آلان عون يشقّ بعصاه كتلة باسيل: إنّ غداً لناظره قريب”؟
في غير زمانه ولا أوانه صدر قرار فصل النائب آلان عون من التيار الوطني الحر. في خضمّ حرب إسرائيلية عرضة للتوسّع بين ليلة وضحاها ارتأى رئيس التيار الوطني الحرّ الالتفات إلى شؤون تيّاره الداخلية فأصدر قراراً كان يتريّث في إصداره. وذلك بعدما صار موضع التأكيد والتداول الإعلامي والحزبي منذ أشهر خلت. فما السبب؟ وكيف سيردّ آلان عون؟
منذ الانتخابات النيابية وما بعدها بقليل لم يعد حال كتلة نواب التيار الوطني الحرّ على خير ما يرام. تراكمات بُنيت على خلاف في وجهات النظر بين رئيس الكتلة وعدد من نوّابها انتهت إلى خلاف عميق على خلفيّة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. يوم خرج كلّ من نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب وآلان عون عن توجّه الكتلة الذي قضى بانتخاب جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية.
شكّل خروج النواب عن توجّه رئيس التيار سابقة في لبنان. لم يحدث أن خرج نائب عن طاعة رئيس حزبه وغرّد خارج سربه. لم يأتِ قرار فصل عون بجديد لم يكن متوقّعاً. فالمرتقب أن يلي قرارَ فصله قراران مشابهان لنائبين إضافيَّين هما أيضاً يتغيّبان عن حضور اجتماعات الهيئة السياسية وعلى خلاف مع باسيل، وإن كان خلافهما لم يظهر جليّاً إلى العلن بعد.
ماذا قال ميشال عون عن ابن أخته؟
للنائب عون حيثيّته العائلية التي جعلت الكثيرين يتشكّكون في احتمالية صدور القرار بفصله. فهو ابن شقيقة المؤسّس الأوّل ميشال عون. ومن المؤسّسين الأوائل في التيار وهو الرئيس المنتخب للتيار لو جرت انتخابات في حينه. لكنّ المفاجأة أنّ كفّة الصهر غلبت على كفّة القريب. فقد بارك الرئيس القرار ووصّفه على الشكل التالي: “إذا كان كلّ واحد يجب الأخذ برأيه لوحده، فهذا لا يجوز. إذ يجب أن تكون المجموعة الكبيرة هي التي تتكلّم وتصحّح وتنجح. أمّا إذا لم يعجب أحدهم هذا الوضع،”فليصطفل هذه مشكلته”.
عمّا إذا كان خروج عون وآخرين سيشكّل خطراً على مستقبل التيار قال الرئيس عون: “الأخطر أن يبقوا معاً بهذه الطريقة”. و”بكلّ صراحة” قال إنّ المطلوب “الالتزام بتوجيهات التيار والتوجيهات التي تمرّ برئيس التيار”.
تفيد بعض المصادر أنّ الرئيس عاتب باسيل لتأخّره في بتّ القرار بعدما فشلت كلّ منافذ التوافق.
تبرّر مصادر قيادية في التيار التوقيت بالقول إنّ القرار بقي مجمّداً لفترة زمنية طويلة، خلافاً لإرادة هيئة الحكماء التي يرأسها الرئيس ميشال عون. وقد سبق أن صدر مرّتين. والسبب في ذلك أنّه خالف القانون على عدّة مراحل. حتى بدا التأخير وكأنّه احتقار للهيئة برفضه المثول أمامها. وقد أبلغت الهيئة باسيل أنّ “القرار عندك، لكنّك بتأخير صدوره ترتكب مخالفة ويتوجّب عليك إمّا تطبيقه أو إلغاؤه”.
المحاولة الأخيرة لفضّ الخلاف
حصلت المحاولة الأخيرة لتصحيح الوضع في اجتماع عقد أخيراً بين باسيل والنائب عون لحضّه على التزام قرارات الصيغة الحزبية فكان جوابه أنّ “نائب الأمّة لا يُساءل”. وهو ما فُهِمَ على أنّ لديه رغبة في مغادرة الصيغة الحزبية لما يتناسب ومصالحه، مثله كمثل آخرين يتغيّبون عن حضور اجتماعات الكتلة ويتّخذون مواقف ويغادرون البلاد في مهمّات من غير التنسيق مع الحزب ورئيسه ويريدون تعديل النظام الداخلي لتكون للتيّار إدارة جماعيّة.
إزاء هذا الوضع وصلت المحاولات إلى حائط مسدود، فأبلغ رئيس الهيئة أنّ على النائب الخضوع للنظام الداخلي وإلّا كان على باسيل التوقيع على القرار لأنّ التمادي سيؤدّي إلى ضرب هيبة التيار ورئيسه بما يفتح الباب أمام كلّ من يريد أن تكون له استقلاليّته.
