المواجهة من غزة إلى «جبهات إيران»… وجنوب لبنان أول الغيث!!

أَطلَّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد اغتيال إسرائيل القيادي العسكري الأول في «الحزب» فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت (معقل «حزب الله» في العاصمة اللبنانية) ليُعلن أن كل جبهات الإسناد دخلت مرحلة جديدة مختلفة عن السابق، ولم تعد جبهات بل معركة مفتوحة.

قبل اغتيال إسرائيل لمن وصفته بـ«العقل المدبّر» للهجوم الصاروخي على مجدل شمس الذي أوقع ضحايا مدنيين من العرب الدروز في الجولان المحتل، كانت قد قصفت ميناء الحديدة رداً على استهداف «جماعة الحوثي» تل أبيب بمسيّرة متفجرة. وفي غضون ساعات من الغارة على ضاحية بيروت، جرى استهداف قيادات للحشد الشعبي في جرف الصخر في العراق، وللحرس الثوري الإيراني في الست زينب في دمشق، وقُتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران، وهو ضيف رسمي يحلُّ عليها للمشاركة في تنصيب رئيسها الجديد مسعود بزشكيان.

في واقع الأمر، تبدو إسرائيل وكأنها استعادت قدرة الردع، لا بل استطاع بنيامين نتنياهو أن يُحدِّد إطاراً جديداً للحرب ويختار توقيته. لم يعد إطار الحرب وعنوانها «غزة والقضاء على حركة حماس»، فبالنسبة إليه، دخلت تلك الحرب مرحلة العمليات الاستخبارية والأمنية المحددة الأهداف، وهي مرحلة طويلة، لكنها لن تكون مثقلة بدماء المدنيين من الفلسطينيين بما يستثير أو يُحْرج دول العالم وشعوبها، بل ستطال قيادات حماس وما تبقّى لها من بنى عسكرية ولوجستية.

الإطار الذي حدده نتنياهو لمعركة الصراع مع إيران وأذرعها العسكرية خارج حدودها الجغرافية لا يُشكِّل عبئاً أخلاقياً على أحد. ويأتي في توقيت تستطيع إسرائيل فيه أن تتصرَّف من دون أي شكل من أشكال الضغط الأمريكي، بل على العكس سيتنافس المرشحان الجمهوري والديمقراطي، قبل أشهر ثلاثة من الانتخابات الرئاسية، لإبراز مَن يدعمها للحصول على أصوات محددة من الناخبين.

ببساطة يُضفي الرجل ما يمكن اعتباره أصولاً إيرانياً في دول المنطقة. إسرائيل متفوقة في حرب الاغتيالات، تصطاد القيادات بدقة، يدها تطال كل مكان ولن تتوقف. رسالتها لقادة المحور هي «إنكم مكشوفون». نتنياهو يستدعي إيران وأذرعها. كانت إسرائيل تُحضِّر منذ أشهر لكيفية استعادة ورقة الردع. في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وقعت تحت ضغط عنصر المفاجأة، اخترقت حركة حماس جدار غلاف غزة، وتساقطت الصواريخ على تل أبيب، وهجَّر «حزب الله» مستوطني الشمال، وتجرَّأ عليها الحوثي والمليشيات العراقية التابعة للحرس الثوري الايراني. منذ ذلك الوقت، بدا أن إسرائيل فقدت عنصر الردع. اليوم، يظهر أن موازين القوى مالت لصالحها، وإن كان من الصعب الحديث عن نهائيات.

كان «منظرو المحور» يصفون زيارة نتنياهو إلى واشنطن بـ«الفاشلة»، لكن بعد التطورات المتسارعة، تغيَّرت اللغة؛ فبات الكلام عن أن «نتنياهو ذهب الى خيار الاغتيال الموسَّع واللعب على حافة الهاوية ببُعد أمريكي وفشل غزاوي، وأنه شعر بحجم الفلتان والفوضى داخل القرار السياسي في الولايات المتحدة، وأدرك أن اللحظة الانتخابية الحالية وحجم الصراع المندلع فتح أمامه هوامش، وهو أكثر مَن يُحسن فهم الخصوصيات».

