ثلاثة اغتيالات في ثلاثة أسابيع: لماذا “غيّر” نتنياهو استراتيجيّته؟ هل يتحرك لإسقاطه “هاريس”؟

ثلاثة اغتيالات في ثلاثة أسابيع. من محمد الضيف إلى إسماعيل هنية مروراً بفؤاد شكر، إسرائيل تصعّد. ويبدو أن عتبات سلم التصعيد لديها بلا نهاية. يفرض واقع كهذا تعديل تقييمٍ تحول إلى شبه لازمة في المرحلة الماضية: لا أحد يريد الحرب في المنطقة. على ما يبدو، ثمة من يريدها، وربما يستعجلها أيضاً: رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

يشعر نتنياهو بأنه بات يملك من أوراق القوة ما يمكنه من مواصلة هجوم بلا هوادة. حتى في الوقت الذي تحضر إيران ردها ضد إسرائيل، خططت الحكومة الإسرائيلية لمهاجمة الأراضي الإيرانية مجدداً، في حال حصلت على أدلة استخبارية محددة بأن طهران تحضر لاستهدافها. من يحدد “موثوقية” الأدلة قضية أخرى.

لا رد للجميل

لا يشعر نتنياهو بالقوة تجاه أعدائه وحسب، بل أيضاً تجاه حليفته الولايات المتحدة. كلما ضغطت واشنطن باتجاه التعجيل نحو إتمام صفقة تبادل الأسرى مع “حماس”، عدّل نتنياهو شروطه. إن لم ينفع ذلك، عدّل أسلوبه. الانتقال من التفاوض مع “حماس” إلى قتل رئيس مكتبها ومفاوضها الأول لم يتطلب وقتاً طويلاً.

وكلما ضغطت واشنطن باتجاه خفض التصعيد وإنهاء الحرب، قدّم لها نتنياهو ما هو أسوأ من تجاهل رغباتها: هدايا تناقض تلك الرغبات، غالباً على شكل دفع الإقليم خطوة إضافية إلى الهاوية. قد يكون الرئيس جو بايدن آخر رئيس أميركي يعبّر عن قناعة فكرية وعاطفية بضرورة التحالف مع إسرائيل. لا يجد المرء في التاريخ الأميركي أمثلة كثيرة عن رئيس يصف نفسه بأنه “صهيوني”.

بالرغم من ذلك، لا يُظهر نتنياهو ميلاً كبيراً لشكر الرئيس على كل الدعم الذي قدمه، بدءاً من الأسلحة وصولاً إلى حمايته من ضغوط الإعلام والرأي العام. لقد كان لهذا الاحتضان كلفته المباشرة على حظوظه الانتخابية قبل التنحي عن مسعاه، والآن على حظوظ نائبته، المرشحة الرئاسية كامالا هاريس. وربما أدى تغيير التذكرة الديموقراطية إلى تغيير حسابات نتنياهو.

الخوف من الرئيسة هاريس

احتفظت هاريس بخطاب أقل حدة في دعم إسرائيل وشددت على أنها “لن تصمت” حيال معاناة الفلسطينيين. وحين التقت بنتنياهو خلال زيارته واشنطن الشهر الماضي، قالت: “لقد قلت هذا مراراً، لكن الأمر يستحق التكرار، لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وكيفية فعل ذلك أمر مهم”.

في حين يعتبر البعض أن خطابات هاريس تجاه غزة مختلفة “بشكل هامشي” عن خطابات بايدن، يبقى أن ذلك الهامش مؤثر في السباق الانتخابي الرئاسي. حين انتقدت هاريس استراتيجية إسرائيل لتسببها بمقتل “العديد من الفلسطينيين الأبرياء”، بالرغم من وصفها “حماس” بأنها “منظمة إرهابية وحشية”، نالت العديد من الانتقادات الجمهورية. السيناتور الجمهوري ريك سكوت قال إنها “تعمل لمصلحة الجزء الذي يحب حماس من حزبها”. وقال زميله توم كوتون إن هاريس “ساوت بين حماس وإسرائيل”.

لاحظ ديفيد جابلينوفيتز من صحيفة “جيروزاليم بوست” كيف أن لغة الجسد خلال لقاء هاريس نتنياهو كانت مختلفة عن تلك السائدة في لقاء بايدن نتنياهو. ونقل عن مصدر في واشنطن لم يسمه قوله إن هاريس “ربما ذهبت بعيداً جداً في لغة الجسد لديها خلال الصورة الرسمية مع نتنياهو، مشيرة إلى أنها كانت قلقة من أنها ستخسر أصواتاً في تشرين الثاني (نوفمبر) مع هذه المصافحة”.

هل يتحرك لإسقاطها؟

في مرحلة انتقالية تطوي صفحة إدارة أكثر دعماً لإسرائيل بقيادة بايدن، لمصلحة إدارة أكثر تردداً تجاهها بقيادة هاريس، ربما اختار نتنياهو التصعيد استعداداً للمرحلة المقبلة، بل حتى لصياغتها. هذا ما يمكن استنتاجه من مقال في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية للرئيس السابق للاستخبارات البريطانية “أم آي 6” جون ساورز.

فمن جملة الأهداف التي يريدها رئيس الوزراء الإسرائيلي مساعدة المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب في العودة إلى البيت الأبيض، على اعتبار أنه كان “الرئيس الأكثر قابلية للتلاعب” الذي حظيت به إسرائيل. وبما أن نتنياهو يعلم أن على واشنطن التدخل لدعم تل أبيب في حرب مفتوحة مع إيران أو حزب الله، سيعيد ذلك إثارة الانقسامات في الحزب الديموقراطي، مما يدفع هاريس لخسارة ولاية متأرجحة بارزة مثل ميشيغان.

احتمال آخر

قد تكون هذه الحسابات حاضرة في تفكير نتنياهو. ما ليس واضحاً هو مدى موافقة كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين في إسرائيل على الذهاب إلى خيار الحرب حالياً. فقد ذكر تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” مؤخراً أن جنود الاحتياط في إسرائيل متعبون ويعتمدون في مداخيلهم على إعانات. صحيح أن هذا قد لا يكون رادعاً كافياً عن شن حرب، بخاصة مع خفض حدة المعارك في غزة (يرى ساورز أن هذا الأمر مقصود من نتنياهو لتحرير قواته من أجل القتال في الشمال). لكن يبقى إرهاق الجيش الإسرائيلي أحد العوامل التي قد تكبح تل أبيب عن شن حرب، على الأقل في المستقبل القريب.

في نهاية المطاف، ربما لم يغير نتنياهو استراتيجيته ليشن حرباً واسعة. بشكل محتمل، هو يبني حساباته على أن التصعيد الإسرائيلي لن يقابَل بتصعيد من إيران ووكلائها لأنه يملك اليد العليا على المستوى الاستخباري. يعني هذا أن زيادة الضغط الميداني عبر انتهاك الخطوط الحمراء الإيرانية ليست سوى ورقة لتعزيز موقفه قبل نضوج ظروف التفاوض الجدي. مع ذلك، قد يكون هذا الاحتمال ضعيفاً. بالنظر إلى أنماط سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي، لا يمكن إسقاط الاحتمالات الخطيرة. في حقبة نتنياهو، قد تكون أداة الاستفهام الأساسية المتعقلة بحرب شاملة هي “متى” لا “هل”.


النهار العربي

مقالات ذات صلة