الأجهزة الأمنيّة في مواجهة عملاء «إسرائيل» في لبنان «والعدد كبير جدًا»: العين على السفارات الأجنبية والصحافيين!

إلى جتنب عدوانه المستمرّ على قرى جنوب لبنان وارتكابه للمجازر والاغتيالات وتنفيذ خروقات جدار الصوت فوق المناطق اللبنانية لا سيما في بيروت، يستغلّ العدو الإسرائيلي عبر أجهزة مخابراته الوضع الراهن في البلاد والأزمات الاقتصادية والمعيشية المتلاحقة لتجنيد عملاء في الداخل للقيام بأعمال تجسّس تستهدف المقاومة وبيئة عملها، تحديدًا في مناطق الجنوب والبقاع وبيروت، إضافة إلى استهداف مرافق الدولة ومؤسّساتها لا سيما الأمنية منها والعسكرية. الأمر ليس جديداً، فجهاز الموساد تحديدًا ينشط منذ عقود في مسرح العمليات الأمنيّة والتجسسية ويعمل دائمًا على تجنيد العملاء والشبكات المرتبطة به لتنفيذ عمليّاته. في ظلّ هذه المخاطر كيف تواجه الأجهزة الأمنيّة وأجهزة المخابرات اللبنانية أنشطة التجسّس الإسرائيلية؟

المفارقة اليوم تكمن في حاجة العدو لتكثيف نشاطاته في خضمّ العدوان على غزّة وجنوب لبنان، وفي ظلّ الإمكانيات التقنية الهائلة التي في حوزته من قدرات سيبرانية ومعلوماتية وأجهزة مراقبة وتنصّت وتشويش وأقمار اصطناعية ومسيّرات وطائرات استطلاع… إضافة إلى العامل البشري الذي تتبيّن الحاجة إليه على أرض الواقع بشكل دائم لعدّة اعتبارات رغم التقدّم التكنولوجي.

رغم محدودية قدراتها وإمكاناتها الماديّة والتقنيّة التي لا تقارن بإمكانات العدو، إلّا أنّ الأجهزة الأمنية تعمل جاهدةً لمكافحة التجسّس وتفكيك شبكات العملاء التي يديرها الموساد الإسرائيلي والأجهزة المرتبطة به.

للعديد من الأجهزة اللبنانية إلى جانب جهود جهاز أمن المقاومة تاريخ طويل في اكتشاف وتفكيك الشبكات المعادية التي نشطت وتنشط على أرضنا. «تقوم الأجهزة المعنيّة بإجراءات عدّة منها مراقبة ومتابعة العملاء الذين قضوا عقوبتهم داخل السجن وخرجوا، والذين تبقى العين عليهم»، وفق ما يصرّح مرجع أمنيّ لـ«القوس». ويضيف أنّ «العيون أيضاً على السفارات والمواطنين الأجانب الموجودين في لبنان، لا سيما أولئك الذين يقومون بنشاطات مشبوهة في هذه الظروف، كتصوير مناطق ذات طابع أمني واستراتيجي مهمّ» (راجع مقال «الأخبار»، «مسلسل الانتهاكات الأمنية الأجنبية مستمرّ»، السبت 2 آذار 2024)، إضافة إلى «مراقبة عمل الجمعيّات غير الحكومية المنخرطة في العديد من المشاريع في كافّة المناطق، لا سيما الجمعيات التي تستهدف مجتمع المقاومة، وتقوم بالتصوير من دون رقيب أو حسيب لجمع معلومات وبيانات خاصة وتحتفظ بها لأهداف قد تكون مشبوهة ولصالح جهات معادية».

وأكّد مصدر أمني آخر لـ«القوس» أنّه «رغم الإمكانيات المحدودة للأجهزة الأمنيّة في لبنان وتطوّر التكنولوجيا والوسائل التجسّسية لدى العدو، إلّا أنّ كافة الأجهزة والمؤسّسات الأمنيّة على أتمّ الجهوزيّة ضمن قدراتها الحاليّة لمكافحة التجسّس من خلال عملها اليومي المتواصل، ليس فقط منذ طوفان الأقصى وجبهة جنوب لبنان بل منذ سنوات»، مشيرًا إلى أنّ هناك العديد من المشتبه بهم تحت مجهر المراقبة، وبالتحديد على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثة كالواتساب ممّن ينشطون في إرسال رسائل مشبوهة للمواطنين لإغرائهم بفرص عمل بمرتّبات خيالية. «هذه الرسائل سيتمّ كشفها والعمل جار لتحقيق ذلك» يقول المصدر، إضافة إلى مراقبة داتا اتصالات العملاء والمشتبه بهم مع جهات خارجية لا سيما في تركيا وقبرص، حيث ينشط الموساد ويرتّب لقاءات بهم في العديد من الأماكن السياحية.

وفي ما يخصّ جمعيّات الـ NGO’s، التي كثرت في الآونة الأخيرة الدراسات والاستطلاعات والإحصاءات التي تقوم بها بحجّة تقديم المساعدات (لا سيما للنازحين من القرى الجنوبيّة)، ويتبيّن في ما بعد أنها إمّا جمعيات وهمية أو منظّمات ذات أهداف مشبوهة قد تندرج بحسب المرجع الأمني ضمن خانة التجسّس وجمع المعلومات لصالح العدو، لذلك تعتبر مراقبتها من أولويات العمل الأمني والاستخباراتي.

