بين كتلة نيابية لم تعد الأكبر وموقع مسيحي لم يعد الأقوى… الصهر يكابر: هل كسر ظهر ميشال عون؟

لم يعد السؤال في الشارع المسيحي، ماذا يمكن أن يفعل جبران باسيل بعد خروج ثلاثة من نواب “التيار الوطني الحر” سواء طوعاً أو فصلاً، بل ماذا يمكن أن يفعل الرئيس ميشال عون العالق بين كتلة نيابية لم تعد الأكبر وموقع مسيحي لم يعد الأقوى؟

ولم يعد السؤال أيضاً، ماذا يمكن أن يفعل النواب الياس بو صعب وآلان عون وسيمون أبي رميا خارج تيار أسهم في الوصول الى ما وصلوا اليه سواء في مجلس النواب أو مجلس الوزراء، بل من يمكن أن يستوعبهم أو يستميلهم أو يجيّرهم في المفاصل البرلمانية الحساسة وفي مقدمها انتخابات الرئاسة الأولى؟

حقيقة ساطعة لا يختلف عليها اثنان، وهي أن النواب الثلاثة لن ينضموا الى كتلة “الجمهورية القوية” التي يقودها سمير جعجع لسببين أساسيين: الأول انعدام الكيمياء السياسية والشخصية بين الطرفين، والثاني أن أي خطوة من هذا النوع ستعني حكماً القضاء على أي رصيد شعبي لا يزالون يحتفظون به في “المجتمع البرتقالي”.

وثمة حقيقة مسيحية ساطعة ثانية، وهي أن جعجع سيجد نفسه مضطراً الى الانفتاح على نواب لا يريدونه لتعزيز الكتلة النيابية التي يحتاج اليها لانتخاب الرئيس الذي تختاره المعارضة، وأن باسيل سيجد نفسه في موقع لم يعد يسمح له بالتفاوض من موقع قوة مع “حزب الله” في ملف الرئاسة وسواه من الملفات الحساسة، ولا بالظهور بمظهر الوريث الذي تمكن من الحفاظ على أمرين أساسيين: الأول رصيد عمه ميشال عون الذي ساهم في تسويق هذا المرشح أو استبعاده، والثاني رصيد حسن نصر الله الذي ساهم في وصول اثنين من هؤلاء النواب الثلاثة، أي آلان عون في بعبدا وسيمون أبي رميا في جبيل.

ويتردد في أوساط الضاحية الجنوبية أن باسيل، الذي كان يتحسس حجم التململ في صفوف كتلته، ارتكب خطأ قاتلاً عندما قرر تصفية حساباته الداخلية في عز المأزق العسكري الذي يعانيه “حزب الله” من جهة، والمأزق الشعبي الذي يعانيه نصر الله نفسه منذ أدخل لبنان في حرب يكاد لا يريدها أحد من جهة أخرى.

ويكشف مصدر قريب من خط الممانعة، أن “حزب الله” بات الآن أكثر رفضاً لاجراء الانتخابات الرئاسية في ظل المشهد الحالي الذي أخذ ثلاثة نواب، كان يحسبهم أقرب الى الممانعة منه الى المعارضة، نحو مكان آخر يمكن أن يشكلوا فيه كتلة يحتاج اليها الجميع ولا تحتاج الى أحد، أقله في البرلمان الحالي، مشيراً الى أنه بدأ عملية رصد هادئة لمعرفة المسار الذي قد يسلكه، تحديداً النائبان عون وأبي رميا، في وقت يعتبر أن بو صعب لن يحيد عن خط الممانعة نظراً الى خلفيته “القومية”.

