ترتيب هجوم إيراني “لطيف” على إسرائيل “قيد الإنجاز”: ماذا عن “الحزب ولبنان”؟
المثابرة على التزام مبدأ "الصبر الاستراتيجي"
قد يكون “حزب الله”، بالفعل، بحاجة إلى وقت وجهد كبيرين للردّ على اغتيال القائد العسكري لـ”المقاومة الإسلامية في لبنان” فؤاد شكر. لكن ليست هذه حال إيران!
بالنسبة إلى “حزب الله”، فهو في حالة حرب نشطة مع إسرائيل، منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر)، وبالتالي، فإنّ إقدامه على قصف إسرائيل، حتى لو توسّع نطاقه، واستهداف المنشآت العسكرية، حتى لو تمّ إدخال نقاط جديدة على “بنك الأهداف”، لن يغيّرا شيئاً في المشهد العام، بل سيعطيان إسرائيل مبرّراً لتكريس قرارها بتوسيع رقعة المواجهة. وبالفعل، فإنّ من يتابع يوميات الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية يعرف، بسهولة، أن نطاق المواجهات يتوسع ويتكثّف.
وفي مكان ما، ثمة من لا يعتبر أن إسرائيل تجاوزت في استهدافها فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية لبيروت، أي خط أحمر. فهي كانت واضحة في أنّها، في ضوء اتهامها “حزب الله” بالصاروخ القاتل الذي سقط في مجدل شمس، في طور تحديد هدف عسكري نوعي.
والضاحية الجنوبية لبيروت لم تكن يوماً خارج إطار الاستهدافات الإسرائيلية “النوعية”. فسبق أن استهدفت القيادي الكبير في “حماس” صالح العاروري في 2 كانون الثاني (يناير)، حيث عادت واستهدفت فؤاد شكر في حارة حريك، أي في “عاصمة الجمهورية الإسلامية في لبنان”.
وحاولت الآلة الدعائية التابعة لـ”حزب الله” التخفيف من قدرات إسرائيل الاستخبارية، بعد تمكنها من اغتيال شكر، فحاولت إلقاء تبعة “الاسترخاء الأمني” للهدف على الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي قيل إنّه ضَمَن لمن تواصل معهم بعد “مجزرة” مجدل شمس أنّ العاصمة اللبنانية وضاحيتها الجنوبية خارج بنك أهداف إسرائيل “الانتقامية”.
حجةٌ غريبة نوعاً ما. فـ”حزب الله” الذي طالما اعتبر أن الأميركيين هم “العدو الأكبر”، وأنّ ما ينقله إليهم من معلومات عبر الوسطاء يدخل في سياق “التضليل” هنا و”التهويل” هناك، بيّن بتعميم هذا التبرير أنّه يعتمد الأميركيين عموماً وهوكشتاين خصوصاً مرجعية معلوماتية يضع في عهدتها حتى حياة قياداته العليا.
في أي حال، وكما بعد اغتيال العاروري كذلك بعد اغتيال شكر، أوصى مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي قيادة “حزب الله” بالمثابرة على التزام مبدأ “الصبر الاستراتيجي”، لكنّ اللهجة شهدت تصعيداً كبيراً بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وهو بحماية “الحرس الثوري الإيراني”، بسبب تفعيل إيران سيناريو “الردّ الموحّد” بحيث تتحرّك، بطريقة متزامنة، الصواريخ والمسيّرات من لبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران، نحو إسرائيل.
وهذا يعني أنه إذا كان بديهيّاً أن ينتظر “حزب الله” حتى يتمكن من تحديد هدف نوعي يردّ به على اغتيال شكر، فإنّ الأمر ليس كذلك، بالنسبة إلى الردّ الإيراني.
ولا تحتاج إيران لـ”معاقبة إسرائيل” إلى وقت، فيكفيها أن تحرّك آلتها العسكرية وتوجّهها نحو المواقع الإسرائيلية، سواء فعلت ذلك بالانفراد أو بتنسيق مع تنظيمات “جبهة المقاومة”.
لكنّها لم تُقدم على ذلك، لأنّها، بقدر ما هي بحاجة إلى الانتقام، هي بحاجة لضمانات بعدم تورطها مباشرة في حرب إقليمية.
