“حزب الله” أقوى جماعات إيران المسلّحة…وورقتها الأقوى في السياسة والعسكر !

من الملعب السياسي وصولاً إلى الميدان العسكري، يتصدّر “حزب الله” المشهدية اللبنانية، ويبرز لاعباً أساسياً في الإقليم انطلاقاً من موقعه على الخارطة الإيرانية التوسّعية، بعدما بات ورقة طهران الأقوى، والأكثر قدرة على إحداث الفوارق، من اليمن مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان وغزّة، حتى توسّع دوره ليشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا ودولاً أوروبية.

شهد “حزب الله” تطوراً كبيراً منذ نشأته. فبعدما كان حركةً مقاومة لإسرائيل في الجنوب اللبناني، بات اليوم لاعباً إقليمياً بفضل مراكمة الخبرات السياسية والعسكرية، لاسيما أنه يعيش حالة حرب مستمرّة، من الجنوب اللبناني، إلى سوريا التي اقتحمها حفاظاً على النفوذ الإيراني فيها، واليمن حيث شارك في الحرب إلى جانب الحوثيين للضغط على السعودية.

عوامل القوة
ترتكز قوّة “حزب الله” على عوامل عدّة: أوّلها الدعم الإيراني الكبير وشبه المفتوح له، والذي يقوم على الدعم المادي والعسكري وحتى السياسي. فطهران تموّل الحزب بميزانيات تقدّر بملايين الدولارات سنوياً لتأمين احتياجاته، ثم تمدّه بأحدث ابتكاراتها في مجال السلاح، كالمسيّرات، وتدعمه سياسياً خلال المفاوضات غير المباشرة مع الأميركيين والإسرائيليين.

وباتت الترسانة العسكرية والصاروخية لـ”حزب الله” تضم وفقاً لوكالات الاستخبارات الأميركية، نحو 150 ألف صاروخ وقذيفة متباينة النوع والمدى، منها صواريخ موجهة مضادة للدبابات، وصواريخ مضادة للطائرات، “كاتيوشا”، وصواريخ نوعية ثقيلة، كـ”فلق”، و”بركان”،و “فجر”، و “زلزال”، وصواريخ مضادة للسفن استخدمها خلال حرب 2006، كما يمتلك عدداً كبيراً من المسيّرات الاستطلاعية والانتحارية.

ويبلغ عدد مقاتليه بحسب المصادر نفسعا 45 ألف مقاتل ، مقسمين بين ما يقرب من 20 ألفاً بشكل نظامي و25 ألفاً من قوات الاحتياط..

العامل الثاني الذي يرتكز “حزب الله” عليه هو البيئة الشعبية الواسعة في لبنان، فالحزب يُعدّ من أكثر الأحزاب شعبية إن لم يكن أكثرها، وعدد المقترعين له في الانتخابات النيابية أثبت ذلك، كما تمكّن من استقطاب جماهيره انطلاقاً من اعتماده على الأيديولوجيا الدينية في دعايته السياسية، وعلى مواجهة إسرائيل. وهذان العاملان مكّناه من استقطاب نسبة كبيرة من الطائفة الشيعية في لبنان.

على المستوى الإقليمي، تعتبر إيران “حزب الله” أقوى جماعاتها في المنطقة، وباتت توكل إليه مهمّات تكتيكية رفيعة المستوى، كالتنسيق مع “حماس” في غزّة، وتدريب الحوثيين في اليمن على تقنيات الصواريخ، والسيطرة نسبياً على المشهد العسكري السوري. فبات الدور الذي يلعبه الحزب في دهاليز فيلق القدس أبرز من أدوار باقي الجماعات الإيرانية في المنطقة.

خبرات متراكمة
يُشير وليد صافي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، إلى أن “حزب الله” نشأ في لبنان بقرار إيراني، وهو حزب لبناني يدين بالعقيدة لولاية الفقيه. ورهان طهران على الحزب تعاظم مع توالي الأحداث التي أثبتت أنه جزء من التركيبة الخارجية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وجزء من التركيبة الإقليمية لإيران في منطقة الشرق الأوسط.

وفي حديث لـ”النهار العربي”، يلفت صافي إلى أن إيران أعدّت “حزب الله” ليلعب دوراً في إطار النفوذ الإيران. وهذا الدور تطوّر نتيجة خبرته في الحروب مع إسرائيل، ومن ثم الحرب السورية، وقوّته جعلته يحتل موقعاً أساسياً في فيلق القدس والسياسة الخارجية الإيرانية. ولهذا السبب، تُعهد إليه مهمّات في سوريا والعراق واليمن وغيرها من المناطق.

وكان لـ”حزب الله” دور في إعادة رسم المنطقة على الشكل الذي باتت عليه، انطلاقاً من موقعه الإيراني. فالحزب خاض معارك إيران في لبنان وسوريا، وساهم في تشكيل موازين قوى جديدة صبّت في صالح إيران، مع توسّع نفوذها في القرنين الماضيين، واستثمرتها طهران في مراحل عدّة، أبرزها مرحلة توقيع الاتفاق النووي.

