سياسة “الاغتيالات الإسرائيلية”.. في ميزان المكاسب والمخاطر

على مدار عقود نفذت إسرائيل وواجهت اتهامات بالوقوف وراء عمليات اغتيال لقيادات الحركات الفلسطينية المسلحة أو الدول المعادية لها خلال فترات زمنية مختلفة، وكان آخرها مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، بالعاصمة الإيرانية طهران.

لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن مقتل هنية، لكنها أكدت أنها وراء استهداف القيادي بحزب الله اللبناني، فؤاد شكر، بضربة بالضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت.

كذلك، قال الجيش الإسرائيلي في بيان، الخميس، إنه تأكد استخباراتيا من مقتل قائد الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب عز الدين القسام)، محمد الضيف، إثر غارات استهدفت منطقة خان يونس في قطاع غزة يوم 13 يوليو الماضي.

هذه الأسماء القوية في حركتي حماس وحزب الله لم تكن الأولى وربما لن تكون الأخيرة في سياسة الاغتيالات الإسرائيلية التي طالما استخدمتها إسرائيل.

وانقسم محللون وخبراء حول هذه السياسة، فمنهم من يرى أنها تأتي بنتائج قصيرة المدى، كون هؤلاء القادة يستبدلون بآخرين يواصلون نفس النهج، فيما يرى البعض الآخر أن ما حدث هو تنفيذ لوعد الحكومة باستهداف كل من كان ضالعا في هجوم السابع من أكتوبر، وإيصال رسائل للرأي العام الداخلي.

وأشار بيان الجيش الإسرائيلي، الخميس، إلى أن الضيف كان من المبادرين والمدبرين لتنفيذ هجمات السابع من أكتوبر، التي أودت بحياة نحو 1200 شخص معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفقا لبيانات رسمية.

وفي المقابل، ردت إسرائيل بعمليات عسكرية مكثفة أدت إلى مقتل قرابة 40 ألف شخص وجرح عشرات آلاف الأشخاص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقا لوزارة الصحة في غزة.

إظهار قوة أم خداع للنفس؟
يرى الداعمون لهذه السياسة أن الضربتين الأخيرتين اللتين أسفرتا عن مقتل هنية وشكر، تشكلان عملية ضرورية لاستعادة قدرة إسرائيل على الردع والثقة بالنفس، التي تراجعت بشدة في أعقاب الهجوم المفاجئ وغير المسبوق في السابع من أكتوبر.

ووفقا لتحليل لصحيفة “هآرتس” كتبه الصحفي الإسرائيلي المخضرم، يوسي ميلمان، فإن هذه السياسة وأنباء اغتيال قيادات من حماس وحزب الله سوف ترفع من “معنويات الجمهور المكتئب، الذي يعاني يوميا من حرب رهيبة لا نهاية في الأفق لها”، بجانب إظهار استمرار الاختراقات الإسرائيلية الأمنية لحزب الله في لبنان ولإيران.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، قال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو الشوبكي، إن استخدام إسرائيل لسياسية الاغتيالات مسألة موجهة “للرأي العام الداخلي، وأيضا له علاقة بالبحث عن إنجازات ولو شكلية”.

وتابع: “في الوقت الذي نجحت فيه إسرائيل بالفعل في تفكيك جانب كبير من قوة حماس العسكرية وقضت على الكثير من عناصرها، لكنها تحتاج في ظل الحكومة المتطرفة الحالية إلى جوانب استعراضية تجعلها قادرة على الحديث عن انتصار”.

وفي مقال رأي منفصل بصحيفة “هآرتس”، كتب ميلمان، وهو مؤرخ ومحلل عسكري أيضا، أن العمليات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في غزة ولبنان تشير إلى أن سياسة الاغتيالات “أصبحت غاية في حد ذاتها”.

وتابع في مقاله أن “السياسيين ومعظم مؤسسات الدفاع ووسائل الإعلام وقطاعا كبيرا من الجمهور في إسرائيل يشيدون بهذه العمليات، حيث يعتقدون أن عمليات القتل محددة الهدف سوف تحل مشاكل الحرب التي تواجهها البلاد”.

لكنه أوضح أن “الاغتيالات وخصوصا حينما تكون بمثل هذه الوتيرة المتسارعة، لا تخدم أي غرض سياسي، ولا تقدم أي فائدة، بل على المدى البعيد تؤدي إلى زيادة العنف وأعمال الإرهاب. والواقع أن الناس يخدعون أنفسهم عندما يعلقون الأمل على مثل هذه التكتيكات”.

واغتيل هنية في طهران خلال وقت مبكر من صباح الأربعاء، في عملية أطلقت تهديدات بالثأر من إسرائيل وأثارت المزيد من المخاوف من اتساع رقعة الصراع في غزة بمنطقة الشرق الأوسط.

والأربعاء، أصدر مكتب المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، نقلته وكالة “تسنيم” الإيرانية، اتهم فيه إسرائيل باستهداف هنية، قائلا إنها اغتالت “ضيفنا العزيز في بيتنا”، مضيفا “لكنه أعد لنفسه أيضا عقابا قاسيا”، في إشارة إلى إسرائيل العدو اللدود لإيران.

“تأثير مؤقت”
نفذت إسرائيل أو اتهمت بتنفيذ عشرات الاغتيالات بحق زعماء وقياديين للفصائل الفلسطينية، وكان أبرزهم الزعيم الروحي لحركة حماس، أحمد ياسين، الذي قتل في غارة جوية عام 2004، لكن اسمه بات يطلق على أحد صواريخ الحركة التي تستهدف إسرائيل.