كانت إسرائيل تُدرك ذلك، ولهذا رفعت مستوى المواجهة مع إيران إلى مستوى الحرب. لم تنفِ تهمة اغتيال هنية، واكتفت بنفي أن تكون واحدة من طائراتها تولّت عملية الاغتيال، لإعطاء صدقية للروايات التي تتحدث عن اغتياله بواسطة خلية تتحرّك بحرّية في عقر دار “الحرس الثوري الإيراني”. وسرّبت خططاً عسكرية تقضي بتنفيذ هجوم على إيران يتزامن مع بدء الهجوم الإيراني عليها، ونشرت تقارير عن طرح يقضي بشن هجوم وقائي ضدّ “حزب الله” على امتداد لبنان، قبل أن يشارك “حزب الله” في هجوم إيران على إسرائيل.
وبذلك، تمكنت إسرائيل من قلب المشهد. تحدثت بأدبيات القوي الذي يرفع عنه أعباء الخوف من تبعات أفعاله، ويعتبر أن الآخرين يجب أن يرتعدوا، وبيّنت للمراقبين أنّها هي الطرف الذي يستدعي الآخرين إلى الحرب.
إنّ الصورة المكوّنة في كل العالم اليوم تظهر كالآتي: إسرائيل تسعى وراء ما يمكن أن يعطيها شرعية للانقضاض على لبنان وعلى إيران.
وهذا الانطباع أعطى دبلوماسية الاحتواء التي قادتها الإدارة الأميركية بالتزامن مع “دبلوماسية حاملات الطائرات” صدى، فتراجعت إيران خطوات إلى الوراء. أعطت مجالاً زمنيّاً لنفسها وللآخرين، في محاولة منها لإيجاد معادلة تتيح لها “حفظ ماء الوجه” من جهة، وعدم التدحرج إلى الحرب من جهة أخرى.
وقد عبّر عن هذا التوجّه الإيراني الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله عندما تحدث، في خطابه الأخير أول من أمس، عن أن “جبهة المقاومة” لا تريد أن تدخل إيران في الحرب، فهي دولة مساندة، بنظره، وليست دولة مواجهة. لقد أعطى نصر الله، الذي ينادي الخامنئي بلقب “القائد”، إيران الكبيرة والقوية، الوظيفة التي كان قد أعطاها العرب عموماً والزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر خصوصاً، للبنان الصغير والضعيف نسبيّاً.
في المقابل، تسعى الإدارة الأميركية إلى تخفيف “الغلو” الإسرائيلي، من خلال إبلاغها، بشكل واضح، أنّها ستشارك في المجهود الدفاعي عنها، لكنّها لن تدعمها في “الطموح الحربي”.
وإذا كان واضحاً أن “الطموح الحربي” الذي تقصده واشنطن يتمحور حول إيران، فإنّه، بخصوص “حزب الله” يبقى “ضبابيّاً”، لأنّ هناك توافقاً أميركيّاً – إسرائيليّاً على أن هذا الحزب هو في موقع المعتدي على إسرائيل، منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر).
وقد تكون هذه الضبابية هي التي دفعت نصرالله، في خطابه الأخير، إلى رفع الصوت للقول إنّ إسرائيل، بهجومها على الضاحية الجنوبية حيث اغتالت شكر، نفّذت عدواناً، وهي المسؤولة عن توسيع دائرة المواجهات التي كان “حزب الله” يريدها محصورة على الشريط الحدودي. وبالتالي، فإنّ حزبه استجاب دائماً لرغبات الأميركيين بتخفيض التصعيد، لكن إسرائيل هي التي تمرّدت على ذلك، وبالتالي فإن “حزب الله” هو في موقع دفاعي وليس هجوميّاً!
بالتأسيس على كل ذلك، يبدو واضحاً أن مساعي “ترتيب” هجوم إيراني “لطيف” على إسرائيل في طور البلورة، لأنّه، كما يبدو، هو الخيار الوحيد الذي يحول دون إدخال إيران في حرب يصرّ الجميع على اعتبار أنها من أهداف إسرائيل من جهة، وخارج قائمة الرغبات الإيرانية من جهة أخرى!
فارس خشان- النهار العربي