وفي إشارة إلى المناطق الاستراتيجية في البلد، يتابع المرجع أنّ الأجهزة المعنيّة تراقب أيضًا نشاط العمّال الأجانب لا سيما من السوريين والفلسطينيين في مناطق وقرى الجنوب، حيث تمّ إلقاء القبض مؤخّرًا على شخص سوريّ الجنسيّة كان يلتقط صورًا لأماكن محدّدة في مدينة صيدا وجوارها. وأضاف «بالطبع، الحديث هنا ليس للتنميط أو توجيه أصابع الاتهام للعمّال الأجانب إن كانوا من الجنسيّة السوريّة أو الفلسطينيّة أو غيرها، لكن في ظروف استثنائيّة نشهدها اليوم، الحذر والحيطة واجبان علينا».

كذلك، تقوم الأجهزة بمراقبة بعض الصحفيين لا سيما العاملين في وكالات أجنبيّة، وقبل فترة منع جهاز أمني صحفيا يعمل لصالح وسيلة إعلامية أجنبية من الذهاب إلى الجنوب لتغطية التطوّرات العسكريّة في الجبهة، بسبب الاشتباه به وبأنشطته.
في حديثنا مع مصدر أمني في أحد الأجهزة الفاعلة على خطّ مكافحة التجسّس الإسرائيلي، أكّد أنّ هناك عاملين أساسيّبن قد يؤدّيان إلى وقوع الأشخاص في فخّ العمالة لصالح الإسرائيلي. يرتكز الأوّل على الوضع المعيشي الصعب، حيث يستغلّ العدو واستخباراته هذه الأزمة – الفرصة ويضع نصب أعينه شريحة كبيرة من الأشخاص الذين ساءت أحوالهم خلال الأزمات المتلاحقة أو ذوي الدخل المحدود أو الشباب العاطلين عن العمل واليائسين والباحثين عن فرص العمل والعيش الكريم (يشكّلون أغلب المستهدفين في حملات التجنيد)، فالغالبية من هؤلاء قد يكونون شاركوا هذه التفاصيل عن حياتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في استبيان لاحدى «الجمعيّات» ممّا يعرّضهم في حال انجرارهم إلى هذه المصيدة لعملية ابتزاز تنعكس بشكل كارثي عليهم وعلى محيطهم وتعرّض أمن مجتمعهم وبلادهم للانكشاف أمام العدو. وعادةً ما تهدف هذه المنشورات والرسائل خاصة تلك التي تطفح بها منصّات التواصل الاجتماعي، إلى أساليب خادعة وعناوين برّاقة لجذب مختلف الشرائح ووفق اهتماماتها أو اختصاصاتها، فتعرض عليهم على سبيل المثال مبالغ مالية مقابل معلومات معيّنة قد تكون عادية وغير ذات أهميّة، أو تصوير أماكن أو شخصيات لصالح شركة إعلانات أو شركات سياحية مثلاً، أو فرص عمل وهمية لترتيب لقاء مع عملاء أو مجنّدين وتبدأ هنا عملية الابتزاز. ويلفت المصدر إلى ضرورة الانتباه والحذر من هذه المواقع والمنشورات لا سيما عندما تأتي من مصادر أجنبية أو غير موثوقة.

أمّا العامل الثاني، فهو استغلال المواقف المعادية للمقاومة والأصوات المعارضة لحزب الله. فهذه الفئات أيضًا من الممكن استغلالها في التجنيد لصالح العدو لا سيما أولئك الذين لا يجدون مانعًا من تقديم الخدمات للإسرائيلي ولو مجانًا! وتزويده بالمعلومات، إمّا نكاية وبغضًا بالمقاومة وبيئة حزب الله أو تحت حجج وشعارات مشبوهة كحملة «لا للحرب» المنتشرة بكثرة في منصّات التواصل الاجتماعي، والتي لاقت ترحيبًا لدى العدو باعتبارها جزءًا من ماكينة الدعاية ضدّ المقاومة وأهلها.

وختم المصدر الأمني بأنّ الموساد الإسرائيلي يقوم بتجنيد عملاء له في الدّاخل بشكل مكثّف منذ العام 2018 «والعدد كبير جدًا!»، وهؤلاء اليوم مقسّمون إلى ثلاث فئات: فئة تدرك أنّها تعمل لصالح جهاز الموساد ولا تمانع/ فئة لم تكن على علم بأنّها مجنّدة لصالح أجهزة العدو من الممكن أن تلجأ للجهات المعنيّة لطلب المساعدة/ فئة تعلم بطبيعة العمل لكن لا توجد أدلّة كافية لإدانتها بالعلاقة مع الموساد تحديدًا نظرًا للتعقيدات التي من الممكن أن تحيط بالحالة.

إذًا، فإنّ توعية المواطنين أمر أساسي ومهمّ جدًا ومن أولويات الأجهزة الأمنية وواجب على المؤسّسات والجمعيات والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام.. تجنبًا للوقوع في فخّ العمالة للعدو، لا سيما في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمعيشية والأوضاع الصعبة التي نمرّ بها اليوم، وفي ظلّ حرب لا يتوانى فيها العدو الإسرائيلي عن استهداف أمّتنا ومقاومتنا. ولا بدّ من الإشارة إلى ضرورة تحمّل المسؤولية والتحلّي بالوعي الكافي إن كان على المستوى الفردي أو الجماعي من أجل تفويت أي فرصة قد يستغلّها العدو في المعركة.

الأخبار

مقالات ذات صلة