حَشَرَ نتنياهو «المحور» في الزاوية. قال نصرالله إن رد المقاومة محسوم ولا نقاش فيه. ورفعت طهران راية الثأر، وأعلن الحوثي أنه سيشارك في الرد، وستنخرط كتائب «حزب الله» العراقي وشقيقاتها من الفصائل الموالية لإيران في المعركة. ولكنهم يعلمون أنهم يُستدرجون. لذلك، كان لافتاً في كلام الأمين العام لـ«حزب الله»، والذي يُعتبر الناطق باسم «محور إيران»، أنه لم يعلن فتح الحرب معتبراً أن ما جرى كان ولا يزال معركة مفتوحة، رغم كلامه عن الانتقال إلى مرحلة جديدة. كما أنه حرص على الإشارة إلى أن «محور المقاومة، ومنذ سنوات طويلة، يُقاتل بغضب وبعقل وحكمة».

البعض القليل من المحللين يرى أن «المحور» لن يردَّ لسبب تقني وهو غياب عنصر المفاجأة، ولكن الفعل الإسرائيلي الأخير لا يُشكِّل فقط إيذاناً بانتهاء قواعد الاشتباك التي كانت تحكم الفترة السابقة، ولا سيما في ما يخص «حزب الله»، بل هو إعلان عن جهوزية إسرائيل للتعامل مع مختلف «جبهات المحور»، من لبنان وسوريا إلى العراق والحوثي في اليمن، لكن الأهم أنه يتوجه مباشرة الى إيران (رأس الأخطبوط)، ويستدعيها على توقيته للمواجهة. في قناعة عارفين بإيران، أن الأخيرة كدولة، لا مفر لديها من الرد، وذلك لاعتبارات معنوية وحفاظاً على ماء الوجه، خصوصاً أن الضربة باغتيال هنية على أرضها كبيرة وقاسية ومُعبِّرة وذات رسائل متعددة لا تستطيع طهران أن تمررها، ولا أن تتلطى وراء شعار «الصبر الاستراتيجي»، إنما الرد ستعتريه حسابات دقيقة، بحيث لا يجر إلى «رد على الرد» وإلى التدحرج باتجاه حرب إقليمية شاملة.

الهدف لدى «حزب الله» هو الرد لاستعادة معادلة الردع وإعادة إسرائيل إلى الالتزام من جديد بقواعد الاشتباك. ولكن السؤال: هل هذه هي حسابات إسرائيل؟ وهل ما زالت الأمور تقف عند حدود شرط «المحور»، وفي مقدمه «حزب الله»، أنَّ وقف إسرائيل للحرب على غزة هو السبيل الوحيد لعودة الهدوء إلى المنطقة؟

الإسرائيليون – سواء على ضفة الموالاة أو المعارضة – ينظرون إلى الجبهة الشمالية على أنها حرب وجود، وأنه إذا لم يتم القضاء على الخطر الذي يشكله «حزب الله» على حدودها في جنوب لبنان، فإن المستوطنين لن يستطيعوا العودة إلى الشمال. الخلاف القائم يكمن في أنه حان الوقت لتهدئة جبهة غزة من خلال وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والتفرُّغ لجبهة لبنان. فإذا لم يكن الحل دبلوماسياً، عبر قبول «حزب الله» بالانسحاب كلياً إلى شمال نهر الليطاني، فإن هذه المهمة ستتمُّ من خلال تحويل منطقة جنوب الليطاني إلى أرض محروقة على غرار ما جرى في غزة.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بات «المحور» على يقين بأن نتنياهو يضع واشنطن أمام امتحان جرّها بشكل علني إلى حرب كبرى كان يطمح إليها منذ «طوفان الأقصى»، وأنه إذا استدرج رداً كبيراً من «المحور»، فإن الولايات المتحدة ستضطر إلى التعامل معه والدفاع عن إسرائيل حتى ولو كانت في زمن الانتخابات وإدارتها في شلل. هذه الوقائع لم تتغير منذ اليوم الأول للسابع من تشرين الأول/أكتوبر. ما حصل أن إسرائيل تقرأ في الظروف الراهنة فرصة ثمينة لها ستعمل على استغلالها حتى النهاية، وهي فرصة يلتقطها نتنياهو ليس من واشنطن فحسب بل من «المحور» وأذرعه عندما حاولت هذه الأذرع تجاوز الخطوط الحمر لفرض قواعد اشتباك جديدة وتحسين أوراق طهران لاستدعائها للجلوس إلى الطاولة.

رلى موفق- القدس العربي

مقالات ذات صلة