وقائع من النقاشات مع الموفدين: ماذا يتوقع هذا المسؤول الغربي حول الأيام المفصلية المقبلة؟
تتفق كلّ القراءات والتحليلات على أنّ الساعات او الأيام المقبلة مفصلية، واخطر ما فيها أن لا أحد قادراً على تحديد الوجهة التي ستسلكها المنطقة. ومع طغيان اللغة الحربية، وضعفِ محاولات احتوائها وتخفيف وطأتها ونزع فتيل الحرب قبل اشتعاله، تتعاظم الخشية من أن يفلت الزمام وتكبر كرة النار وتتدحرج على كلّ المنطقة. وأمام انعدام الرؤية، يصبح الترقّب ساعة بساعة ويوما بيوم، لما هو غير منظور في الأفق من تطورات وربما مفاجآت ليست في حسبان أيّ طرف من أطراف الصراع.
التهديدات والاستعدادات والاستنفارات من إسرائيل إلى إيران وصولا اليمن، وما يرافقها من ارتفاع في وتيرة المواجهات على جبهة جنوب لبنان، توحي بأن كل هذه الجبهات باتت على بُعدٍ قريب جدّا من لحظة كبس زرّ التفجير الشامل. واللبنانيون الذين ذاقوا مرارات الحروب ومآسيها، في حال انكشاف كامل، يُقرأ في وجوههم ارباكٌ ما بعده ارباك، وخوفٌ من السقوط في تجربة حربية جديدة، ولهاثٌ محموم للبحث عن سبل النجاة منها إن وقعت.
الحرب واقعة .. ولكن!
بعض المقاربات للتطورات المتسارعة في المنطقة، تحسم فرضيّة انّ الحرب واقعة، ربطاً بردّ إيران على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية على اراضيها، وردّ “حزب الله” على العدوان الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية واغتيال أحد أكبر قيادييه فؤاد شكر وايضا الرد اليمني على الاستهداف الاسرائيلي لمرفأ الحديدة في اليمن. وكذلك ربطا بالرد الاسرائيلي على هذه الردود. ولكن على الرغم من اتسام هذه الفرضيّة بالواقعيّة، إلّا أنّ ما تمرّره الدول عبر القنوات الديبلوماسية والسياسية والأمنية المفتوحة في اتجاه لبنان، من رسائل وتقديرات، يعاكس الجو الحربي.
تهيّب من الحرب
ويبرز في هذا المجال ما أكده مرجع أمني كبير لـ”الجمهورية” حول وجود ما سماها “معطيات استخبارية” تؤكّد أنّ اللغة الحربيّة المتصاعدة بوتيرة عنيفة، مضبوطة تحت سقف محاذرة كلّ الأطراف الإنزلاق إلى حرب واسعة، ويتجلّى ذلك بوضوح في حال الترقّب السائدة على كلّ الجبهات، وتجنّب كلّ أطراف الصراع الاقدام على اي خطوة تصعيدية”.
وبناء على هذه المعطيات، يقول المرجع الأمني الكبير:” واضح ان كل الأطراف متهيّبة من الحرب ومخاطرها. واستتباعا لذلك، فإنّ ما يجري التلويح به من ردود مؤجلة او معجلة التنفيذ من قبل ايران و”حزب الله”، وردود من قبل اسرائيل على الردود، مضبوط بدوره تحت هذا السقف. إلّا أنّ ذلك لا يلغي احتمال خروج الأمور عن السيطرة ربطا بخطأ في الحساب أو التقدير، أو بصاروخ طائش يوجّه الأمور نحو دحرجة الى حرب صعبة”.
رسائل متبادلة
ووفق معلومات موثوقة لـ”الجمهورية” فإنّ مسؤولاً أمنيّاً غربيّاً رفيع المستوى زار بيروت في الفترة الاخيرة، ونقل إلى كبار المسؤولين مخاوف بلاده مما سماه “التصعيد الخطير والمتنامي” على جبهة جنوب لبنان. وان بلاده تشجّع كل جهد من قبل لبنان يقود الى خفض التصعيد، وفي ذلك مصلحة كبرى للبنان”.
