شبح الاغتيالات ما بعد الضاحية يقلق حركات المقاومة: ما هو سر “التفوق” الإسرائيلي؟
بعد تنفيذ إسرائيل لعمليتي اغتيال بين الضاحية الجنوبية لبيروت وطهران، في أقل من 12 ساعة، وسقط ضحيتها القائد العسكري الأول في حزب الله فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، عاد السؤال إلى مدى اختراق إسرائيل للمنظومة الأمنية لحركات وأحزاب وفصائل وجماعات محور المقاومة.
في لبنان، وخلافًا لاغتيال هنية في طهران، فقَد اغتيال فؤاد شكر عنصر المفاجأة، بعدما أعلنت إسرائيل مسبقًا أنها تتحضر لتوجيه ضربة وصفتها بـ”المحددة والمؤلمة” لحزب الله، كرد على ادعائها بمسؤولية الحزب عن جريمة مجدل شمس، التي نفى حزب الله أساسًا علاقته بها. وغياب عنصر المفاجأة عن الاستهداف، يعزز التساؤلات أكثر حول مدى قوة المنظومة الأمنية والحمائية للشخصيات الحساسة، التي يُعتقد سلفًا أنها ستكون ضمن بنك الأهداف، لأي عدوان إسرائيلي محتمل.
شبح الاغتيالات ما بعد الضاحية
في لبنان، يلاحق شبح الاغتيالات الإسرائيلية، جميع قيادات ومسؤولي المقاومة في حزب الله والفصائل الأخرى من حماس إلى الجهاد الإسلامي وحتى الجماعة الإسلامية، التي انخرطت منذ بدء الحرب بجبهة الإسناد عبر قوات الفجر وغيرها. وما قبل اغتيال الحاج محسن في الضاحية الجنوبية وهنية في طهران، حيث أظهرت إسرائيل قوة باصطياد هدفها، لم يعد كما بعده.
يوم الأربعاء، كان لافتًا تصريح نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت، حول “إخلاء مركز الجماعة الإسلامية بمنطقة الملا في بيروت في سياق الإجراءات الاحترازية”. لم تعط الجماعة أي معلومات أخرى حول إجراءاتها الجديدة. ولدى سؤال أي طرف لديها ولدى الحركات الفلسطينية الأخرى، عن مدى توجهها لتشديد الإجراءات الأمنية لشخصياتها البارزة، العسكرية والسياسية، تتحفظ عن الإجابة.
لكن معطيات “المدن”، تفيد أن معظم فصائل وحركات المقاومة في لبنان، اللبنانية والفلسطينية، توجهت لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ودقة وحساسية، بمختلف التحركات والاتصالات، وتحديدًا للشخصيات التي قد تتبعها إسرائيل وتتجسس عليها وتسعى لاستهدافها.
استهداف حزب الله
عقب انخراط حزب الله في حرب المشاغلة مع إسرائيل منذ الثامن من تشرين الأول، سقط نحو 350 شهيدًا عسكريًا في الميدان.
وعمليًا، تمكنت إسرائيل من استهداف شخصيات عسكرية مؤثرة، وكان أبرزها قبل فؤاد شكر، في الثامن من كانون الثاني، القياديُ في قوة النخبة التابعة لحزب الله “قوة الرضوان” وسام الطويل، وكان ذلك بعد أيام من اغتيال قيادي حماس في الضاحية الجنوبية صالح العاروري مع رفاقه. وبعده بأيام، اغتالت المهندس علي حدرج، الذي لعب دورًا بارزًا في تعزيز الخبرات التقنية لدى حزب الله.
كذلك اغتالت إسرائيل في الثالث من تموز، محمد ناصر، ويقال إنه كان مسؤولًا عن قسم العمليات على الجبهة في الحزب. وقبله، اغتالت طالب سامي عبد الله، في 12 حزيران، وهو قيادي عسكري رفيع بالحزب، مع ثلاثة آخرين من المقاتلين، عبر غارة جوية على منزل في قرية “جويا” بالقرب من مدينة صور.
تفوق استخباراتي؟
لا شك أن إسرائيل كرست فشلًا ميدانيًا ذريعًا، في حسم حربها العسكرية ضد حماس في غزة، وضد حزب الله عند جبهتها الشمالية، ما جعلها تخوض أطول حرب زمنية في تاريخها، من دون نتيجة نهائية أو حاسمة، رغم إفراطها في العدوان على غزة وارتكاب المجازر وجرائم الحرب.
لكن نقطة قوة إسرائيل، هي بالتفوق الاستخباراتي واختراق المنظومات الأمنية لأعدائها من حركات مقاومة ودول قوية مثل إيران. وهو ما يبرر احترافها منذ عقود، لتكريس سياسة الاغتيالات، كأقوى أداة لها في شتى حروبها.
أما المفارقة راهنًا، هو أن إسرائيل تستفيد وفق خبراء، في حربها الراهنة والمتعددة الجبهات، من تطور تكنولوجي هائل، يعزز قدرتها على اختراق المنظومة الأمنية لحركات المقاومة ومختلف أعدائها. وذلك إلى جانب ارتكازها على الاستخبارات البشرية، كأقوى “عنصر” مساعد ميدانيًا، عبر تعاونها مع شبكة واسعة من العملاء والجواسيس على الأرض.
وتستند إسرائيل حكمًا إلى تخطيط دقيق في تنفيذ عمليات الاغتيال، ويبدو أن لديها قائمة طويلة من الشخصيات التي تخطط لاستهدافها، من كبار القادة إلى المقاتلين الميدانيين، ولا تهدأ عن جمع أدق المعلومات عنهم.
لكن ما يعزز تفوق إسرائيل في هذا الإطار، هو امتلاكها تكنولوجيا متقدمة، وتقنيات رصد وتجسس متطورة، كالأقمار الصناعية، والطائرات من دون طيار، وأجهزة التنصت والاختراق السيبراني، مما يتيح لها جمع المعلومات حول أهدافها وتحليلها بدقة. كما بات معلومًا أن إسرائيل تحترف الهجمات السيبرانية، التي باتت حربها الموازية في الفضاء الرقمي مع حركات المقاومة، وتسعى دائمًا لاختراق أنظمة الشبكات والاتصالات لجمع المعلومات الحساسة قبل توجيه ضرباتها.
والأهم هنا، هو أن إسرائيل تعتمد أيضًا على تعاون دولي من حلفائها بالعالم والمنطقة، لتسهيل حصولها على المعلومات حول الشخصيات التي تخطط لاستهدافها، وربما على الدعم التكتيكي لتنفيذ العمليات.
يدرك كثيرون أن مختلف حركات المقاومة تسعى لتعزيز قدراتها الأمنية والاستفادة من التكنولوجيا والأدوات الحديثة قدر الإمكان. لكن، حتى الآن، لم تتمكن مختلف فصائل المقاومة من الرد على إسرائيل بعمليات الاغتيال، بالمستوى نفسه وجنس الفعل ذاته. أي اغتيال يقابله اغتيال موازٍ.
فهل يكفي فعلًا تشديد الإجراءات الأمنية، للتصدي لقدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات الاغتيال، من دون بلوغ مستوى الندية معها في هذا المجال؟
جنى الدهيبي- المدن