وفي هذا الشأن، يواصل الشوبكي حديثه لـ “الحرة” قائلا: “من الناحية العملية ستأتي قيادات أخرى ولن يقضي ذلك على حركة حماس أو غيرها، لكنها أمور مطلوبة بشدة للرأي العام ورسالة إلى أن هناك انتصارات تحدث على الأرض”.

كما أشار إلى أن ما يحدث “هي دائرة عنف وعنف مضاد، والمفاوضات من أجل الوصول لوقف إطلاق نار متعثرة بالأساس لأسباب هيكلية بسبب (رئيس الوزراء بنيامين) نتانياهو وتملّصه من المقترح الذي عرضه الرئيس الأميركي، جو بايدن. الاغتيالات قد تعقد الأمور لكن المفاوضات بالفعل متعثرة من قبل ذلك”.

وذكر تحليل صحيفة “هآرتس” أن الضربات التي استهدفت كل من هنية وشُكر لا تمثل “تغييرا في قواعد اللعبة”، ففي الماضي نفذت إسرائيل عمليات اغتيالات ضد “إرهابيين فلسطينيين وعلماء نوويين إيرانيين”.

كما قال ميلمان إنه طالما اتضح عبر عشرات الاغتيالات السابقة التي طالت “شخصيات رفيعة وقيادات، فإن تأثيرها على المنظمات الإرهابية كان مؤقتا، وسرعان ما تم تعيين آخرين في مكانهم. وحماس حركة شعبية ذات جذور عميقة، ولهذا فإنها سوف تنجو من فقدان شخصيات مثل الضيف تماما كما نجت من اغتيال مؤسس الحركة، أحمد ياسين، وغيره من كبار الشخصيات، بما في ذلك أحمد الجعبري، ومروان عيسى، وكثيرون غيرهم”.

لكن المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، أكد أن عمليات الاغتيالات جاءت متماشية “مع وعد حكومي بأن كل من كان له يد في هجوم السابع من أكتوبر سوف يتم استهدافه”، لافتا إلى مقتل الضيف وهنية ودورهم في الهجوم.

وفي حديثه لموقع “الحرة” قال إن “حماس تُظهر أن من يتعرض للقتل سيأتي قيادي آخر يستكمل مسيرته، لكن على سبيل المثال من خلف قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، شخص ليس في نفس المستوى، والضيف الذي أعلن مقتله اليوم كان صاحب خبرة وبنى قدرات حماس العسكرية على مدار عشرين عاما، ومن يأتي خلفه لن يكون بنفس القدرة والخبرة والكفاءة”.

وحاول موقع “الحرة” التواصل مع المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، أوفير جندلمان، هاتفيا وعبر تطبيق واتساب، لكنه لم يرد على الفور.

سيناريو “الجبهة الشعبية”

رصد تقرير لوكالة أسوشيتد برس، أبرز عمليات الاغتيال التي نفذتها أو اتهمت إسرائيل بتنفيذها، وكان آخرها مقتل هنية وشكر والضيف، بجانب مقتل جنرالين إيرانيين في غارة على القنصلية الإيرانية بسوريا، أبريل الماضي، في ضربة دفعت إيران إلى شن هجوم غير مسبوق على إسرائيل، بإطلاق 300 صاروخ وطائرة مسيرة، تم اعتراض معظمها.

كما قتلت غارة إسرائيلية بطائرة مسيرة في بيروت، صالح العاروري، أحد كبار قياديي حماس في الخارج، في يناير الماضي، وسبق ذلك لقي سيد رضى موسوي، المستشار القديم للحرس الثوري الإيراني في سوريا، مصرعه في هجوم بطائرة مسيرة بضواحي دمشق، في هجوم ألقت إيران باللوم فيه على إسرائيل.

وقبل اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، قتلت إسرائيل قيادات من حماس مثل أحمد الجعبري بعدما استهدفت سيارته بغارة جوية، في عام 2012، وقبلها بعامين قتل القيادي بالحركة، محمود المبحوح، في غرفة فندق في دبي في عملية نسبت إلى جهاز الموساد، لكن لم تعترف بها إسرائيل.

وقال المحلل الفلسطيني، أيمن الرقب، في حديثه لموقع “الحرة” إن عمليات الاغتيالات طالما تكون متواجدة في “الصراعات بين الدول وبعضها أو بين الدول والتنظيمات، وطالما نفذت إسرائيل اغتيالات بحق الفلسطينيين من أهمها اغتيال قائد الجناح العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير”.

وقتل الوزير في تونس، في عام 1988، وكان نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، ياسر عرفات، ونشرت صحف إسرائيلية، في عام 2012، لأول مرة تفاصيل الغارة، وفق أسوشيتد برس.

وأضاف الرقب أن سياسة الاغتيالات “رغم وجود ترتيب في القيادات داخل الحركات، إلا أن لها تأثير، حيث كل شخص يكون لديه فكر وأسلوب مختلف عن الآخر. وخلال الصراع أثر غياب هذه الشخصيات على أداء الحركات التي لم تتلاش نهائيا”.

وتابع أن المثال الأكبر على ذلك “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي بعدما اغتال الاحتلال أمينها العام أبو علي مصطفى واعتقلت أمينها العام الحالي أحمد سعدات، ضعفت الحركة كثيرا”.

الحرة

مقالات ذات صلة