إذاً من وجهة نظر التيار التوقيت حكَمه مسار التحقيق الذي وصلت إليه هيئة الحكماء ولم يحكمه خيار منفرد من باسيل. ولو قدّر للأخير أن يرجئ صدوره لمزيد من الوقت لفعل.
إذاً صدر القرار بناءً على “مسار التحقيق” و”مجموع الشكاوى” التي وردت فيه، وكانت آخِرتها رفض النائب عون الإفصاح عمّن انتخب في جلسة الانتخاب للرئاسة واعتبار أنّ من حقّه نائباً أن ينتخب من يريد.
على حياة الرّئيس عون
المقرّبون من النائب عون والمعترضون على قرار فصله قالوا إنّ باسيل تقصّد إصدار القرار “على حياة عين الرئيس عون”، وبمشورته وموافقته، وحمايةً منه لمشروع التوريث للصهر.
لقد سبق أن زار عون خاله الرئيس، فطلب إليه السير بتوجيهات باسيل.
لكن ماذا بعد القرار؟
يقول رافضوه: بالتأكيد ستكون له تبعاته السياسية على الكتلة والتيار والانتخابات النيابية مستقبلاً. ويعتبر هؤلاء القرار بمنزلة “ضربة للكتلة ودليل على المسار الذي يسلكه باسيل بضرب كلّ الأصوات المعارضة من حوله وتشكيل التيّار على قياسه السياسي في محاولة لإنهاء شرعيّة عون”. ويضيف هؤلاء: “يريد شخصيات يعيد تشكيلها على مزاجه السياسي، كأولئك الذين انتُخبوا نوّاباً ولم تكن لهم حيثية قبل رئاسة باسيل للحزب”.
هذا المنطق ترفضه مصادر التيار التي تستغرب انتقاد قرار الفصل من بعض الجهات الحزبية، التي تعتبره تسلّطاً ومسّاً بحقوق النائب، علماً أنّ “وضعية كهذه غير مقبولة ولا يمكن أن يتحمّلها أيّ حزب من الأحزاب”.
يتريّث النائب عون في الحديث إلى الإعلام عن تفاصيل الخلاف مع باسيل. يتجنّب الدخول في سجالات. لكنّ هذا لا يلغي أنّه في لحظة معيّنة سيتولّى وضع الأمور في نصابها. لكن ليس من باب المساجلة. لن “يقف متفرّجاً على من يحاول اغتياله في السياسة. وهو، كما غيره من المعترضين المعرّضين للمصير ذاته، عليهم أن يكملوا مسيرتهم بعيداً عن باسيل”.
تحالفات عون في بعبدا – عاليه
يعتبر هؤلاء أنّ ثمّة فرصة كبيرة لاستمرارهم السياسي، وأنّ محاولات تأليب المحازبين ضدّ آلان عون لن تجدي نفعاً. أمّا لناحية تأثير ذلك على الانتخابات النيابية فمن المبكر الحديث عن الموضوع، ولو أنّ للنائب عون مشاوراته المفتوحة. وانقطاع علاقته مع باسيل وخروجه من التيار لن يؤثّرا على علاقاته السياسية وقربه من الثنائي الشيعي والحزب التقدّمي الاشتراكي وآخرين، وهو ما يفتح النقاش مستقبلاً على تحالفات انتخابية في بعبدا – عاليه. “ومن حقّ كلّ فرد أن يبحث عن مصلحته، فكيف بالحريّ من كان صاحب تجربة نيابية وحيثية حزبية؟!”، يسأل المقرّبون من آلان عون.
بالتأكيد ستكون هناك ارتدادات لما حصل، خصوصاً متى استُتبع بقرارات مماثلة قد تصدر بحقّ نواب آخرين. وسيشكّل هذا الجوّ تحدّياً للاستمرارية، حتّى من داخل التيار: “فإذا كانت لديهم القدرة على تشكيل حيثية فليفعلوا. لكن لماذا لم يترشّحوا في مواجهة باسيل في انتخابات التيار ويتواجهوا معه؟”.
نتيجة ما جرى لم تعد كتلة باسيل “الكبرى مسيحياً”. وهذا ما تجيب عليه مصادر التيار بالقول: “هذا حصل يوم ارتأى نائبان التصويت خارج إرادة التيار انتخابياً. وما نفع كتلة لا يلتزم نوابها بقراراتها؟”.
أمّا على المستوى الانتخابي فتعتبر المصادر أنّ الانتخابات مرتبطة بتكتّلات وحواصل انتخابية وليس بانتخاب فرديّ، ومن كانت له القدرة فـ”الله يوفّقه”. وتتابع: “إذا كانت لديهم القدرة لأن يكملوا المسيرة باسمهم الخاص فليكن. ونكون قد أخذنا دروساً ممّا حصل. ولو كانت هناك إمكانية لسحب أصوات التيار ممّن ينسحبون منه لتبيّنت حقيقة البعض، وإنّ غداً لناظره قريب”.
غادة حلاوي- اساس