وبحسب مصادر المعلومات فإن المسؤول الامني الغربي الرفيع نقل ما بدت انها رسالة واضحة تتضمن تأكيدا من جهة، على القرار 1701 كضابط للأمن والاستقرار في منطقة الحدود، وتحذيرا من مخاطر الحرب، وتنبيها للاطراف من ان لا مصلحة لأحد في التصعيد وانزلاق المواجهات الى حرب واسعة”. وابرز ما فيها دعوة مباشرة للبنان إلى أن يبادر إلى خطوات تضيّق من احتمالات الحرب، ومحاولة ثني “حزب الله” عن القيام بأيّ فعل من شأنه أن يتسبب في تصعيد الموقف أكثر”.
واشار الى انّ بلاده تتفهم مخاوف كل الاطراف، وتضع أمن واستقرار لبنان في قائمة اولوياتها، وفي الوقت ذاته ترى انّ له مصلحة اكيدة في خفض التصعيد والانخراط في حل سياسي ينهي الوضع القائم، وتتشارك في ذلك مع حلفائها، وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية. ونحن نرى أن فرص هذا الحل ممكنة. وفي لقاءاتنا مع المسؤولين الاسرائيليين لمسنا جدية في انهم راغبون في الوصول حل للتصعيد مع لبنان بالوسائل الديبلوماسية”.
على أنّ ما لفت الانتباه في مقاربته للتطورات الاخيرة في المنطقة والترقب للردود العسكرية على اسرائيل، قوله: ان الحرب إن وقعت، قد لا تبقى محدودة ومحصورة ضمن نطاق معين، بل قد تتطور الى حرب دمار شامل تتمدّد تداعياتها وتأثيراتها في كل الاتجاهات، ونخشى ان يكون لبنان اكثر المتضررين. وهذا الوضع بالتأكيد مبعثٌ للقلق ليس على مستوى المنطقة فحسب بل على مستوى العالم. ومن هنا فإن الجهود منصبّة، وبدفع قوي من قبل الولايات المتحدة، على تجنّب الحرب. وثمّة ما يعزز فرضيّة استبعاد هذه الرسائل. كاشفا عما سماها رسائل مباشرة وغير مباشرة يتم تبادلها عبر قنوات مختلفة، وتعكس بوضوح رغبة الأطراف في عدم دحرجة الأمور الى حرب”.
وقائع المناقشات
الى ذلك، اطلعت “الجمهورية” على خلاصة تقرير تضمن وقائع من نقاشات ومداولات تمت بصورة مباشرة او عبر اتصالات هاتفية بين مسؤولين لبنانيين، ومستويات دولية سياسية وديبلوماسية.
يلحظ التقرير “تأكيد المسؤولين على ما يلي:
اولا، الالتزام الكلي بمندرجات القرار 1701.
ثانيا، إن لبنان لم يكن يوما في موقع الراغب في الحرب، ولا الانجرار اليها، وهو ما يؤكده أداء المقاومة في الجنوب التي ما زالت ملتزمة التزاما كليا بقواعد الاشتباك رغم تعمّد اسرائيل خرق هذه القواعد واستهداف المدنيين والاعلاميين وعمق المناطق اللبنانية. كما حصل في الضاحية الجنوبية، وما زال يحصل يوميا في مناطق لبنانية اخرى.
ثالثا، في ما خص الحل السياسي المقترح للمنطقة الجنوبية، فإن هذا الحل مرتبط ارتباطا وثيقا بوقف الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة.
رابعا، إنّ لبنان هدف دائم للعدوانية الاسرائيلية، والشواهد لا تحصى عن الاجتياحات وما ارتكبته وترتكبه من جرائم واعتداءات وخروقات فاضحة للقرار 1701. وكل ذلك يجري امام انظار العالم، الذي إن لم يكن شريكا مباشرا لاسرائيل، فهو شريك لها في تغطية عدوانيتها بتبني مقولة “حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها”. وفي موازاة ذلك، للبنان الحق الكامل والواجب في مقاومة ايّ عدوان.
لا احد يرغب بالحرب
واما في الجانب الآخر، من التقرير، فيورد خلاصة طروحات المستويات الدولية، كما يلي:
اولا: ان احتمالات الحرب قائمة، وفق ما تؤشر اليه الوقائع السياسية والعسكرية، ولكن رغم ذلك، لا احد من اطراف المنطقة يرغب في الحرب.
ثانيا، ان التطورات المتسارعة في المنطقة أبرزت غياب الدور الاوروبي المؤثر او المقرر في مجريات الاحداث. واما تشجيعها على منع الانزلاق الى حرب، فمرده الى أن اوروبا المأزومة بحرب اوكرانيا، تجد نفسها مع غليان المنطقة، في موقع المتلقي للتداعيات، يسود دولها قلق عارم من حرب تلحق ضررا كبيرا في مصالحها في المنطقة، وتتمدد بتأثيراتها السلبية الى تلك الدول.