واستناداً الى هذه التداعيات المحتملة، لا بد من أسئلة جوهرية عدة: من يحمي هؤلاء النواب بعدما خرجوا من المظلة الأمنية التي كان يوفرها “حزب الله” للرئيس عون وصهره وأركان “التيار الوطني الحر”، في حال قرروا التغريد في سرب آخر، أو تأمين النصاب حيث يتوجب التعطيل، أو الترشح الى مقعد الرئاسة (باستثناء بو صعب) حيث يتوجب توحيد الأصوات لا تشتيتها، أو اذا تمكنوا من تشكيل كتلة نيابية مستقلة تضمهم الى عدد من النواب المستقلين ومنهم على سبيل المثال غسان سكاف أو أديب عبد المسيح المنسحب حديثاً من كتلة “تجدد” التي تضم النواب ميشال معوض وفؤاد مخزومي وأشرف ريفي، أو اذا قرروا الانضمام الى كتلة “الاعتدال الوطني” التي التحق بها المرشح الرئاسي الدائم نعمت افرام؟

وأكثر من ذلك، ماذا لو انضم النواب التغييريون الى هذه الكتلة وشكلوا معاً الكتلة الأكبر بعد كتلة الثنائي الشيعي وحسموا هم اسم الرئيس العتيد بعيداً من سليمان فرنجية وجهاد أزعور معاً، أو ماذا لو تضامنوا مع نواب المعارضة لتجريد الممانعة من أي غطاء يبرر استمرار الحرب انطلاقاً من الجنوب؟

وليس من قبيل المصادفة أن يدعو باسيل النواب الثلاثة الى الاستقالة بحجة أنهم مدينون بوكالتهم النيابية لجمهور “التيار”، محاولاً بذلك وبايعاز محتمل من “حزب الله”، احتواء الخلل الذي يمكن أن يصيب تركيبة البرلمان وتوازناته وجر الممانعة الى مواقف لا تصب في مصلحتها الآنية والمستقبلية.

وهنا يعلق مقرب من معارضي باسيل قائلاً: “كيف يمكن له أن يدعو هؤلاء النواب الى الاستقالة انطلاقاً من حجة كان يمكن أن يستخدمها حزب الله مثلاً، لحمل الرئيس عون على الاستقالة بحجة أنه من أسهم في وصوله الى قصر بعبدا؟”.

وفي انتظار ما قد يتبدل في المسارات النيابية والخيارات والتحالفات، وهو أمر لن يتمظهر قبل انتهاء حرب غزة والمنطقة، لا يبدو الرئيس عون الذي وضع كل بيضه في سلة صهره، في الموقع الذي كان عليه بعد خروجه من القصر الجمهوري، وسط مشهد يخبره أنه فقد سحره لدى الكثير من الذين ناضلوا معه وراهنوا عليه، وفقد الكثير من مصداقيته لدى الشارع المسيحي الذي آمن به وغفر له معظم إخفاقاته، وفقد ثقة حليفه نصر الله الذي يتهمه بعرقلة وصول فرنجية الى بعبدا والتردد في دعم خيار القتال من أجل غزة. لكن شيئاً واحداً يختصر كل ذلك ويتمثل في تعليق لأحد العونيين المخضرمين عندما قال: “إن عون الذي خسر دعم ابن شقيقه نعيم ثم دعم صهره شامل روكز، والآن دعم ابن شقيقته آلان عون، وقبلهم رفيق نضاله عصام أبو جمرة، ثم دعم المسيحيين تدريجاً، لم يدرك أن هيبة الصهر الذي وضعه في مصاف الابن المطلق، لم تكن ممكنة من دون هيبة عمه، وأن التجارب التي واكبت الجنرال – الرئيس لم تجعل منه في نظر المراقبين الأبعدين والأقربين، الا الصهر الذي لم يسند الظهر والوريث الذي لم يصن لا الارث ولا الخبز والملح”.

ومهما يكن من أمر الصهر والعم والمعارضة، يبقى السؤال هل بدأت رحلة التدحرج التدريجي في رصيد الجنرال وتياره، أم أن ما جرى يشبه الكثير من عمليات التطهير التي تحتاج الى وقت قبل أن يقول التاريخ كلمته لمصلحة هذا أو ذاك؟

الجواب لن يكون الا في صناديق الاقتراع التي تنتخب رئيساً في البرلمان أو تنتخب نواباً في الشارع.

انطوني جعجع- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة