“الرجل الذي يمشي ميّتاً” على رأس “حماس”… رسائل أبعد من تحدي إسرائيل
“الرجل الذي يمشي ميّتاً” تحوّل فجأة إلى رئيس للمكتب السياسي لـ”حماس”، في قرار فاجأت فيه الحركة الفلسطينية الجميع، وبمقدّمتهم إسرائيل، التي لم يكن ضمن حساباتها وتوقّعاتها أن يحقّق يحيى السنوار هذا الإجماع الكبير داخل صفوف قيادة التنظيم التي سارعت إلى تعيين الخلف قبل أن يمرّ أسبوع على اغتيال اسماعيل هنية، وهو إجراء يأخذ وقتاً أطول في العادة قد يمتدّ لأشهر.
هذا الخيار الحمساوي لقائد أقلّ ما يُقال عنه إنّه غير متسامح مع أي انفتاح على إسرائيل، التي تصنّفه بسياسييها وأمنييها ومستوطنيها على أنّه الرجل الأخطر عليها وتعتبره العقل المدبّر لهجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، طرح تساؤلات عدّة بشأن أسبابه ودلالاته، في توقيت يشهد نزاعاً عسكريّاً كبيراً في الشرق الأوسط انطلاقاً من غزّة ويمكن أن يتحوّل في أيّ لحظة إلى حرب شاملة، وتعثّراً في المفاوضات منذ ما قبل مباشرة إسرائيل بسلسلة الاغتيالات التي طالت قيادات من “حماس” و”حزب الله”.
بالنسبة للكاتب السياسي المتخصص بالحركات الإسلامية قاسم قصير، ثمة رسائل عدّة جراء هذه الخطوة.
ويقول لـ”النهار” إنّ الرسالة الأهم هي “التأكيد على وحدة حماس من خلال اتخاذ القرار بالاجماع، وهو مشهد لم نره حتى لدى انتداب اسماعيل هنية رئيساً للحركة”، وهذا يناقض الرهانات الإسرائيلية على إحداث شرخ بين قيادات التنظيم. ثمّ أنّ السنوار “سيشكّل رافعة داخل الحركة بعدما تحوّل إلى بطل شعبي ورمز للصمود”.
كذلك، فإنّ اسم السنوار مرتبط بشكل وثيق بعملية “طوفان الأقصى”، ما يضفي بُعداً معنوياً، و”يُشعر جميع القلقين من أنصار حماس بالارتياح” حيال مسار الأمور مستقبلاً والتماسك في صفوف الحركة.
ويضيف قصير أنّ الرسالة المباشرة لإسرائيل هي أنّ “سياسة الاغتيالات لن تنهي حماس ولن تجعلها تستسلم، ولن ترضى بالتسويات والصفقات، ومن يريد التفاوض والحلّ الدبلوماسي الفعلي فلا حلّ أمامه سوى السنوار”. وانطلاقاً من ذلك، فإنّ إمساك الميدان بالقرار السياسي للحركة بعدما ظلّ لفترة طويلة بيد المجموعة القيادية خارج فلسطين يعني أنّ “خيار المقاومة داخل حماس هو الأساس في المرحلة المقبلة” إذا بقي الحلّ متعثّراً.
وفي هذا السياق، يؤكّد مصدر مسؤول في “حماس” لـ”النهار” أنّ “فريق التفاوض لن يتغيّر، فهو بالأساس كان حائزاً على موافقة السنوار، الذي كان بدوره مطلعاً على كلّ مسار المحادثات وموافقاً على كلّ النقاط التي أبدت الحركة إيجابية بشأنها، وعليه فإنّ طريق الحلّ السياسي لا يزال سالكاً، وفي المقابل فإنّ الخيار الآخر هو استمرار المواجهة العسكرية، ونحن مستعدون للاحتمالين”.
من جهة أخرى، ربط مراقبون بين انتخاب السنوار وما قيل عن تهديدات سابقة بإخراج قيادة “حماس” من قطر، معتبرين أنّ هذا “الخيار التاريخي سحب الورقة السياسية من الدوحة وأودعها في طهران” التي تربطها بالقائد الجديد علاقات توصف بالممتازة.
ومن المعروف أنّ السنوار هو أبرز المقرّبين في الحركة الفلسطينية من إيران و”حزب الله”، كما أنّه رفض في العام 2011 الدخول في خلاف مع سوريا عقب وقوف “حماس” في صف المحتجين ضدّ الرئيس بشار الأسد.
لكن المسؤول في “حماس” يُقلّل من أهمية هذا الكلام، ويقول إنّ “علاقات الحركة منوّعة، فهي تلتقي مع الجميع حول فلسطين، لكنّ قرارها المركزي واحد، وما حدث لا يُعدّ رسالة لقطر أو تركيا أو جماعة الإخوان المسلمين، بل هو اختيار تقتضيه المرحلة”.
في المحصلة، انتقل “رجل الأنفاق” من كونه الحاكم الظلّ في “حماس” باعتباره قائد جناحها العسكري الذي يتمتع بنفوذ داخلي كبير، إلى قائدها السياسي رسميّاً وبالاجماع. إسرائيل التي فوجئت بهذا الخيار توعّدت مجدّداً باغتيال السنوار، لكن حتى يحين ذلك الوقت، باتت تجد نفسها ملزمة بالتفاوض مع من خرج من سجونها ليوجّه لها أقوى صفعة في تاريخها. وعليه، يبدو أنّ المرحلة المقبلة ستكون أشدّ ضراوة مما سبق.
النهار العربي