ثالثا، إنّ واشنطن متمسكة بأولوية منع الحرب. وحضورها العسكري في المنطقة يخدم هذه الغاية حصرا.
رابعا، على الارغم من الجو المشحون في المنطقة، ما زالت تعتبر أنّ الامكانية ما زالت متاحة لنزع فتيل التوترات، وفي هذا السبيل تمارس ضغوطا جدية للدفع بقوة للوصول بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، إلى اتفاق في وقت قريب جدا ينهي الحرب، وينزع فتيل التداعيات الناشئة عنها ايا كان حجمها او شكلها. (الاغتيالات والردود). ويسرّع في الوقت ذاته في بلوغ حلّ سياسي على جبهة جنوب لبنان، يوقف المواجهات، وينهي الهجمات التي يشنها “حزب الله” على اسرائيل، ويساهم في إعادة سكان الجنوب والمستوطنات الاسرائيلية الى منازلهم. وواشنطن ما زالت تعتبر ان الوصول الى هذا الحل امر غاية في الصعوبة مع استمرار الحرب في غزة، ولذلك هدفها المركزي حاليا: انهاء عاجل لحرب غزة.( اعلن المتحدث باسم البيت الابيص في الساعات الاخيرة “ان المفاوضات وصلت الى مرحلتها النهائية، ونؤمن بشدة بأنها يجب أن تصل الى خط النهائية قريبا”.
خامسا، إن اعلان ايران و”حزب الله” عزمهما على الرؤد الأكيد على اغتيال هنية وشكر. اخذتهما واشنطن على محمل الجد. وعززا القلق لديها من ان تجر الردود والردود المضادة الى حرب اقليمية لا حصر لاضرارها وتداعياتها. ما حملها على ايصال رسائل مباشرة الى اسرائيل، ورسائل بصورة غير مباشرة الى سائر الاطراف وتحديدا الى ايران لتجنب الحرب. (المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية اكد أن واشنطن بعثت برسائل الى ايران لحثها على الامتناع عن التصعيد). ورجح التقرير أن ايصال هذه الرسائل تم عبر وسطاء من قطر وعُمان.
سادسا، إن ردود ايران و”حزب الله” على إسرائيل، اثارت قلقا جديا لدى دول العالم، وخصوصا ان ايران والحزب أكدا حتمية الرد. (في هذا الجانب، يبرز ما اشار اليه التقرير حول تخوف ابداه بعض الديبلوماسيين الاوروبيين من أن تشكل عاملا لمفاقمة التصعيد وتأجيج الصراع، اذا ما جاءت على نحو يتجاوز الرد الايراني على اسرائيل في نيسان الماضي. وبدا هذا التخوف وكأنه يستبطن دعوة الى ردود مضبوطة، تبقي الامور قيد السيطرة”.
ايران: هكذا تُمنع الحرب
وفي سياق متصل، كان لافتا ما نسب الى الرئيس الايراني مسعود بزكشيان، من “أن ايران ترى في منع الحرب وتحقيق السلام العالمي مصلحة امنية على اعلى المستويات”.
ونقلت القناة 12 الاسرائيلية “ان الرئيس الايراني قال للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون انه: اذا كانت الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية تريد حقا منع الحرب، فيجب عليها اجبار اسرائيل على وقف الابادة الجماعية في غزة وقبول وقف اطلاق النار”.
إبقاء اسرائيل قلقة
الى ذلك، ابلغت مصادر “حزب الله” الى “الجمهورية” قولها أنّ توقيت ردّ “حزب الله” على اغتيال، يتحدّد في اللحظة التي يتبدى فيه “الهدف الدسم”، وساعتئذ لن يتأخّر اتخاذ القرار باستهدافه. والسيّد حسن نصرالله كان شديد الوضوح لهذه الناحية.
وبحسب المصادر فإنّ الاسرائيليين يريدون ان يعرفوا متى سنردّ، ومتى سترد ايران وكيف، وبعض الموفدين يطلبون ان يكون الرد شكليا. وما نقوله ازاء ذلك، هو أن اسرائيل ستتلقى ردا يتناسب مع حجم جرائمها، والى ان تحين لحظة الرد، ما على اسرائيل الا ان تبقى غارقة في دائرة القلق، ومطاردة بالخوف من الانتقام الآتي حتما”.
الجمهورية