التعيين حول الأقدمية والترقية والتعيين”.
اجتهاد من الوزير؟
بغضّ النظر عن هذه التفاصيل القانونية تقول أوساط قيادة الجيش إنّ “وزير الدفاع ارتكب مخالفة قانونية كبيرة بالتمديد للّواء صعب واللواء مصطفى (يُحال إلى التقاعد عام 2027 واكتسب بقرار التمديد عاماً إضافياً)، حيث لا يمكن اعتبار اللواء صعب قائد جهاز أمنيّ، والمبرّرات القانونية التي اتّكأ عليها للتمديد لصعب غير منطقية”.
ثمّة من يذهب أبعد من ذلك بالقول: “قانون التمديد نفسه لقادة الأجهزة غير قانوني لأنّه غير شموليّ واستفاد منه ضبّاط محدّدون. ولذلك ما بُني على باطل فهو باطل، والأهمّ أنّ قرار الوزير بالتمديد لضابطين في المجلس العسكري بدا اجتهاداً شخصيّاً منه لا يتوافق مع الأسباب الموجبة لقانون التمديد”.
مصير الطّعن برئيس الأركان
صحيح أنّ رأي “الهيئة” غير مُلزم للوزير، لكنّه يشكّل نقطة سلبية في رصيد مسار مواجهته مع قائد الجيش، مع العلم أنّ وزير الدفاع لا يزال ينتظر قرار “الشورى” في شأن الطعن الذي تقدّم به في نيسان الماضي بقرار تعيين رئيس الأركان.
… ومصير التّمديد الثّاني لعون
هي نقطة قانونية مفصليّة لها تشعّباتها السياسية مع قرب انتهاء الولاية الممدّدة لقائد الجيش في كانون الثاني المقبل وتجدّد الحديث عن التمديد له إمّا بقانون جديد أو عبر قانون يلحظ التمديد لكلّ العسكريين والضبّاط وفق اقتراح القانون المقدّم من النائب بلال عبدالله.
هنا تفيد معطيات “أساس” أنّه على الرغم من موقف النائب جبران باسيل المُعارِض بقوّة للتمديدين الأوّل والثاني المُحتَمل لقائد الجيش، فإنّه بالمقابل أبلغ من يعنيهم الأمر أيضاً أنّه يرفض تسلّم رئيس الأركان حسّان عودة مهامّ قيادة الجيش بالوكالة حتى مع تسوية وضعه القانوني عبر صدور مرسوم التعيين عن مجلس الوزراء، وذلك لأسباب طائفية وربطاً بالمزايدات المسيحية القائمة بينه وبين أخصامه.
أربعة وبس…
في رأيها الصادر في 10 تموز الماضي حول إبداء الرأي وتفسير القانون رقم 317 في شأن تحديد هويّة المستفيدين من تمديد سنّ تقاعد قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنيّة، اعتبرت هيئة التشريع والاستشارات أنّ “المقصود بقادة الأجهزة هم قائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي والمدير العام للأمن العام والمدير العام لأمن الدولة في حال توفّرت فيهم سائر شروط التمديد”.
رأت الهيئة في قرارها الذي اطّلع عليه “أساس” أنّ قانون التمديد هو من القوانين الخاصة والاستثنائية التي تفسَّر دائماً بصورة حَرفية وضيّقة Interpretation litterale et Restrictive.
كما اعتبرت أنّ “إيراد تحديداً العماد قائد الجيش في العنوان ثمّ في إضافة عبارة “وقادة الأجهزة الأمنيّة والعسكرية” يستدلّ منه أنّ المقصود القادة الذين كقائد الجيش يقودون أجهزة أمنيّة وعسكرية، ووفق النصّ الحرفيّ للقانون “العسكريين الذين يمارسون مهامّهم بالأصالة أو الوكالة أو بالإنابة ممّن يحملون رتبة عماد أو لواء ولا يزالون بوظائفهم بتاريخ صدور القانون (21/12/2023)”.
استند رأي “الهيئة” أيضاً إلى الأسباب الموجبة لقانون التمديد عاماً إضافياً للضبّاط ومناقشات النواب في جلسة إقرار القانون، فيما اكتفت بذكر مقتطفات من مداخلة النائب جميل السيّد التي جاء فيها: “قائد الجيش لا يعتبر قائد جهاز أمنيّ، وبالتالي يجب تسميته بالنصّ”، كما سمّى في مداخلته قادة الأجهزة في قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة. “والاكتفاء برتبة عماد في النصّ لا يجوز بالضرورة مع أنّ الرتبة مخصّصة له”، كما قال السيّد.
المداخلة الثانية للنائب جهاد الصمد التي جاء فيها أنّ “الاقتراح المقدّم من كتلة الاعتدال يستفيد منه أربعة أو خمسة ضبّاط وهذا ما يتنافى مع مبدأ الشمولية”.
ملاك عقيل- اساس