استثمار إيراني
وبرأي صافي، “حزب الله” هو أقوى الجماعات التي تنضوي تحت السياسة الإيرانية، إذ استثمرت فيه طهران بشكل كبير، ولهذا الاستثمار علاقة بالجغرافيا، لأن “الحزب” موجود على الحدود مع إسرائيل، وعلى شواطئ البحر المتوسط، وإيران تعمل على تعظيم نفوذها في هذه المنطقة، كما تعمل على الضغط من خلال ورقة المجموعات المسلّحة، وبينها “حزب الله”، من أجل تحسين موقعها التفاوضي ورفع العقوبات عنها والتوصل إلى اتفاق نووي يُرضي طموحاتها.

يقول أحمد الأيوبي، الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، إن “حزب الله” حقّق مكتسبات على شكل قدرات قتالية واستقطاب قواعد جماهيرية وصرفها خدمة للمشروع الايراني، ما جعله البطاقة الإيرانية الأقوى في المنطقة، لكنه – برأي الأيوبي – غير قادر على الحسم، “وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن “حزب الله” لم يستطع تحقيق الانتصار في سوريا، فتمّ استدعاء روسيا للتدخّل”.

بالتالي، ما يُمكن الخلوص إليه على الصعيد الإقليمي هو إن إيران تستثمر قوّة “حزب الله” العسكرية، إلى جانب قوّة مجموعاتها الإيرانية الأخرى، في الضغط على المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، إضافة إلى مصالح حلفاء واشنطن وتل أبيب، من أجل تحسين موقعها التفاوضي، حينما يرتبط الموضوع بتقسيم النفوذ أو العقوبات أو تخصيب اليورانيوم، وغيرها من الملفات.

فائض القوة في لبنان
على المستوى اللبناني الداخلي، تمكّن “حزب الله” من السيطرة على المشهدية اللبنانية منذ سنوات، مستعيناً بفائض القوّة الذي يدعم رصيده السياسي. وقد استطاع بفائض قوّته وتحالفاته السياسية من التحكّم بكافة مفاصل البلاد وتسيير شؤونها وفق ما تقتضي مصالحه، حتى باتت المؤسسات الدستورية خاضعة لوصايته.

في هذا السياق، يتطرّق الأيوبي إلى بدايات “حزب الله” وكيفية سيطرته على المشهد اللبناني، من خلال “إزاحة التنظيمات والأحزاب التي واجهت إسرائيل في لبنان، واحتكار “العمل المقاوم”، ما أدّى إلى خلل كبير على مستوى البلد، لأنّه بات الحزب المسلّح الوحيد في لبنان”. لكنه لا يرى أن “الحزب” مسيطرٌ على إجراء الاستحقاقات، إلّا أنه قادر على عرقلتها.

ويوضح الأيوبي: “لم يعد ’حزب الله‘ قادراً على تجيير الاستحقاقات كما كان الحال في السابق، وهو اليوم غير قادر على فرض رئيس للجمهورية، لكنه يتمتع بالقدرة على التعطيل. كما أنه عاجز عن فرض قراره بقوّة السلاح، لأنه فشل في تجارب 7 أيار (مايو) 2008، وفي حادثتي الطيونة وخلدة، وأي لجوء فعلي للسلاح يعني نشوب حرب أهلية”.

دولة إسلامية؟
أما بالنسبة إلى أيديولوجية “حزب الله” وأفكاره، فالأيوبي لا يرى في عقيدة ولاية الفقيه التي يتبعها الحزب “عطاءً للاستفادة من إيران”، إنما هي أساس بناء منظومة “حزب الله” الذي لم يتراجع عن أهدافه المبدئية، ومنها تأسيس دولة إسلامية في لبنان، وما يحصل اليوم في العراق من محاولات لفرض الشعائر الدينية الشيعية على الدولة خير دليل على ما سيشهده لبنان.

في هذا الإطار، يشير صافي إلى أن تجربة العقود الأربعة الماضية أقنعت “حزب الله” باستحالة تطبيق مشروع الدولة الإسلامية في لبنان، “لكن في الآن عينه، يمارس الحزب الأقوى بميزان القوى الداخلي، السياسة على هذا الأساس، وهذا المبدأ يناقض مبدأ النظام السياسي التوافقي”.

في المحصّلة، تخطّى “حزب الله” موقعه بصفته حزباً سياسياً لبنانياً منذ عقود، وبات دوره إقليمياً أكثر مما هو لبناني، نتيجة علاقته العضوية بفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني. وبعيداً من محاولات لبننة الحزب، فمن الواضح أنّه يعمل وفق الأجندة الإيرانية ومقتضياتها.

النهار العربي

مقالات ذات صلة